للتمييز ما بين السلطة والشعب
... بادئ ذي بدء ليس من العدل ولا بحال من الأحوال أن يفهم من حديثنا هذا أنه مقصد الشماتة بالشعب السوري أو أيٍ من الشعوب القطيعية العربية أو ما بات يعرف اصطلاحاً بالشعوب المجترة، إذ أنه لن يكون من العدل أو الحكمة أن يُشمَتَ بخراف تساق من نواصيها إلى مناحرها بكرةً وأصيلا. إلا أنّ شجون الحديث هي ما سيضطرنا أن نعرج ما بين الفينة والفينة على الشعوب على اعتبار أن مثل هذه الزعامات لم تولد إلا من رحم الشعوب اللإجترارية المعرفة والمبينة أعلاه.

الحقيقة للتاريخ
تاريخ طويل من العلاقات العربية الإسرائيلية اللا منتهية واللا متناهية حكماً لاعتماد أغلب أنظمة المنطقة (أغلب وليس كل لأن دولاً من مثل جزر القمر بالمطلق نادرا ما تعرف غير ما يحمله لها ويأخذه منها دينار بيك) على وجود إسرائيل كشعير وعلف طبيعي للشعوب المجترة الظلفية، إذ أنه بدون ضمان بقاء الوجود الإسرائيلي ككلب الراعي لأنظمة المنطقة العربية ـ مع احتفاظي بحق عدم التوضيح في عدم الإشارة إلى حقيقة كينونة الراعي أو شخصية الكلب ـ فإنه لا ضمان لعودة القطعان من مراعيها إلى زرائبها، وبدون تخويفها مع عواء ذئاب الديمقراطية فلا ضمانة لانفلاتها وتحولها من القطيعية إلى التفرد. والمضحك المؤلم أنه كلما أدرك خروف أنّ كلب الراعي بلا أسنان ولا مخالب أو أيقن بعد صراع نفسي أنه ليس بخروف أصلا بل إنسان يحق له أن يعيش ويحيى ويستمتع بحقوق مواطنة كاملة لا منقوصة تحوَّل إلى عميل بحكم مااااااءات بقية القطيع أو "هوهوات" كلب الراعي.

خروف العيد
وللحق أن ما دفعني لكتابة هذه السطور هو ذاته ما كان يوماً مانعي ومثير امتعاضي، فبقناعتي التي تشكلت في ساحات الحوار أنه من غير المفيد محاولة إقناع خروف أنه ليس بخروف، حتى ولو كنت أنا سيجموند فرويد بشحمه ولحمه، وليس من فائدة أيضاً لتحريضه بعدم الإنسياق إلى المسلخ والمذبح ذلك أنه سيساق ولو رفعا من إليته أو خصيتيه، وله كخروف فالذبح أهون من الخصي لذا فإنه سيمشي خروفاً ولو إنتظروه بمقصلة، ثم أنه قانع بأنه خروف وإن أبدى اعتراضه على سكين الجزّار، ولو أبدى امتعاضه من جز صوفه وتركه للصقيع ينهشه ولو أبدى ممانعته لهوهوات كلب الراعي الناهش في ظهره الداعس في بطنه، فهو في المحصلة ليس إلا خروف وإن بدى له في وجهه أنياب.
فالعربي بالمحصلة ليس إلا خروف العيد، في العيد تحمل الخراف من أربعتها وترقع بالأرض رقعاً فجزاروا المسلخ متعبون وسيف الزمن مسلط على رقابهم كما سكانينهم على رقاب الخراف، وما أروعها من سريالية مرسومة بالسكاكين ولون الدم. فعصى الراعي مسلطة على الكلب وناب الكلب مسلط على الخروف، والقطيع يتغنى بشقائق النعمان التي تنبت على دماء الخرفان. مع العلم أنه وللحق فإن الخشخاش هو ما بات ينمو على دماء الخرفان.

في الواقع اللبناني
إلا أن بعض قطعان الخراف اللبناني تعرضت فيما يبدو مع اغتيال الحريري إلى صدمة كهربائية علاجية غير مقصودة ذكرتهم على حين غرّة بأنهم بشر وليسوا قطيعاً من خراف. ما وضع كلب الراعي في موقف لا يحسد عليه، فلا هو قادر على العودة للراعي مدلدلا أذنيه، ولا قادراً على نهش الذي ما زال يظنه خروفاً في الوقت الذي يقف مذهولاً أمام خروف يلقمه الحجر تلو الحجر، فخروفه وعى أن الكلب لا يهرب إلا إنْ ألقمته حجراً. أدرك فجأة أن المرعى هو أرض ووطن وأنه خلق أصلا حراً لا عبداً، إنساناً لا خروفاً يساق إلى كل زريبة ومذبح.

