ويؤكد المسؤول الأمريكي على خط الرجعة هذا بقوله : "ربما يكون الرئيس بشار قادرا فعلا على تأمين الاستقرار الا أنه ربما يحتاج الى مزيد من الوقت لبناء الثقة الذاتية في الحفاظ على الاستقرار " .
الوتر الخطير الآخر الذي ضرب عليه هذا المسؤول هو وتر " الرأي العام " الإسرائيلي الذي سيحدد توقيت السلام مع دمشق ، فسوريا التي تفتقد أصلا لهذا " الرأي العام " عليها أن تجده ليتقابل مع رأي عام اسرائيلي مؤثر على سياسات إسرائيل الخارجية ( ..) .
بطبيعة الحال ، فإن كلام المسؤول الأمريكي حول هذه النقطة غير صحيح ، صحيح أن هذا الرأي العام هو ما يظهر عادة عبر صناديق الإنتحابات التي تنحي إتجاه وتأتي بإتجاه آخر ، لكنها ليست مسؤولة بشكل مباشر على قرار السلام ، ولا حتى على قرار الحرب ، ومن هنا فإن الرأي العام السوري المحتمل سيكون مجرد " موقع " على قرارات الإدارة السورية بتفعيل عملية السلام إذا ما سلمنا بأن أي تغيير سوف لن يأتي لسوريا أبدا بديمقراطية شعبية كالموجودة في إسرائيل ، المطلوب لسوريا والمنطقة العربية ما بعد السلام أن تنعم بديمقراطية عاجزة وليس بديمقراطية فاعلة وبناءة قد تأتي بخيار شعبي إلى سدة الحكم عبر إنتخابات نزيهة، وهذا ما لا تريديه لا أمريكا ولا إسرائيل.

صراع على تاج دمشق

ذكرت سابقا أن أمريكا في أعقاب حرب النفط كانت تبحث عن "صدام ليخلف صدام" في رئاسة العراق ، هذا " الصدام " يجب أن يكون من داخل المنظومة الحاكمة ببعديها الحزبي والعسكري ، والأمر نفسه ينطبق على سوريا التي يجب أن يكون فيها " أسد يخلف الأسد " ولو ببعض التغييرات الجزئية التي تفرضها طبيعة قرب سوريا من الحدود الإسرائيلية ودورها في عملية السلام .
وعند وفاة الرئيس السوري قبل عام ، كان " الأسد الأقرب للأسد " في تربيته الطائفية والعسكرية والحزبية والأسرية شقيقه رفعت الأسد الذي أعلن نفسه مباشرة خليفة للعرش السوري ، إلا أنه إصطدم بواقع دولي أكبر منه ومن طموحاته جعلته يتخلى صاغرا عن مطالبته بالعرش السوري .
رفعت الأسد أعلن فور وفاة شقيقه أنه " الأولى " بالعرش السوري من بشار الأسد لأنه من بناته ومؤسسيه ومن أهم الدعائم التي حمته من السقوط في أكثر الأحداث تأثيرا في تاريخ رئاسة الأسد وهي أحداث الثمانينات ، وأيضا دوره الكبير في إقصاء صلاح جديد من قبل ، هذه الأدوار الرئيسية أعطته مسوغات قوية لمطالبته بعرش سوريا خلفا لشقيقه ، وبدأ عبر قناته الفضائية التي تبث من لندن ( إي إن إن ) إطلاق بيانات وتصاريح نارية ضد التغيير الجديد في سوريا والتي كانت تصفه بأنه غير ديمقراطي ( .. ) وأنه منح لمن لا يستحق .
وفي سعيه لللتماشي مع اللعبة الدولية ، قام رفعت الأسد بالإتصال بإسرائيل ليطمنها على سير عملية السلام في حال توليه مقاليد السلطة في سوريا ، إلا أن التهديد الفرنسي الصريح له بإبعاده عن فرنسا في حال عدم إيقافه هذه الحملة جعله يرضخ لحدود " اللعبة الدولية " التي كانت قد حسمت خيارها سلفا لصالح بشار الأسد حتى قبل وفاة والده ، إذ من المعروف تماما أن مادلين أولبرايت بادرت فور إعلان وفاة حافظ الأسد للتعبير عن ثقتها ببشار الأسد ، الأمر الذي أعطاه " تأشيرة دخول " أمريكية لا غبار عليها للمقعد الملكي السوري.

رفعت الأسد لم يكن " خيارا أمريكيا " بأي حال من الأحوال ، فتاريخه الدموي وصورته الشعبية وطموحاته الطائفية قد تعيد الأمور إلى حقبة الثمانينات ، وهو ما لاتريده أمريكا في تلك المرحلة بالرغم من كل وعود رفعت لإسرائيل بأن " سلامها " سيكون بخير.

وبالرغم من أن بشار لم يكن مؤهلا سياسيا لتحمل هذا الإرث السوري الكبير ، ورغم أن المسؤولين السوريين الذي رافقوه في زيارته الرسمية الأولى إلى فرنسا قبيل وفاة الأسد أعطوا لوالده تقريرا عن عدم جهوزيته بعد لتولي مقاليد الحكم ، إلا أن كل الخيارات كانت محصورة ببشار لاغير ولو لفترة مرحلية قبيل أو أثناء السلام الحتمي مع إسرائيل ذلك لأنه " أسد بديل " أكثر قربا من قلوب الشعب السوري بسبب دوره في محاربة الفساد وملفه الأبيض الذي لم يلوثه الماضي الدموي لوالده والذي لم يكن شريكا به بحكم الزمن ليس إلا .

