الأسد بدّل موقفه من المحكمة متّكلاً على التعديلات

توقفت اوساط سياسية عند إعلان الرئيس السوري بشار الاسد للمرة الاولى ان ليس صحيحا ما ينقل عنه انه ضد المحكمة ذات الطابع الدولي بالمطلق، بل هو مع كل ما يتفق عليه اللبنانيون. واذا كان هناك فريق لبناني يطالب بمناقشة المحكمة بصدق وموضوعية وحرص قبل اقرارها، ويريد تاليا ان يضع ملاحظاته، فان دمشق لن تتدخل(...) في هذا الموضوع بل ستؤيد النص الاخير الذي يحظى باجماع اللبنانيين(...).
هذا الموقف للرئيس الاسد اعلنه خلال اجتماعه بالرئيس الحص في دمشق، ولم يمانع بأن ينقله عنه الرئيس الحص الى وسائل الاعلام.
والسؤال المطروح هو: ماذا وراء هذا الموقف الجديد للرئيس الاسد من المحكمة؟ هل هو موقف تكتيكي خصوصا انه كان قد كرر امام مسؤولين سياسيين لبنانيين، وكذلك امام سياسيين ومسؤولين عربا واجانب، انه يعارض انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي ولا يريد ان يسمع بها، وان اي حل للازمة اللبنانية يتضمن انشاء هذه المحكمة سوف يعارضه ولن يجعله يمر. فما الذي عدا مما بدا؟
يقول مصدر وزاري إن الرئيس الاسد رأى ان يغير موقفه من انشاء المحكمة بحيث لا يعارض انشاءها خلافا لما كان عليه موقفه من قبل، وذلك بعدما سمع من اصدقاء له في دول عربية واقليمية واجنبية ان ليس من مصلحته الوقوف ضد انشاء المحكمة لئلا يتهم بأن له ضلعا في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، والا لماذا يرفض انشاء هذه المحكمة، ولماذا هو وحده بين رؤساء دول عربية واجنبية بما فيها اسرائيل من يعارض انشاء المحكمة؟ لذا عليه ان يطالب بانشائها لمعرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، فاذا كانت اسرائيل، كما يردد البعض، فينبغي ان تساعد سوريا على انشاء المحكمة لمعرفة المجرمين الحقيقيين الذين ارتكبوا هذه الجريمة. فهل هذا الموقف الجديد للرئيس الاسد من المحكمة يعني انه بات فعلا مع انشائها؟
الوزير نفسه يرد على ذلك بالقول إن الرئيس الاسد بدّل موقفه من المحكمة من قبيل المناورة، ولكي لا يتهم بأنه يعرقل انشاءها للحؤول دون معرفة الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ما يثير الشكوك والظنون حوله، لكنه يعتمد في موقفه هذا على التعديلات التي يصر حلفاؤه في لبنان على ادخالها على النظام الاساسي للمحكمة، وهي تعديلات قد تثير خلافا بين فريق الاكثرية الموالية وفريق الاقلية المعارضة، فيؤدي هذا الخلاف الى عرقلة قيام المحكمة الى اجل غير معروف، ولا يكون في استطاعة الوزراء الذين ليس لديهم الثلثين ان يرفضوا هذه التعديلات. وان هم فعلوا، فان وزراء المعارضة في حال منحهم الثلث المعطل يستطيعون تعطيل اقرار كل ما يتصل بالمحكمة اذا لم يكن مقبولا منهم. لذلك، تصر المعارضة على ابقاء تعديلاتها على نظام المحكمة سرية حتى اذا ما طرحتها على لجنة تشكل لهذه الغاية، او في مجلس الوزراء، فان خلافا سينشأ في شأنها يحول ليس دون تشكيل المحكمة، بل دون تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فتبقى الازمة السياسية عندئذ قائمة ومرشحة لادخال البلاد في المجهول.
ولأن الرئيس الاسد يعلم علم اليقين ان التعديلات التي يقترحها حلفاؤه في لبنان على نظام المحكمة، ستحول دون قيامها وتاليا دون الاتفاق على توسيع الحكومة، فانه حرص على القول للرئيس الحص انه "مع كل ما يتفق عليه اللبنانيون. وان دمشق لن تتدخل في موضوع نظام المحكمة بل ستؤيد النص الاخير الذي يحظى باجماع اللبنانيين"... فهل يعقل ان يتفق اللبنانيون على صيغة واحدة لنظام المحكمة وان تحظى هذه الصيغة باجماع اللبنانيين شرطا لانشاء المحكمة، واي بلد في العالم يتفق جميع الزعماء فيه على موقف واحد من قضايا مهمة مطروحة، وان تحظى هذه القضايا باجماعهم والا صرف النظر عنها او تأجل بتها؟
ان هذا الموقف للرئيس الاسد جعل المصدر الوزاري يتذكر موقفا مماثلا لوالده الرئيس حافظ الاسد عندما كان يرفض استجابة المطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان تطبيقا لما نص عليه اتفاق الطائف. فعندما كانت الحكومة اللبنانية تطالب بذلك، كان يرد بأنه يريد اجماع السلطة اللبنانية على هذه المطالبة، وعندما كانت تجمع السلطة على المطالبة بالانسحاب، كان يرد بأنه يريد اجماع الشعب اللبناني، وكان يعلم ان الشعب منقسم حول ذلك. وعندما نجح الرئيس حافظ الاسد في اقامة حكم في لبنان ولاؤه المطلق له منذ ان صار انتخاب الياس الهراوي رئيسا للجمهورية، ضمن بقاء القوات السورية في لبنان الى اجل غير مسمى وصارت الحكومات تضمن بياناتها الوزارية عبارة: "ان لبنان لا يزال في حاجة ماسة الى وجود هذه القوات". وعندما انتخب العماد اميل لحود رئيسا للجمهورية، صارت الحكومات تضمن بياناتها الوزارية عبارة: "ان الوجود العسكري السوري في لبنان شرعي وضروري وموقت"...
وهذا ما يطبق الآن بالنسبة الى انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي، اذ لم يعد للرئيس الاسد مصلحة تجاه العالم العربي والدولي ان يعلن رفضه انشاء هذه المحكمة، فارتأى الاعتماد في تعطيل انشائها على حلفائه في لبنان وذلك من خلال إحداث خلاف بين اللبنانيين على التعديلات المقترحة على نظام المحكمة، فاذا ما اخذ بها، فان المحكمة تفرغ من صلاحياتها وتصبح وكأنها غير موجودة، واذا لم يؤخذ بها، يعطل اقرار الصيغة النهائية للنظام ويعرقل تاليا توسيع الحكومة لتصبح حكومة وحدة وطنية، والحقيقة ان المعارضة لا يهمها اذا توسعت الحكومة او لم تتوسع بل يهمها تعطيل انشاء المحكمة باحداث خلاف على نظامها، فيما المطلوب كما اعلن الرئيس الاسد للرئيس الحص: "ان دمشق ستؤيد النص الاخير للنظام الذي يحظى باجماع اللبنانيين"...
وهذا يفسر مطالبة نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بأن تكون الحكومة هي المدخل الى المحكمة وليس المحكمة هي المدخل الى الحكومة كما طالب النائب سعد الحريري، علما ان الخلاف على تشكيل الحكومة، يؤدي الى خلاف على نظام المحكمة، والخلاف على هذا النظام يؤدي الى عرقلة تشكيل الحكومة...

