اقتباس:  zaidgalal   كتب/كتبت  
أخي الكريم أبو عاصم
السلام عليكم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وأهلا بك أخي زيد وسهلا ومرحبا .

اقتباس:بداية لم يحرم الله التفكير البتة ولا اللجوء لحقائق العلم. بل جعل ذلك حلالًا ورغبنا فيه

التفكير من أساسيات هذا الدين أخي الكريم نعم، بل لولا التفكر هذا مع الفكر والعقل ما اهتدى الإنسان للعبادة السوية السليمة، لكن العقل ذاته ومع انحراف بسيط في الفكر يجد نفسه مائلا عن عبادة الله خالق الأرض والسماء إلى عبادة الأوثان والأصنام. الفكر هذا قد دعينا لإعماله في العلوم وفق شروطها وضوابطها وبعد خبزها وعجنها وفهمها ودرايتها حق الدراية، ولهذا جاء الرسل إلينا يضيئون لنا الطرق والسبل بضوابط التعقل والفهم، وعليه فلا يحل لعالمِ حديث على سبيل المثال أن يجلس في مكان طبيب جراح فيقوم بإجراء عملية لهذا وذاك، وكذا لا يحل لمن قرأ نبذة عن علوم الحديث أو حتى درسها لسنوات دون استفاضة ونظر ومناظرات أن يقوم فيطعن على أئمة أعلام كبار في هذا المجال، بل وأمام خلق الله فاتحا المجال رحبا للصغار والكبار، يطعنون في علوم ما عرفوا عنها في يوم من الأيام شيئا، إلا ما يرونه من تناقض ظاهر في بعض المتون كما يدعون.

اقتباس:اتفق معك أخي أبي عاصم إلا أن البخاري بشر مثلنا لا يعلم الغيب وبين يديه روايات كثيرة جاءت من مصدرها ومن غير مصدرها بعد مئات أو عشرات السنين.

إنما قصدت من قولي: " إن البخاري رحمه الله تعالى قد كان شيخا من شيوخ الإسلام وأعلامه" أن الخباري له رأي في من دلس ومن لم يدلس ورأي في التضعيف والتصحيح يفوق من عاصره من الأئمة الأعلام، ولا يعني هذا عدم خطئه قطعا، وما كان رأيي يوما عدم النظر في مرويات الصحيحين أبدا، ولكن ليكن النظر من أهل النظر، ولتكن المراجعة لأهل المراجعة، فما كل من تعلم الحديث في زماننا كان قادرا على رد اجتهاد مثل هذا الجبل الأشم، قد يتكلم المرء في تصحيح الإمام الحاكم نعم وقد يتكلم في إفرادات الطبراني وقد يتكلم علماء هذه الأمة في تصحيحات الترمذي لكن على حذر، فلكل مكانه ولكل في الإسلام درجته، فما لطالب حديث أن يقرن بين الحاكم والترمذي في التصحيح والتضعيف مثلا، وما لحكبم أن يقرن بين الطبراني والدارقطني أيضا وإن تعاصرا أو في الزمن تقاربا، وما للصادق الأمين أن يقرن بين ابن حجر والدارقطني في سعة العلم والحجة، وفي ذات الوقت ما لصاحب السلامة أن يقرن بين الدارقطني والبخاري في علمه.

وقعت على أحد كتب الفوائد التي قام على انتقائها الدارقطني، فنظرت فيه في ثلاث سنين أحقق وأدقق فيه، حتى وصلت إلى نتيجة مفادها أن الدارقطني ما قال في حديث تفرد به فلان إلا وكان كما كان، فأي عقل هذا الذي وهب لهذا الرجل العظيم حتى لكأن جهاز الحاسب الآلي هذا لا يساوي شيئا أمام سعة ذاكرته وحفظه، فما نقول في البخاري وقد سبق هذا الإمام بأكثر من ثلاثين ومائة سنة! وجدت من قال إن عفا الله عن الدراقطني إذ يقول تفرد به فلان والحقيقة إن فلانا غير من خرج له قد رواه، فرجعت فإذا قول ذاك الذي يدعي العلم يقوله في متابعة قاصرة!

لا بأس بالنظر والمراجعة نعم لكن لمن يملك القدرة على هذه المراجعة، ولمن يدرس هذا الكتاب حق الدراسة، ويفهم منهج الإمام منه حق الفهم، وينظر في شرطه الذي في كتابه شرطه، والذي بينه في تسمية الكتاب التي لا يعرفها كثير من الخلق والناس، ممن ينقدون الصحيح ويطعنون فيه.