تساؤلات مشروعة
فجأة وبدون سابق إنذار تظهر تصريحات الراعي كأنها صابةً في مصلحة الخروف الإنسان! وهي في حقيقتها شماتة الراعي بكلبه لأنه عاد يجر خيبته بدون كمالة القطعان. لأن الكلب عوى فضرط فضحكت منه وعليه الخرفان.
هكذا برأيي أرى ما جاء في التصريحات الإسرائيلية التي باتت تتحدث عن إتصالاتها بأطراف في المعارضة من جهة وعن تكثيفها لضغوطها على سورية من جهة أخرى. والتي فجأة باتت الشغل الشاغل لكلب الراعي، بل أنها باتت صحفاً سماوية منزهة عن الخطأ، دليل يتيم يتمسك به كلب الراعي ليبرئ نفسه أمام الراعي من تهمة التقصير في النباح والعواء.

إلا أن التساؤلات المشروعة "غصباً" عن عين من يرفضونها تبقى مطروحة وبقوة، فالتصريحات الإسرائيلية عن اتصالات بالمعارضة اللبنانية في حقيقتها وواقعها لا تصب إلا في مصلحة البعث والنظام السوري ومواليه، إذ أنّ مجرد الشبهة في أنّ أطرافاً من المعارضة على اتصال بإسرائيل وهي في أوج زخمها وقوتها يعني تخوينها وتفتيت قوة إتحادها. يا سادة إن الضباع فقط هي من تأكل الجيف، تماماً كمن يحاول أن يتغذى على مثل هذه الأنباء التي من الواضح في أي مصلحة تصب.
فجأة وبدون سابق إنذار وبعد أن أفاق اللبناني من غيبوبة انفصام الشخصية التي كان خلالها يعتقد جازما أنه خروف صار متهماً لأنه يريد أن يحيى بحرية في بلده ليمارس مع أرضه ووطنه كل أفعال الحب والالتحام بأنه عميل، وأنه الساعي لشق القطيع وتقسيم المرعى. هل يعقل أن نكون من البلاهة و"الظلافية" بأن نصدق أن من تظاهر بالورود البيضاء هو من يريد أن يقسم البلد كما صرح الساقط من عيني أمساً حسن نصرالله بعد أن كنت أعده مخطئاً أنه رجل من رجالات وحدة اللبنانيين! هل يعقل أن من تظاهر بكل تلك الحضارية هو الذئب؟ أم أن كلب الراعي وجزاره المسلط على الشعب هو الهمجي الذي يرغب بشق القطيع؟ ألم نرَ أنّ السلاح ما ظهر إلا في يد مدعي الوطنية؟ وكأن الوطنية تمنح بِعَصَاْ الإذلال والإهانة التي يزاولها قوادوا كلب الراعي وكلبه. وكل كلب راع ولكل راع كلب فعد يا رعاك ربك من كلاب السلطة كلاباً تبدأ حيث بدأت ولا تنتهي إلا بحسابات نسبية آينشتاين.

أليس من حق اللبناني أن يدخل مطار بيروت ليجد أمامه بأرزة تكحل عيناه تحضنه لتربط في جماع حب أرض وطنه بسمائه؟ أليس من حقه أن تطأ قدمه لتفاجئه صورة عن حضارة أرضه بدل أن تعتور عيناه بصور أسود تموء؟ ولا يليق بها إلا قول الشاعر:

أسد عليّ وفي الحروب نعامة ### ربداء تجفل من صفير الصافر


والحق كل الحق أن البعث جرِّب حتى ملَّ منه كل تجريب.