وعندما سئل المصدر الوزاري لماذا تطالب دمشق ومعها حلفاؤها في لبنان بانهاء التحقيق اولا في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ومن ثم يبحث في انشاء المحكمة، اجاب: لان التقرير النهائي الذي سيصدر عن لجنة التحقيق الدولية لن يقدم الا للمحكمة نظرا الى انه يتضمن معلومات مهمة واتهامات لا يمكن الكشف عنها الا للمحكمة وذلك حماية للشهود، وعندما لا تكون المحكمة قد نشأت فان هذا التقرير يبقى في ادراج اللجنة الى ان يتم انشاء المحكمة. لذلك يتم عرقلة انشاء المحكمة بشتى الوسائل لانها اذا ما نشأت فان التقرير النهائي سيعلن مضمونه عندما يرفع الى المحكمة، ويكفي ان يعلن ما فيه من معلومات مثيرة لتصبح حديث الناس قبل صدور الاحكام التي قد يحتاج صدورها الى سنوات.

اميل خوري

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	من يسيء إلى الإسلام؟ ومن هو المجرم الحقيقي؟	إبراهيم	135	34,607	03-20-2010, 05:55 AM آخر رد: إبراهيم
	الإنتصار..المجد الحقيقي..	AhmedTarek	12	2,593	12-29-2009, 02:55 AM آخر رد: أحاه
	السبب الحقيقي للرعب الصهيوني من المشروع النووي الإيراني	لءيتال	18	4,751	05-25-2009, 09:49 AM آخر رد: السلام الروحي
	الوجه الحقيقي للنيوليبرالية	MINDMUSCLES	7	1,564	06-29-2008, 11:00 PM آخر رد: رائف
	ما هو الدور الحقيقي .. لهذه الجزيرة ... وبدون قناع ؟؟!!!	نسمه عطرة	21	3,862	06-23-2007, 02:22 PM آخر رد: السيّاب