اقتباس:وقد عاب أخي الفاضل بعض علماء السنة والجماعة على البخاري اعتماده رواة ضعافًا في صحيحه. كما أن تلقي علماء العصر له بالقبول لا يعني الموافقة على جميع ما فيه بدليل أنهم انتقدوا عليه روايات. بل من علماء السنة والجماعة من فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري. ومعنى هذا أن كتاب البخاري Critical. وإلا لأعلن هو أنه وحي من الله ولما جرؤ أحد من علماء السنة والجماعة على تضعيف عشرات من رواته ونقد عدة روايات في كتابه، ولما جرؤ أحد على تفضيل صحيح مسلم عليه.

فأما الضعفاء هؤلاء فما أخرج لهم البخاري إلا ولهم طريق آخر يقوي إسنادهم أو كان أثرهم بمتنه معروفا في الصحة والسلامة مشهورا، فيأتي إليه يرويه من أحد الطرق العالية اختصارا، وقد أجاب عن هذا الأمر البخاري في حياته رحمه الله تعالى، ورد على من اعترض عليه، وصورة تخريجه لهذه الأحاديث كصورة القائل في أحد المساجد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) فالكل هذا الحديث يعرفه ويعلمه ولا يُتصور أن أحدا من القوم يقوم إلي فيسأل الرجل عن صحته أو حتى عن موضعه، في مجالس العلماء أو في مجالس العامة حتى، وأما تفضيل مسلم على البخاري فمن حيث الصنعة الحديثية لا من حيث قوته الإسنادية، وإلا فإن أسانيد البخاري أقوى بلا شك عند الجميع من مسلم، فأما من حيث الصناعة الإسنادية فإن البخاري قد أقام كتابه على الترتيب الفقهي ولم يبنه على المتابعات والشواهد والتحويلات الإسنادية كما الإمام مسلم، وهذا ما جعل البعض يرفع ذاك الصحيح عن هذا.

أعود فأقول: ضعف رواة الصحيح لا تعني ضعف حديثه، لا سيما وعندنا في الحديث الحسن والحسن لغيره، والذي يتقوى بمجيئه من طريق آخر، وفي ذات الوقت فقد يضعف ابن معين أحد الرواة مثلا بقول مرسل لا مبين ولا مفصل، يقابله تصحيح أحمد والبخاري أحيانا، والضعف إن لم يفسر رُد بقول الأئمة إذ يوثقون ويعدلون، وأما نقد روايات الصحيحين فهي من قبيل ما كان الأفضل للإمام وأحسن، لا من حيث الضعف والصحة، فقد رأى الدارقطني أن هناك أسانيد في القوة فاقت أسانيد البخاري بذات المتون وكان من الحق أن يلزمها على رأيه لا أن يخرج في صحيحه هذه التي هي في القوة أقل من تلك، وقد رد عليه ابن حجر وأوضح وأبان في هدي الساري، ومع هذا فإن ابن حجر ما بلغ مبلغ الدارقطني كما لم يبلغ الدارقطني مبلغ البخاري.

اقتباس:أخي الفاضل هناك ثقات رووا عن ضعاف أو وقعوا في الوهم. وسأشرح ذلك عندما اتعرض لرواية البخاري أن الرسول سجد وسجد معه المسلمون والمشركون عندما نزلت سورة النجم.

فرق بين المرسل أخي الكريم وبين المدلس، فمدلس الإمام المعروف بروايته عن الثقات صحيح سليم ولا مطعنا سليما فيه، لأن الإمام لا يدلس إلا عن ثقة بين العدالة والضبط، وهذا بخلاف المرسل الذي نعرف انقطاع إسناده فنبحث عن الذي من إسناده سقط وضاع، ومع هذا فقد صحت مراسيل وما لأحد ردها، وقد وجدت أطرافها وطرقها.

اقتباس:ولو أنه حَكَّم كتاب الله تعالى وتحليل آياته في هذا الشان تحليلًا لغويًّا لكان خيرًا له وأهدى سبيلًا إلا أنه عالم روايات لا يلجأ لكتاب الله إلا قليلًا إلا من رحم ربي منهم.

الصحيح أن يعرض المرء ما عنده من أحاديث على كتاب الله نعم، ولكن الأصح أن لا يقرب هذا المجال إلا مجتهد قد جمع من أصناف العلوم الشرعية ما جمع، ولم أدرك في هذا العصر ولا أعرف مجتهدا واحدا آخذ بقوله إن خالف أولئك الحفاظ الأفذاذ، وهذا رأيي في الفقه وفي الحديث، فما خالف فيه أشباه الفقهاء أقوال أولئك الشم العظام رددته بقولهم وحكمهم إلا أن يكون لهم مستند رأي عن أولئك الأئمة يستندون إليه في قولهم، وأما ما حكموا فيه من المستحدثات من غير ما حكم سابق فيه فآخذ برايهم وأسلم.

