[CENTER]التغيير الديمقراطي في سورية: حسين العودات[/CENTER]


س 1 ـ كيف تقيمون نضوج أسباب التغيير في سورية ؟

ج1 ـ يبدو لي أن أسباب التغيير وشروطه وظروفه قد نضجت في سورية، فقد بدا واضحاً الآن فشل النظام السياسي في التعامل مع الوضع الداخلي والوضعين

الإقليمي والدولي، ففي الداخل يصر النظام على عدم مشاركة أحد في السلطة والثروة، ولذلك فهو يرفض الحرية والتعددية ويحاصر الرأي الآخر ويصر على استمرار العمل بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية، ويلغي كل السلطات لصالح السلطة التنفيذية، ويتمسك بالدولة الأمنية، ويتجنب أي إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي، وقد تزايدت الصعوبات الداخلية، والأزمة الاقتصادية، وارتفعت نسب البطالة، واستشرى الفساد، واستمرالإمعان برفض الديموقراطية، ورفض قبول تأسيس الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وإطلاق حرية الصحافة، ومع تغير الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لم يعد النظام قادراً على استمرار التهديد بالقبضة الحديدية، واتسعت الفجوة بينه وبين الناس، ووقع في أزمة حقيقية فهو من جهة يواجه مأزقاً داخلياً متعدد الجوانب غير قادر على حله وهو من جهة أخرى لا يريد شركاء في الثروة والسلطة، وبين هذا وذاك أخذ الناس يطالبون بحقوقهم، وأخذت أصواتهم ترتفع شيئاً فشيئاً، وحراكهم الاجتماعي والسياسي يتنامى، وانتزعوا بعض الخوف من نفوسهم الذي كان يسيطر عليهم وساعد على ذلك تفجر وسائل الاتصال التي أثرت في وعيهم وكشفت بعض المستور، كما ازداد ضعف النظام بعد ان فقد معظم أوراقه الإقليمية في العراق ولبنان وفلسطين حتى كاد أن يفقد دوره الإقليمي في الوقت الذي مازالت الأراضي السورية محتلة،وفشلت جميع عمليات الترقيع (والتحديث والتطوير) التي ينادي بها النظام، ووجد نفسه أمام سد مرتفع من الصعوبات ومن الضعف يقف على كومة من الفشل المتتابع في حل القضايا السياسية والاقتصادية والمعيشية للناس، ويحارب بإدارة الدولة المترهلة والفاسدة والمتخلفة، بعد أن عزل الشعب عن المشاركة في تقرير مصيره. ولعل هذا كله يوحي بنضوج أسباب تغيير بنية النظام وسياساته وممارساته.

س2 ـ كيف تنظرون إلى علاقة الداخل والخارج في هذا التغيير؟

ج 2 ـ مهما كانت نوايا الخارج وسياساته وأدواته ومناهجه وأهدافه فإن ضغوطه أضعفت النظام بالمحصلة، وفي الواقع فإن النظام السياسي السوري أضعف نفسه حيث اعتقد أنه يمكن أن يحل مشاكله مع القوى الدولية الخارجية من خلال صفقات يجريها، ومواقف يتنازل عنها في سبيل كف أذى الخارج وخاصة الإدارة الأمريكية، ولم يقتنع بأن السياسة الأمريكية لن تنتهي مطالبها وأنها تريد سورية برمتها ولم تعد تنفع معها سياسة الصفقات، ورغم كل ما قالته وكتبته القوى السياسية السورية والنخب الثقافية من أن مواجهة مع الخارج لا يمكن أن تنجح إلا بالرهان على الداخل والاستقواء به من خلال إقامة وحدة وطنية تتشارك جميع القوى السياسية والتيارات الاقتصادية والثقافية في إقامتها وأنها الوسيلة الوحيدة الكفيلة بمواجهة الضغوط الخارجية، رغم هذا كله اختار النظام التنازل للخارج هنا وهناك عوضاً عن مشاركة شعبه في مواجهة هذا الخارج، وربما أدرك متأخراً أن مطالب الخارج لن تنتهي دون أن يقتنع مع ذلك حتى الآن بإشراك الشعب في تقرير مصيره، وهذا ما جعل مواقفه مترددة قلقة جزئية وأدى بالنهاية لإضعافه.

