لقد حذر العهد القديم في أكثر من موضع من أكل لحم الخنزير, ففي الناموس فإن الخنزير نجس ورجس, وأعتبر أن من يأكل لحم الخنزير فإنه ( يغيض ) الرب بفعلته هذه. ولذلك فقد توعد الرب بمعاقبة آكلين لحم الخنزير بالنار والسيف.

ويعلم النصارى أن يسوع نفسه قد قال: ( ماجئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ولكن لأكمل ) متى 5/11.وهذا يعني التزامه التام بالشريعة الموسوية والتزامه الكامل بكل النواهي والمحرمات التي جاء بها جميع الأنبياء السابقين.


لنلق نظرة سريعة على بعض هذه النصوص التي إلتزم بها يسوع نفسه ولنرى هل إلتزم النصارى بها أيضا...

سفر اللاويين الإصحاح 11:

Lv:11:3: كل ما شق ظلفا وقسمه ظلفين ويجترّ من البهائم فايّاه تأكلون.
Lv:11:4: الا هذه فلا تأكلوها مما يجترّ ومما يشق الظلف الجمل.لانه يجترّ لكنه لا يشق ظلفا.فهو نجس لكم.

الى ان يقول ...

Lv:11:7: والخنزير.لانه يشق ظلفا ويقسمه ظلفين لكنه لا يجترّ.فهو نجس لكم.

ويتكرر التحريم في التثنية الإصحاح الرابع عشر :

Dt:14:6: وكل بهيمة من البهائم تشق ظلفا وتقسمه ظلفين وتجترّ فاياها تاكلون.
Dt:14:7: الا هذه فلا تأكلوها مما يجترّ ومما يشق الظلف المنقسم.الجمل والارنب والوبر لانها تجترّ لكنها لا تشق ظلفا فهي نجسة لكم.
Dt:14:8: والخنزير لانه يشق الظلف لكنه لا يجترّ فهو نجس لكم.فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا

في سفر اللاويين والتثنية الذين اقتبسنا منهما هذه النصوص, فإن الرب يعلن فقط تحريم أكل لحم الخنزير النجس, ولكنه لم يذكر لنا عقاب من يخالف هذه الأوامر الإلهية ويأكل لحم الخنزير. أما في سفر إشعياء فإنه يضع الحدود المناسبة لمن يخالف هذه الاوامر :

إشعياء الإصحاح 65

Is:65:3: شعب يغيظني بوجهي دائما يذبح في الجنات ويبخر على الآجر.
Is:65:4: يجلس في القبور ويبيت في المدافن يأكل لحم الخنزير وفي آنيته مرق لحوم نجسة.

لاحظوا هنا ان الرب يعتبر آكلين لحم الخنزير أنهم بذلك يتعمدون إغاضته. ولو تابعنا القراءة سنجد العقاب الذي يتوعدهم به ...


Is:65:12: فاني اعينكم للسيف وتجثون كلكم للذبح لاني دعوت فلم تجيبوا.تكلمت فلم تسمعوا بل عملتم الشر في عينيّ واخترتم ما لم أسر به.

فهذا هو عقاب من لا يسمع كلام الرب ويخالف شريعته. وفي الإصحاح الذي يلي نجد توضيح أكبر لنوع هذا العقاب...

إشعياء الإصحاح 66

Is:66:16: لان الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر ويكثر قتلى الرب.
Is:66:17: الذين يقدسون ويطهرون انفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير والرجس والجرذ يفنون معا يقول الرب.

فالرب يعلنها بكل وضوح أنه سيعاقب بالنار والسيف والقتل والفناء لمن يأكل لحم الخنزير. ولو لاحظتم فسترون أنه يضع الخنزير في درجة واحدة مع الجرذ. فالخنزير نجاسة وكذلك الجرذ أيضا.

بل أن من يلمس لحم الخنزير فإنه هو نفسه يعتبر نجسا

اللاويين الإصحاحات 5 / 7 / 11

Lv:5:2: او اذا مسّ احد شيئا نجسا جثّة وحش نجس او جثّة بهيمة نجسة او جثّة دبيب نجس وأخفي عنه فهو نجس ومذنب.

Lv:7:21: والنفس التي تمسّ شيئا ما نجسا نجاسة انسان او بهيمة نجسة او مكروها ما نجسا ثم تأكل من لحم ذبيحة السلامة التي للرب تقطع تلك النفس من شعبها

Lv:11:26: وجميع البهائم التي لها ظلف ولكن لا تشقّه شقّا او لا تجترّ فهي نجسة لكم.كل من مسّها يكون نجسا.