اقتباس:وقد رفض الإمام الشافعي قبول من دلس ولو مرة واحدة:
"واعلم ان الامام الشافعي قال ان الشخص إذا دلس مرة واحدة كان مدلسا." (المدلسين لأبي الوفا. ج1)

فأما نقلك هذا أخي الكريم فما رفض فيه الشافعي قول من دلس، ولكن جعل من دلس ولو مرة واحدة مدلسا.

اقتباس:ما دام أبو إسحاق مدلس ولم يتابع عليه البخاري فروايته ضعيفة. إن من شروط قبول رواية المدلس عند علماء الحديث هو أن يتابع عليه وقد اعترض الشافعي على هذا كما ذكرت لك أعلاه. ولماذا نستثني البخاري؟ أليس بشرًا؟ وكيف علم صدق رواية أبي إسحاق هذه؟ هل يعلم الغيب، أخي الكريم؟

فأما كلام الشافعي فليس في رد الرواية، وأما شرط علماء الحديث فهو عندك في كتب المدلسين، وعلى رأسها كتاب العلائي الذي قسم فيه المدلسين إلى طبقات خمس، أجمع العلماء على قبول الأولى والثانية منهم وإن لم يصرحوا، واختلفوا في الثالثة وردوا الرابعة والخامسة إن لم يصرح فيها أصحابها، وعليه فنحن لا نستثني البخاري أبدا، ولكن هذا منهج العلماء وهذا نهجهم، وما لنا أن نتكلم في علم هم من بنوه وأسسوه إلا أن نصير إلى علمهم وفقههم.

اقتباس:سيدنا أبو هريرة شهد أنه نسي وأخطأ، والسيدة عائشة خَطَّأت ابن عمر، كما أخطأ سيدنا أبو ذر. وكل هؤلاء من الرواة الأوائل الذين أخذوا من المصدر مباشرة. فما بالك بمن جاء من بعدهم؟! كما خَطَّأَ العلماء السيدة عائشة في رواية الرضعات. ما دمت بشرًا لا مفر أمامك من الخطأ والسهو والنسيان والوهم. فهذه طبيعتك وأنت خاضع لها.

كل يخطأ ويصيب نعم، ومع الضبط والعدالة في نقلة الإسناد قد نرد المتن ولا نقبله، بشذوذ أو بعلة قادحة، ولهذا كانت علوم الحديث تزيد عن الستين بل وحتى المائة عن بعض العلماء بالتفصيل والتحليل.

ملاحظة: بالنسبة لحديث الرضعات فما أحد من العلماء خطأ عائشة رضي الله تعالى عنها في روايتها ولكن رأوا الرضاع ذاك خاصا بحق سالم مولى أبي حذيفة.

اقتباس:{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (30) سورة الأنبياء

قوله جعلنا غير "خلقنا". والمعنى أن الله عز جعل الكائنات الحية لا يمكن أن تستغني عن الماء وأن الماء يمثل الجزء الأكبر من تركيب أجسامها. والكائنات الحية التي يراها الكافر أمامه هي الإنسان والحيوان والنبات والحشرات. أما الخلق من ماء فيعني أن الجزء الأكبر وهو الحيوانات المنوية والبويضة من ماء:
{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (45) سورة النــور

في الحقيقة أنت ما أجبت عن شيء هنا أخي الكريم، فالشيطان من نار وهو حي. نعلم أن جعل غير خلق وأن لفظ القرآن العظيم دقيق حكيم، ولكن أي دخل للماء بالنار هذه المتقدة لتجعلها حية؟!!

لن أجيبك عنه الآن مع معرفتي للإجابة عنه، وذلك لتعلم أن التناقض الظاهري لا يعني الضعف بل في بعض الأحيان يعني القوة بعد المراجعة والنظر.

أو كنت تظن أن المتناقضات هذه التي في الصحيحين خفيت عن العلماء كل تلك العصور لنكتشفها نحن في هذا الزمان!

اقتباس:هذا أخي مبالغة وتحميل نصوص وألفاظ الروايات ما لا تحتمل. إن هؤلاء الذين يحاولون التوفيق بين هذه الروايات ينظرون على أنها وحي. وهذا هو الخطأ. الروايات عمل بشري محض وهو محاولة لتسجيل أدق شيء يمكنهم الوصول إليه. إلا أنهم لا يمكن أن يسجلوا الرواية الأصلية كما هي في الغالب أو في أحيان كثيرة. ووسط هذا تقع الأخطاء والسهو والنسيان والزلل. هذه طبيعة البشر ولا يمكنهم الخروج عنها.

للحق والحقيقة أنا في هذه معك ولعل قول القاضي عياض في هذا يجانب الصواب، لكن ما قولك في أن هذا من المعلقات لا من المسندات؟

على كل ..

سأعمل على مراجعة هذا الأثر لأرى سبب هذا التناقض الظاهري ..

وكأني بعلة ما في رواية الطيالسي عند الإمام أحمد.