خلينا هلأ من الذات الإلهية يا برهوم، بكير كثير على النقاش في إثبات وجودها عقليا، أنا على خلاف رأيك وما عندي شي لإسمه إيمان بدون عقل.
الإيمان عندي هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، والدليل عقلي ونقلي، والعقلي هو الأساس والنقلي فرع عنه.

لكن هذا ليس موضوعنا، ومن المبكر جدا تناول إثبات وجود الله بالعقل في حين أننا لم نتفق عن ماهية العقل، ولم نتفق عن المعرفة وقيمتها.

نأتي إلى لب الموضوع يا برهوم العزيز، والحكي للجميع وكلكم أعزاء،

حين ترى أن الطريقة العلمية التجريبية هي الطريقة الوحيدة للمعرفة الحقيقية، أو أن قيمة المعرفة الناجمة عنها هي الحقيقة، تقع في عدة مغالطات معقولة نسردها:

1- لا تثبت النظرية بنفسها، فأنت حين تجزم بأن الطريقة العلمية التجريبية هي التي توصل إلى المعرفة أو المعرفة الحقيقية فلا يخلو أنك توصلت إلى هذا عن طريق نفس الطريقة العلمية التجريبية، فتكون قد استدللت بموضوع النزاع وهذا غير مقبول، أو تكون قد استدللت على كلامك بغير الطريقة العلمية التجريبية فتكون قد غالطت نفسك وتحدثت عن نظرية لا تحمل صفة الحقيقة لأنها لم تثبت بما ألزمت به نفسك.

2- تستطيع بوساطة الطريقة العلمية التجريبية أن تتأكد من عدم وجود أمر، إلا أنه ما من تجربة ممكنة لإثبات استحالة أمر.
يعني
نستطيع من خلال الطريقية العلمية التجريبية التيقن من عدم وجود رجال على المريخ، ونستطيع التيقن من عدم وجود جزء أكبر من كله.
ومهما كررنا التجربة فسنحصل على نفس النتيجة، ما من رجال على المريخ، وما من جزء أكبر من كله.
إلا أن وجود الرجال على المريخ ممكن، ونقبل خطأ الحكم السابق بعدم وجود رجال على المريخ لو ثبت فشله.
لكن لن يوجد أبدا جزء أكبرا من كله، أو اجتماع الشيء ونقيضه في جوهر واحد، هذا مستحيل. وهذه المعرفة بأنه غير موجود حصلت بالطريقة العلمية التجريبية، أما المعرفة بأنه مستحيل فدلني على التجربة التي قمت بها لأكررها وأحصل على نفس النتيجة.

رجائي يا برهوم أن لا تلتفت عما تعبت في كتابته إلى ما صدرت به كتابتي بالحديث عن الإيمان، فهو ليس موضوعنا الآن.
نحن نناقش طرق المعرفة، ثم حين نثبت طرقها سنرى كيف يدل العقل على الإيمان، ليس إيمانك أكيد بل إيمان من نوع مغاير.