و التصويرية. و دائما هناك تطور يحدث في الوحي عبر التاريخ حيث يحضّر الله البشرية من زمن إلى زمن إلى أن يأتي «ملء الزمان» بمجيء ربنا يسوع المسيح. هذا التطور يشمل الحقائق العقيدية و الأخلاقية أيضا مما يجعل العهد القديم دوما خاضع للعهد الجديد. العهد الجديد دوما يتخطّى و يلغي العهد القديم و مثال ذلك قول المسيح:\"قد سمعتم أنه قيل لكم....و أما أن فأقول لكم\"(متى 5: 21). نقرأ الكتاب المقدس ككل من خلال عيون المسيح و بذهن المسيح لأنه جاء كتتويج لإعلان الله المتدرج عبر التاريخ فكان إعلان الله في المسيح كامل و بلا ثغرة.

و من حين لآخر يواجهنا هذا السؤال الذي دفع بالكثيرين للتنصل للعهد القديم: إن كان الله إله محبة، فلماذا نجد نصوصًا من العهد القديم تقدم لنا الله و كأنه إله عنيف يطلب إعدام الذين يخالفون شريعته خصوصا رجم عابد الأوثان و قتل مدنِّس السبت و الوثني الذي يدخل مقدس الهيكل. و باسم الله، يذبح إيليا النبي كهنة البعل على جبل الكرمل.

و لكن العهد القديم في الوقت نفسه يقدم لنا الله و هو يشجب العنف و يصحح المفاهيم و التقاليد الشعبية المتدوالة بين العبرانيين. مثلا يرذل الله النبي داود لأنه سفك الدماء و لا يسمح له بأن يبني الهيكل. و في سفر الأمثال 4: 17 ثمّ 21: 7 يشجب الرب العنف و يلوم كل من يلجأ إليه. أما في المزمور الخامس فإنّه يقول إنّ الله لا يحب سافك الدماء و في المزمور السابع عشر نسمع صرخة المرنم للرب بأنه قد \"تحفظ من طرق المعتنف\" (آية 4) لأنه حفظ كلام الله \"كلام شفتيك\" الذي ينهى الناس عن الاتكال على العنف (مزمور 62: 11 ). و في العهد القديم دائما الله يطالب باحترام حقوق الغريب و النزيل و الضعيف و اليتيم و كل حقوق الناس ( مراثي إرميا 3: 34- 35 )، و تثنية 27: 19، 24: 17، حزقيال 22: 7، إرميا 22: 3).
إذا، فمن أين جاء العنف؟ الله ليس بإله عنف بل الشعب هو من كان طفوليًا عدوانيًا لا يعرف طريق العقل و الإقناع بل طريق الإرهاب بسبب عدم نضوجه، فقد تخيلت تقاليده الشعبية و الشرائع البدائية أنّ الله يعاقب بعنف و بشدة تصل إلى الإعدام كلّ من خالف وصاياه و لا سيّما الخطيرة من احترام الوالدين و الإيمان و العفّة. أمّا أوامر الإبادة على رجال الوثنيين الذين كان اليهود يغزونهم، فهذه الأوامر و المفاهيم تأتي من تقاليد شعبيّة كانت تهدف حسب عقلية اليهود إلى المحافظة على قداسة الله و نقاوة الدين و طهارة العرق أي الجنس اليهوديّ. فكانت تحرق كلّ خيرات القبائل و الشعوب الوثنيّة التي كانت تقع غنيمة في أيدي العبرانيّين. و كان السبب في تدميرها هو الخوف من تدنيسها للشعب اليهوديّ الذي كان ممنوعًا أن يستخدم ممتلكات الوثنيين لئلا تنتقل إليهم عدوى كفرهم و شركهم أي تعّدد آلهتهم و سوء أخلاقهم.

و كان اليهود يقتلون الرجال الوثنيين خوفًا من أن يتزّوجوا عبرانيات فيكون نسلهن وثنيًّا! أما الحروب التي توهّم العبرانيون أنها حروب الله يخوضونها باسمه و تحت رعايته فإن تلك الحروب أيضا كانت ناجمة عن عقلية بدائية عدوانية طفولية. و مما زادهم اقتناعا بها و شراسة فيها، أنهم توهموا أن الحروب هي معارك الله نفسه. فإذا انتصروا هم على الوثنيين انتصر الله على الأصنام. و كانوا يخافون أن تحلّ بهم الهزيمة لتخيّلهم أنهّا- حاشى و كلا- هزيمة لله نفسه و من البديهيّ أنهم توهموا أن أعداءهم أعداء الله و أصدقاءهم و حلفاؤهم أصدقاء الله و حلفاؤه. دوما نقرأ الكتاب المقدس في ضوء يسوع المسيح، ختام الإعلان الإلهي، و الذي كانت صرخته المجيدة على الصليب مدوية في القديم و الحاضر دوما:\"يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعملون ماذا يفعلون\" و عليها نفهم شخصية الله بشكل جلي في العهدين القديم و الجديد.

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع		الكاتب	الردود	المشاهدات	آخر رد
	المسلمون ليسو متدينين	يسرى عبد السلام	0	393	12-05-2013, 12:56 PM آخر رد: يسرى عبد السلام
	عود على بدء, كيف يتعبد المسلمون في القطب؟	عبدالله بن محمد بن ابراهيم	3	903	06-03-2013, 07:55 PM آخر رد: صلاح الدين بن شبيبة
	و الأن أيها المسلمون هل ستجاوبوني على هذا أم ماذا ؟؟؟	الجوكر	35	11,337	04-28-2013, 10:24 PM آخر رد: سامي بحبك
	متى يصل المسلمون التقليديون درجة العاص بن وائل رغم كفره الواضح؟	جمال الحر	0	636	03-03-2013, 02:01 PM آخر رد: جمال الحر
	لماذا ترك المسلمون الجهاد	coptic eagle	68	9,412	04-19-2012, 02:32 AM آخر رد: ahmed ibrahim