حافظ الشيخ صالح

ثلاث قوميات على نحو رئيسي قاومت في إيران الصفوية، من بداية القرن الميلادي السادس عشر، ورفض أبناؤها التخلّي القسري عن عقيدتهم، هي القومية البلوشية والقومية الكردية والقومية العربية، ولقد تعرض هؤلاء جميعاً لأشدّ أنواع البطش والتنكيل والتقتيل على يد أوائل الصفويين لردهم عن دينهم وإخراجهم من عقيدتهم بلْ ونبش قبور آبائهم وأجدادهم وحرق عظامهم، للبراءة منهم ومن دينهم الذي كانوا عليه، دين الإسلام الذي ارتضاه اللّه تعالى للناس، ولكنهم على الرغم من ذلك صمدوا في وجه الصفويين ولايزالون صامدين في أغلبيتهم العظمى.

لقد جاءت الصفوية لتعطي الفرس هوية تاريخية وثقافية وحضارية وكيانية و«إسلامية« وعالمية، فارتاحوا إليها على ما يبدو، وهُم الذين لم يرتاحوا للإسلام تماماً منذ أن كسر العرب الفاتحون الأكاسرة، وأخذوا منهم السلطان الإقليمي، فجاءت الصفوية كصيغة «توفيق« روحي ومزاجي لدى الشعب الفارسي بين الإسلام غير الـمُريح تماماً وبين أمجاد الماضي الفارسي الكسروي.

صحيح أن بعض العرب في منطقة «عربستان« استهوتهم الصفوية فاعتنقوها ولكنّ الحديث هاهنا هو عن عرب بَرّ فارس، أي عرب الهولة، فهؤلاء الأبطال أبناء الأبطال أظهروا في القرون الخمسة الأخيرة أنواعاً من البطولات الرائعة والباهرة في الصمود في وجه الصفوية، والالتزام بدينهم وعقيدتهم، وفوق ذلك التزامهم باللسان العربي الكريم.

لا ندري كثيراً عن الكُرد والبلوش ولكنْ يبدو أيضاً أن القومية، في كثير من الحالات والأحوال، تعصم أصحابها ضد الصفوية وتمدّهم بأسباب مقاومتها والصمود في وجه اكتساحاتها واجتياحاتها، وهذا هو الذي يُفسّر صمود أعداد من الشيعة القوميين (بعثيون، ناصريون، جبهة شعبية، إلى آخره) في وجه الفتنة الصفوية المعاصرة والحاضرة على مستوى البحرين وعلى مستوى الإقليم وكامل المشرق العربي.

لولا أن المفارقة هي أن يكون بعض العرب ضد العرب من طريق اعتناقهم الصفوية وبنائهم الآمال الطوال على صلح تاريخيّ يحصل (وفي الواقع هو حاصل منذ اليوم) بين الإمبريالية الأمريكية والإمبريالية الصفوية، في معزل هاهنا عن حالة منظمة «حزب اللّه« في لبنان، فهذه حالة خاصة جدّاً، إنما أملتها وتمليها الظروف الجيوبوليتيكية الخاصة وظروف التراكيب والتراتيب اللبنانية الخاصة جدّاً.

http://www.akhbar-alkhaleej.com/ArticlesFO...=151251&Sn=shkh