قرآنيون فقط، مع كل الإحترام للأستاذ جمال البنا
الزيّاني القرآني*
(وردنا هذا النصّ المدهش، والقيّم، ردّاً على مقال الأستاذ جمال البّنا ("قرآنيون.. ومحمديون أيضاً) المنشور في هذا الموقع. وقد نشرناه تحت توقيعٍ مستعار بناءً على طلب الكاتب، حيث أن بعض البلدان العربية، حتى مصر، "تحظر" القرآنيين، وتزجّ بهم في السجون! ومجال الردّ، والنقاش، مفتوح طبعاً.)
القرآنيون أو أهل القرآن لم يظهروا على مسرح الأحداث فجأة أو في العصر الحديث، كما قد يفهم من قولكم "ظهور القرآنيين". بل كان وجودنا متواصل في المجتمع الإسلامي منذ اليوم الأول للإسلام، فيجب التفريق بين من يدعو اليوم للأخذ بالقرآن فقط نتيجة قرار شخصي توصل إليه بناء عن قناعة شخصية، وبين أهل القرآن الذين تلقوا المذهب عن مشايخ نقلوها عن من سبقهم من مشايخ و علماء لأهل القرآن جيل بعد جيل. وأنا من تلك الفئة الأخيرة، فقد تلقيت علم المذهب القرآني على يد مشايخ أجلاء من أهل القرآن، توارثوا المذهب جيل بعد جيل من العلماء والمشايخ. و قد درست على أيدي أولئك المشايخ الأجلاء، في لقاء أسبوعي يدوم من ثلاث إلى أربع ساعات متواصلة لمده 52 إسبوع في العام، دون عطلة ولمدة أربعة أعوام بالإضافة إلى وجوب المتابعة والنظر في النصوص خلال باقي ايام الاسبوع. وقد أُجِزتُ، بضم الهمزة، من قبلهم في المشورة والإجتهاد. واليوم، بجانب عملي في حقل تخصصي التقني، فإنني أيضا أتولى تعليم المذهب القرآني لمجموعة صغيرة تزيد عن المائة بقليل من رجال ونساء، فضلا عن مشاركتي في التباحث و تبادل الآراء مع بعض علماء أهل القرآن. وتقوم زوجي أي زوجتي بلغة اليوم، بجانب عملها التقني في مجال تخصصها، بتعليم العديد من الفتيات و السيدات، أحكام المذهب القرآني، مما يسمح لي بالتعليق على مقالكم القيم.
إننا كقرآنيين، نرفض رفضا تاما الحديث النبوي، أيّ حديث، لأسباب لا مجال لذكرها هنا قد تسبب إحراجا للبعض و توترا لا ضرورة له بيننا وبين أهل الحديث من السنة والوهابية والشيعة والأباضية والصوفية وأهل الظاهر وغيرهم. ونحن لا نريد توترا خاصة وإن بعض أهل الحديث يعد العنف مع من خالفهم أمراً مشروعا، وقد تلقيت شخصيا تهديدات بالقتل على بريدي الإلكتروني. وما حدث مع الأسرة المصرية المسيحية في الولايات المتحدة ليس ببعيد، والتي ذبح جميع إفرادها بوحشية تقشعر لها الأبدان، فقط لأن الوالد كان يدخل في نقاشات ساخنة مع بعض أهل الحديث في "البالتوك". وقد علمنا مشايخنا الأجلاء أن نخفي مذهبنا إتقاء للقمع الذي كان فيما مضى قمع السلطات الحاكمة، أما اليوم فإنه قمع مزدوج من السلطات التي تهادن الجماعات الأهلية المتطرفة. ومن المتطرفين. فـ"التقيّة" حلال بنص القرآن، وأنا شخصيا أعلمها لتلامذتي من النشء القرآني، حتى يحفظوا على أنفسهم حياتهم
كما لا أريد أن أحرج أحداً من القائمين على أمر هذا الموقع الرائع، لأن الحديث عن الحديث النبوي وأسباب رفضنا له على الإطلاق، أمر يدخل في صلب إسلام أهل الحديث، ورفضُهُ يهدم الجزء الأكبر من مذاهبهم.
على إن هذا لا يمنعني من أن أعلق على بعض النقاط في المقال. فقد ذكرتم في المقال رأي المعتزلة. ومع تقديرنا للمعتزلة فإننا لا نتفق معهم، و لسنا منهم و ليسوا منا، كما إن الخوارج أو الشراة، ليسوا بأهل القرآن بل إنهم من أهل الحديث أيضا وإن انبثقوا عن أهل القرآن وخرجوا منا، إلا إنهم إنحرفوا عن جادة الصواب والحق ولزموا طريق الحديث وتبنوا العنف الذي يرفضه أهل القرآن تماما إلا أن يكون دفاعا عن حياة المرء فقط. ونقول فقط، فلا حروب مقدسة عندنا، فنحن أهلُ سلمٍ بناءً على نص القرآن، سواء كنا في حال ظهور أو حال التقية الأمر سيان لدينا. السلم السلم، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دون أن نؤذي أحداً او نسفك دماء مسلمٍ مخالف أو غير مسلم، لذا فإن الخوارج ليسوا حجة لدينا.