الفرصة التي منحتها أمريكا لبشار الأسد يبدو أنها استنفذت حاليا ، فسطح المستنقع السوري الذي يبدو هادئا راكدا ، بدأت تعكر هدوئه الحذر فقاعات تأتي من الأعماق وتدل على صراع على السلطة قد يأخذ شكلا إجرائيا في أي لحظة تغفل فيها عين الرقيب.

مستقبل مصري لسوريا

الخوف أن يأتي هذا التغيير الأمريكي بحمام دم لسوريا يشبه بآليته الحمام التي سبحت به مصر ، بل ويتفوق عليه بسبب وجود معطيات أكثر عمقا وتأثيرا في الواقع السوري .

العقبة التي تقف دائما في وجه السلام ، والتي لازالت تشكل عبئا على الدول المسالمة هم الإسلاميون ، إذ لازال الشارع الإسلامي في مصر والأردن ، وفلسطين بطبيعة الحال ، يقف بشدة في وجه مشاريع التطبيع ويقف خلفه قاعدة وطنية كبيرة حتى من المسلمين غير الإسلاميين.

رافق تسلم حسني مبارك للسلطة في مصر بعد إغتيال السادات حالة من " الحياد " الإسلامي الحذر ،هذه الحالة من الترقب إستمرت إلى أن ألقى لهم مبارك " عصى موسى " التي شوهت صورتهم أمام الشارع وورطتهم بأعمال إرهابية قامت بها فئات إسلامية راديكالية ومتحمسة شوهت بشكل كبير صورة " الحياد " الإسلامي .

في واقع الأمر ، فإن السلطات المصرية إستغلت في بداية التسعينات أحداث فردية ضد أهداف حكومية وضعت الحركات الإسلامية " الحماسية " في مواجهة مباشرة مع النظام . هذه الحركات التي خرجت من معاناة الشعب و ظروفه الصعبة والحالة الإجتماعية المزرية التي خلفها النظام الطبقي التي أتى به عصر الإنفتاح ، جعل المواجهة تتسارع بين الحكومة والحركات الناقمة ، والتي كانت إسلامية الطابع كالهجرة والتكفير ، وزاد من أوار المواجهة عودة " العرب الأفغان " من المصريين بعد خروج الإتحاد السوفييتي من أفغانستان.
الحكومة المصرية حاولت المستحيل لإقصاء الصوت الإسلامي من الشارع السياسي إن بربطهم بصور إرهابية في أذهان الشارع ، أو بإعطاء الأسبقية للأحزاب العلمانية على حساب الإخوان المسلمين في العمليات الإنتخابية التي شهدت حالات تزوير في عدة دورات برلمانية .

هذه الإرهاصات بدأت تستبق التغيير فعلا في سوريا ، وحسب محمد جمال باروت ، فإن العلمانيين السوريين بدأوا فعلا بالإتصال " بالعسكر " لمنع أي وصول إسلامي للشارع السوري وتحويل سوريا إلى علمانية - عسكرية تشبه المثال التركي ، وإن صح ، فإن العسكر فتحوا الباب على مصراعيه لمواجهة دموية معطياتها موجودة أصلا في الشارع السوري ، تلك المواجهة ستكون - حتما - على أسس طائفية تورط المتحمسين من الإسلاميين بأعمال إنتقامية ، تلك الأعمال التي ستعطي لعلمانية العسكر " ذريعة مصرية " لإبعاد الإتجاه الإسلامي المستنير تماما عن العمل السياسي ، وستبقيهم قائدا شكليا صوريا للعمل الإسلامي السياسي تماما كواقع الإخوان المسلمين في مصر، هذه الصورة " الدموية " للإقصاء قد لا تأتي الآن ، لكنها حتما ستجد الذريعة للوجود بعد التوقيع النهائي على إتفاقية السلام.

المطلوب من الحركات المعارضة بكل أطيافها أن تكون إطار شرعي لمقررات السلام ، لا أن تكون شريك فعلي في العمل السياسي ، وهذا الإطار الشرعي سيتجلى بمشاركة الأحزاب " المهرجانية " في مجلس شعب منتخب يمنح السلطة السورية فرصة كبيرة لتقاسم المسؤولية التاريخية عن السلام مع القوى الوطنية التي أتت بعد توقيع السلام أصلا ، تماما كالواقع المصري ، وايضا ، على هذا المهرجان الحزبي الديمقراطي أن يغيب عنه الإسلاميون ، لأنهم حتما سيقفون ضد السلام أولا ، والتطبيع ثانيا .

التغيير الأمريكي القادم على صهوة حصان السلام آت ، إن لم يكن اليوم ، فغدا ، لكن أين حصان المعارضة ؟؟ أما زال يرعى العشب في محميات لندن وباريس وواشنطن بعد تأميم " المعلف " العراقي ؟؟!!.

حسان

ملاحظة : الرؤية السابقة هي رؤية شخصية بحتة .