ثم ما هذا الإسترهان للبنان وأرض لبنان، ولم على الشعب اللبناني أن يقبل بكل هذا الإذلال والإستذلال؟

هناك ما تجدر مراجعته
في الأسابيع الماضية وسواء تلك التي سبقت أو تلت اغتيال الحريري، نسمع ونعي ونعرف أنه حق ما يتردد عن المفاوضات السورية الإسرائيلية على الأراض الأردنية. ولم البعد إلى عوالم المغيب، لنراجع إلتقاء الصدفة "في نفق الطائرة" بين إيهود أولمرت وبشار الأسد في الصين، والسؤال الذي يطرح نفسه متى يمكن أن تلتقي في نفق الطائرة ولو بمصادفة نسبتها واحد في المليار إلا إذا كان الملتقيان على متن ذات الطائرة دخولا أو خروجاً، فحتى الآن لم تتفتق التكنولوجيا عن نفق يربط بين طائرات متعددة على الأقل بسبب ضخامة المساحة التي تحتاجها كل طائرة.

ولم شاءت الأقدار صدفة أن يكون إيهود أولمرت في أنقرة في ذات اليوم الذي تصادف به صدفة أن يتواجد رئيس مجلس الوزراء السوري محمد ناجي العطري في أنقره؟

لقد وقعت سوريا سلامها مع إسرائيل منذ العام 1974 عندما إستلمت مدينة القنيطرة من الجيش الإسرائيلي بعد وساطة أمريكية!

ومع ذلك كم مرة رفضت إسرائيل المفاوضات فوراً مع سوريا بعد العروض والطلبات والإستجداءات التي قدمت من نظام النعامات؟

لست أدري كيف تواتي الشجاعة بشار الأسد ليتحدث عن 17 أيار لبناني وهو يلعق الثرى وراء أية مفاوضات مع إسرائيل ولو حتى مع سعاة البريد في إسرائيل؟ بحق إنها الوقاحة التي إعتدناها من أنظمة الحكم العربية .. تماماً كما حدث في مصر منذ أسابيع تعد على الأصابع. هل ننسى أن فخامته وتحديداً في كانون أول 2004 أشار إلى احتمال عودة المفاوضات مع إسرائيل من حيث توقفت في العام 2000؟

الجيش السوري أو بالأحرى جيش النظام السوري لم يشارك مرة في صد الغارات الإسرائيلية، ولم تعترض راداراته وأسلحته المسلطة دائماً على رقاب الشعب لبنانياً كان أم سورياً أية طائرة إسرائيلية حلقت أو خرقت جدار الصوت فوق لبنان أو حتى قصفت رادارات جيشه، ولم البعد إنها لم تعترض حتى طلعات الطيران الإسرائيلية فوق قصوره الرئاسية في اللاذقية، ولم تعترض حتى على قصف إسرائيل للأراضي السورية!!!

مثير للقرف
من الغريب العجيب أن الخروف الواقف في طابور الفرّان ليأخذ رغيف خبزه بذل، كلب الراعي الذي يعوي غادياً عائداً بعظمة يتحدث وبوقاحة بتحميل لبنان جميلة الإحتلال السوري لأرضه وبيته وعرضه وكيس نقده؟ هل حقاً لا يستطيع لبنان الحصول على منح خليجية ليشتري النفط بربع ثمنه لا نصفه؟ ألا ينتعش لبنان إذا رفعت عنه يد اللصوص؟ إن السياحة في لبنان لوحدها قادرة على إنعاشه وقبرص ماثلة أمامنا كدليل ولا تختلف نسب السياحة بين قبرص ولبنان بالكثير اللهم إلا أنها في تراجع مع سطوة المافيات البعثية وأعوانها.

نهاية
كانت أصابعي تنمنمني منذ حادث اغتيال الحريري المفجع، أردت أن أكتب، لكني آثرت الصمت بعد أن قرأت مقالاً تحليلياً رائعاً للصديق ابن سوريا.

وبذات الوقت عقد لساني ذلك الجمع الرهيب من "الزحفطونيين" الذين أرادوا ويريدون بالقوة والغصب أن يقنعونا بأن أمريكا هي من وراء الاغتيال. وان النظام الجملوكي السوري الديناصوري المتخلف بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب وأنّ المعارضة هي من وراء الاغتيال، وأنّ وأنّ إلى ما لانهاية.

والحق الحق أن الحريري مات رجلاً لينهض من قلب ساحة الحرية مارداً عملاقاً كما لم تعرف الأساطير.
مارداً بحجم الوطن وحب الوطن. لينهض معه الشعب اللبناني ليخبرنا ويعلمنا أنه إذا الشعب يوما أراد الحياة فسيحيى ولو بعد حين.

أمل
ما بقي لي إلا أن أتمنى أن تكون بداية ثورة الأرز إعلاناً بدخول الشعوب القطيعية إلى نادي الشعوب الحية والحرة.