حافظ الشيخ صالح

يستطيعُ العراقيّون، من حيث المبدأ، الوصول إلى وفاق وطنيّ، والتعاون على بناء الدولة الجديدة، حتى من غير الذهاب إلى القاهرة، أو أيّة عاصمة عربية أخرى.

إلا أنّ هنالك عنصرين أجنبيين دخيلين على العراق، هُما الاحتلال الأمريكيّ (وفي عباءته الإمبرياليّة الصهيونيّة)، والنفوذ الإيرانيّ العميق والواسع، بصبغته الفارسية الصفويّة الاستئصاليّة، سوف يظلان يعملان، مُباشرة وغير مُباشرة، بالتنسيق الضمنيّ الكامل بينهما، كما التنسيق في الحدود الدنيا والمُتوسطة في الميدان وفي الفضاء السياسيّ، على تعطيل الوفاق الوطنيّ العراقيّ، وبنيان الدّولة الجديدة، وهكذا فقبلَ الخلاص من هذين العُنصرين الأجنبيين القسريين الدخيلين لن يكون العراقيون أحراراً في التفاهم بينهم، وفي إنجاز أهدافهم الوطنية الجامعة، وفي تحقيق وفاقهم الوطني، وفي بنيان دولتهم الجديدة. الامبريالية الأمريكيّة، وفي ظلالها الامبريالية الصهيونيّة، مُصرّتان على «النجاح« في العراق، وعلى «النجاح« بالتحديد انطلاقاً من العراق عربيا وفي العالَم الإسلاميّ، ولذلك فالقصّة معهما سوف تطول وتتطاول جدا، ولسوف تتعرّج وتتنوع فصولها ومواسمها، وهذا ما يدحض، في بساطةٍ ولكنْ أيضاً في قوّةٍ، شنشنات معشر التفهاء والسفهاء، بخاصّة أولئك الذين في الصحافة والإعلام العربيين والخليجيين، الذين يُهاجمون، من حيث المبدأ، المُقاومة العراقية الصحيحة والباسلة، ويُهاجمونها من حيث المبدأ، خالطين عمداً من عند أنفسهم «الإرهابَ« بها، وتصويرها على بكرة أبيها، على أنها «إرهاب« بالمُطلَق.

لا توجد في التاريخ إمبرياليّة حملتْ عصاها وغادرتْ بملء إرادتها، ولولا هذه الحقيقة لخلا التاريخ، بخاصّة منذ القرن الميلاديّ التاسع عشر (بدءًا من أمريكة اللاتينيّة) من حركات الكفاح وتنظيمات المُقاومة، فهذا شيء ضروريّ لقلع القوّة الإمبرياليّة وطردها. وما دام العراقيّون الآن تحت الاحتلال فلا إرادة لهم ولا مشيئة، إنما يرسم خطوطهم، ويُقرّر قراراتهم الاستعمار الأمريكيّ (ومعه من وراء ستارٍ الإمبريالية الصهيونية)، ولذلك تتباعد هاهنا جدا آفاق الوفاق الوطنيّ المرغوب أو المُرتجَى.

من الناحية الأخرى يتعمّق ويتوسّع يوميا واستراتيجيا النفوذ الإيرانيّ والفارسيّ والصفويّ، وهكذا فهُو الآخر يُصادر، على نحوٍ يوميّ حثيث وعلى نحو إستراتيجيّ، مساحات كُبرى وهائلة ومَهولة من استقلال العراق، ومن استقلال العراقيين بقراراتهم، ويُمعن في مُصادرة أسباب الوفاق الوطنيّ، وأسباب بناء الدولة الجديدة، فالجنوب العراقي بعامّة صار الآن في مثابة مُستعمرة إيرانيّة وفارسيّة وصفويّة، و«الدولة« العراقيّة الراهنة تتغلغل في شرايينها الاستخبارات والمُخابرات الإيرانيّة، وهاهنا ليست وزارة الداخليّة هي الوحيدة التي على هذا الحال. لكنها ليستْ صدفة تاريخيّة ألبتة، في مؤتمر القاهرة وفي العراق بعامّة، أنْ يكون أبناء المصبّ الرئيس، أيْ أهل السنة والجماعة (الذين هُم يبقون أكثرية العراق كما هُم أكثرية العروبة والإسلام)، هُم عمليا وحدهم المُتصدون للاحتلال الأمريكي وللتغلغل الإيرانيّ/ الفارسيّ/ الصفويّ، والأشد حرصاً من الآخرين على وحدة العراق شعباً وتراباً، فإنما هذه هي وظيفتهم التاريخية الطبيعيّة والمُطّردة، من مطلع الإسلام، على تعاقب القرون، وفي جميع الرقاع والبقاع.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=150130&Sn=shkh