بعد قرون طويلة من الذل و الإذلال و الفقر و الجوع و سوء المنقلب, أضاءت أرض الكنانة برجل عربي الأصل و اللغة و يجري في عروقه دما كدمنا و يكسو بشرته لونا كلوننا, ويندس تحت صدره قلبا يحوي كل الأحرار لينقذ الأمة المتهالكة الضعيفة الفقيرة من براثن الهلاك و الاندثار..

عذبوه كثيرا, حرموه, أفقروه, قهروه, نكلوا به, كبلوه, سحلوه, أفرغوا كل إنسانيته, و سكبوها على أرضه, ثم أركعوه على ركبتيه, يلعق كرامته بلسانه. منذ رع أول ملك لمصر, وحتى الثورة المباركة في 23 يوليو من عام 1952, مرورا بفراعنة مصر, إلى العهد الروماني, وعمرو بن العاص, و الفاطميين, لم يرتق الإنسان في هذه الأرض إلى مستوى البشر. فقد تداولت و تناوبت الحكومات و الفراعنة و الطواغيت على قتل الإنسان و تهميشه و سحله دون أن يكون له حق البكاء.

و من قلب العتمة, يبزغ النور دائما, فجأة ظهر جمال عبد الناصر في ثورته الخالدة الرائدة ليقضي على أطماع الإمبرياليين و الإقطاعيين و يرد الحقوق لأصحابها و يأخذ بيد ذلك المقهور المعذب إلى مجالس الحكم وقاعات البرلمان بعد عبودية دامت أكثر من سبعة آلاف سنة..

بعد سبعة آلاف سنة عبودية, قال عبد الناصر لنا جميعا: "ارفع رأسك يا أخي, فقد ولى عهد الاستبداد"

ارفع رأسك يا أخي..

أخي في الأردن, واخي في لبنان, وفي سوريا و في الحجاز و في نجد و في العراق و في كل بلد عربي ينطق الضاد, ارفع رأسك..لا تنحني..لن ينالوا منك شيئا وأنت شامخ, بل سيقتلونك إذا انحنيت. فأنت تقدم لهم رأسك ليقطعوه و دمك ليسكبوه و كرامتك ليمرغوها و إرادتك ليسلبوها..

ارفع رأسك يا أخي..

ارفعها أمام الجبناء. لا تخشاهم فهم من يخشونك. ولو كانوا شجعانا لما طوقوا مركباتهم بالجيش, وصفحوا عرباتهم ضد رصاصك الثائر, و أسكنوا قصورهم بجلاديك. ارفعها شامخة أبية كما كان أباك يمشي بين الناس و يقف في سيارة مكشوفة بين ملايين البشر: لم يكن يخاف أحد. كيف يخاف و هو أول من حكم العالم العربي ..ليعطي..ليعيد لنا كرامتنا..ل..ليحرسنا..يطعمنا أحيانا و يشفق علينا إذا مسنا ضر صنعه الأشقياء..الموالين و المرتشين بقايا الإمبريالية..وسدنة الشيطان..

لا تنحني..
لن تموت..

حسام راغب..