إننا نرفض الحديث والسيرة والتفاسير بل وعلم النحو والصرف السيباوي، ونأخذ فقط بظاهر النص القرآني دون إجتهاد او تفسير باطني. ولا نتفق مع سيادتكم في الأخذ ببعض الحديث ورفض البعض الآخر، لأن قبول حديث واحد، هو كقبول الباقي، لان المعيار مطاط، فما قد تراه سيادتكم مرفوض مرذول، قد يراه غيركم حسن مقبول. إن قبول حديث واحد في رأي مذهبنا، هو كحصان طروادة، الذي سيجرنا إلى أن نصبح من أهل الحديث، وهو أمر لا نقبله مع إحترامنا لهم. وهو ذات الأمر الذي حدث مع الخوارج أو الشراة عندما بدأوا في تبني أحاديث قليلة ثم توسعوا في الأمر حتى عُدّو عندنا من أهل الحديث و خرجوا عن صراط الحق.
كذلك فإننا نختلف معكم في قولكم، فلا يمكن استبعاد السُنة تماماً كما يتصورالقرآنييون. نقول بل يمكن، وقد عشنا أكثر من ألف وأربعمائة عام دونها. والقرآن في معتقدنا وافٍ وكامل بنص القرآن. والمجال لا يتسع لذكر النصوص الدالة على ذلك.
إننا نختلف عنكم يا أهل الحديث في كثير من الأمور، وسأذكر أمثلة: نحن نرفض الحجاب للمرأة، والمرأة مطالبة فقط بستر عضوها التناسلي، بشرط ألا تستخدم تلك الرخصة لإثارة الغرائز. ولنا في كيفية الحكم على إثارة الغرائز رأي لا مجال لذكره، ولا عورة للرجل على الإطلاق.
ونحن نرفض قطع يد السارق بنص القرآن، ولا يوجد زنا على الإطلاق، ولسنا كالبعض الذين يرون أن الجلد هو العقاب القرآني للزنا، بل لا يوجد زنا في القرآن. ويحرم البعض من أهل القرآن الزواج بأكثر من زوجة، ويُحلُّ جميع أهل القرآن زواج المتعة، ونحل الوهب وملكية اليمين التي استفاض في شرحها أهل القرآن كوجهٍ من وجوه المعاشرة بين الرجل والمرأة وليس كنوع من العبودية. ولنا أراء في موضوع العدة، ورأي البعض من أهل القرآن أن لا تحريم للحم الخنزير والخمر، ورأي الجميع إن لا عقوبة على الجنس بين الذكور، ولا تحريم للتخنث ولا تحريم للمثلية الجنسية بين الأناث، وغير ذلك من الأمور التي تشغل الرأي العام هذه الايام سواء في الشرق الأوسط أو أوروبا و الولايات المتحدة. ويساوي بعض أهل القرآن بين المرآة والرجل في الميراث. ولا نرفض ولاية المرآة، ولا عقوبة لَتارِكِ الإسلام. ونرفض القول بأن غير المسلم ذِمّي، بل هو مواطن كامل له نفس حقوق المسلم دون إنتقاص، كما عليه نفس واجباته في المجتمع المدني.
أما الصلاة فإن شرحها يطول، وهناك أمور كثيرة لا مجال لشرحها هنا سواء لأن الموقع ليس موقعاً دينياً بل موقع تبادل للأراء المستنيرة، وأيضا حتى لا نتعرض للهجوم او القتل، لان الكثير مما قلناه ومما لم نقله يخالف تماما أهل الحديث من سائر المذاهب.
مع العلم إن قرآننا هو قرآن أهل السنة من أهل الحديث وليس قرآناً مختلفاً، بل إن مصاحفنا التي نستخدمها في التعليم مطبوعة في المملكة السعودية.
إننا كقرآنيين ننظر للمستقبل بتفائل كبير، ونرى بأن المستقبل في الإسلام هو للمذهب القرآني. فبزيادة التعليم والإستنارة بين الأجيال الجديدة، يصبح المستقبل للقرآن، مثلما يحدث اليوم للبروتستانتية في أمريكا اللاتينية والتي يزداد إعتناقها مع انتشار الحرية والتعليم والتحسن الإقتصادي. وكان خطّا المنحنى بين الليبرالية والبروتستانتية متلازمان، والمذهب القرآني مشابه للبروتستانتية في تمسكه بالنص المقدس فقط دون تقاليد متوارثة او قوانين شفوية، ولكن هو الأقدم. فالمستقبل لنا، وكما صمدنا أكثر من ألف وأربعمائة عام في طي الكتمان، فسوف نستمر إلى النهاية. ولكن في العلن، فالحرية بدأت تطرق أبواب الشرق الأوسط.
http://www.metransparent.com/texts/zayyani...al_el_banna.htm