س3 ـ كيف ترون جاهزية المعارضة (شعبياً وسياسياً) للدخول في هذه العملية؟ وأين يكمن قصورها إن وجد؟

ج3 ـ لقد تعرضت المعارضة السورية خلال العقود الأربعة الماضية لمختلف وسائل القمع والبطش والتشريد حتى أصبح هدفها أو كاد المحافظة على بعض بعضها، وحسبها أنها مازالت حية، لكنها في الواقع ونتيجة ما لاقته أصبحت ضعيفة سواء بالنسبة لتنظيماتها أم بالنسبة لبرامجها، فهي لا تمتلك البرامج الكافية الصالحة لحل مشاكل الشعب السوري الوطنية والسياسية والاجتماعية، ولا تملك المناضلين الأكفاء كماً ونوعاً القادرين على إحداث حراك جدي وفعال داخل المجتمع السوري ولاقيادة هذا المجتمع للاحتجاج على الظلم أو المطالبة بالإصلاح شأن معارضات الدنيا كلها، إلا أنها أظهرت حيوية واضحة في السنتين الأخيرتين وأبدت نشاطاً وحراكاً يشكل نواة لنجاحات مقبلة، خاصة وأن المجتمع السوري عبر في الفترة الماضية عن رغبة حقيقية في التحرك وأفرز عديداً من الهيئات المجتمعية ومنظمات حقوق الإنسان ولجان المجتمع المدني وهي جميعها رديف جدي لأحزاب المعارضة السورية وتشكل بمجملها بداية لمعارضة فعالة.

س4 ـ ما الأدوات والوسائل التي ترجحون اعتمادها من أجل التغيير؟

ج 4 ـ من البديهي أنها وسائل سلمية علنية بعيدة عن العنف أدواتها الناس ممثلين بأحزابهم وتنظيماتهم المجتمعية والحقوقية ونشاطات نخبهم واستخدام وسائل الإعلام المتنوعة والمتعددة بكثافة وحيثما أمكن ذلك، ومن خلال المذكرات والبيانات والاعتصامات والتظاهرات والاستفادة من قدرات الشارع ورغباته ومطالبه ومشاركته وفعاليته، والسعي لعقد مؤتمر وطني يضم كافة الفئات السياسية والمجموعات الثقافية والاقتصادية السورية بدون استثناء أحد منها، ودعوة حزب البعث للمشاركة في هذا المؤتمر، لبحث واقع سورية والتداول فيه وتلمس الاتفاق على عقد اجتماعي جديد وبرنامج شامل واضح يشترك فيه الجميع ويهدف لانتشال سورية من أزمتها وتحمل شعبها مسؤوليته وتقرير مصيره.

س5 ـ هل يشكل "المؤتمر القطري" القادم برأيكم محط أمل لقرارات جدية بهذا الاتجاه؟ ولماذا؟

ج5 ـ لا أعتقد أن المؤتمر القطري القادم سيأتي بقرارات تحل مشاكل سورية، فقد تقرر عقده دون إجراء حوار مع القوى الأخرى أي أن النظام مازال يحتكر القرار وحده دون أن يشرك أحداً، ويريد مناقشة الأمور في غرف مغلقة، فلو كان لدى أهل المؤتمر رغبة جدية في الوصول لقرارات جدية ومتكاملة لطرحوا المشاكل والقضايا الأساسية على النقاش العام من خلال الحوار في وسائل الإعلام والتواصل مع القوى السياسية الأخرى داخل الجبهة وفي المعارضة، وإجراء الحوار معها وعقد الندوات العامة في سبيل الوصول إلى توافقات ثم طرحها ناضجة على المؤتمر القطري، أما وأن ذلك كله لم يحصل فلا شك أن النظام يصر على تحييد قوى المجتمع عن قضاياها واستئثار حزب البعث بمناقشتها وإقرار الحلول التي يراها في غرف مغلقة بينها وبين الناس أسوار، وأظن انه لم يعد ممكناً في عصرنا حل مشاكل الناس دون إشراكهم بإقرار الحلول.

س6 ـ يبدو أن الاستبداد لايريد أن يرحل، ماالنتائج المترتبة على استمراره أكثر؟

ج6 ـ يبدو انه لا يريد أن يرحل فعلاً ، وإن استمر فسيتآكل النظام كله والسلطة كلها أمام الصعوبات الداخلية المتنامية والضغوط الخارجية المتصاعدة وترهل أدوات النظام جميعها وعدم استطاعتها فعل شيء لمواجهة هذا كله، ومعروف مصير نظام يرفض الإصلاح ولا يستطيع إنجاز مهماته وتزداد عزلته الإقليمية والدولية. إنه سيتخشب ويفقد نسغ الحياة.

س 7 ـ كيف ترون صورة "سورية المستقبل" وأين موقعها اليوم بين الحلم والواقع؟

ج7 ـ أعتقد أن الشعب السوري قادر على تجديد حراكه وتنشيط قواه الذاتية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسيقوم من بين الأنقاض ليصل إلى الديموقراطية ويعالج أزمته الاقتصادية والاجتماعية في إطار عقد اجتماعي جديد وتوافقات وطنية في دولة حديثة معاييرها المواطنة والعدالة والمساواة والحرية وتمارس فيها التعددية والتداول السلمي للسلطة وتحترم فيها حقوق الإنسان، ولعل هذا كله من سمات عصرنا، ونحن أبناء هذا العصر ولسنا غرباء عنه.

حسين العودات

"الرأي / خاص"