ولنسأل الآن. فإنه طالما أن الرب في كتابهم يهدد آكل لحم الخنزير بالموت والنار والسيف والفناء ويعتبر من يأكله ومن يمسه نجسا, فلماذا يخالف النصارى هذه التعاليم؟ فيسوع نفسه قد إلتزم إلتزاما تاما بالناموس وشريعة الأنبياء. ولم يذكر مرة في الأناجيل أن يسوع قد أكل لحم الخنزير.أو إقترب من هذه القذارة. فلماذا إذا لا يلتزم النصارى بهذا أيضا ؟


الحجة الأولى التي لدى النصارى هي قول يسوع في انجيل متى الإصحاح 15

Mt:15:10: ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا.
Mt:15:11: ليس ما يدخل الفم ينجس الانسان.بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الانسان.

حين سمعت بهذا الرد أول مرة تحيرت وتعجبت منه, وقلت هاهو يسوع يناقض نفسه مرة أخرى وينقض الناموس. لكن حين أعدت قراءة الإصحاح كاملا وجدت أنه تأكيد جديد من يسوع للناموس وليس العكس !

ففي بداية الإصحاح يستنكر الفريسيون على يسوع أن تلاميذه لا يغسلون أيديهم حين يأكلون....

1. حينئذ جاء الى يسوع كتبة وفريسيون الذين من اورشليم قائلين.
2 لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ.فانهم لا يغسلون ايديهم حينما ياكلون خبزا.
3 فاجاب وقال لهم وانتم ايضا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم.
4 فان الله اوصى قائلا اكرم اباك وامك.ومن يشتم ابا او اما فليمت موتا.

من الواضح أن اعتراض اليهود منشأه مخالفة التلاميذ للتقاليد وليس للشريعة. فالناموس لا يلزمك ان تغسل يديك قبل الأكل, ألجمهم فحين قال لهم يسوع أن ليس ما يدخل فم الإنسان ينجسه ولكن العكس هو الصحيح أراد بذلك ان يستنكر عليهم اهتمامهم الكبير بهذه التقاليد ونسيان الوصايا المهمة التي نص عليها الناموس فنفر الفريسيون ...

12 حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له اتعلم ان الفريسيين لما سمعوا القول نفروا.

فطلب من التلاميذ أن لا يبالوا بهم وقام بتوضيح كلامه أكثر للتلاميذ قائلا لهم ...

17 ألا تفهمون بعد ان كل ما يدخل الفم يمضي الى الجوف ويندفع الى المخرج.
18 واما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر.وذلك ينجس الانسان.
19 لان من القلب تخرج افكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف.
20 هذه هي التي تنجس الانسان.واما الأكل بايد غير مغسولة فلا ينجس الانسان

كما تلاحظون فإن يسوع يقول بكل بساطة أن طهارة القلب أهم من طهارة اليدين. ومع هذا فإنه لم يصرح أبدا لهم بأكل النجاسات والقذارات ولم يحلل لهم شيئا حرمه الناموس.وقول النصارى أن يسوع بكلماته هذه حلل لهم النجاسات فهذا فهم قاصر ولم يدركوا مراد المسيح عليه السلام. فإن الغاية من كلامه هي الإلتزام بالوصايا كلها لا أن يكونوا إنتقائيين كالفريسيين الذين عابوا هذا العمل على تلاميذ يسوع ونسوا أنتهاكهم لوصايا أهم !

حسنا. هل عند النصارى من رد آخر يبررون به أكلهم للنجاسات؟

في الحقيقة نعم ... بقي لديهم جواب أخير من أعمال الرسل لنقرأه معا ولنرى إن كان يستحق أن يسمى جوابا أو دليلا:

أعمال الرسل الإصحاح العاشر :

9. ثم في الغد فيما هم يسافرون ويقتربون الى المدينة صعد بطرس على السطح ليصلّي نحو الساعة السادسة.
10 فجاع كثيرا واشتهى ان يأكل.وبينما هم يهيئون له وقعت عليه غيبة.
11 فرأى السماء مفتوحة واناء نازلا عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة باربعة اطراف ومدلاة على الارض.
12 وكان فيها كل دواب الارض والوحوش والزحافات وطيور السماء.
13 وصار اليه صوت قم يا بطرس اذبح وكل.
14 فقال بطرس كلا يا رب لاني لم آكل قط شيئا دنسا او نجسا.
15 فصار اليه ايضا صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه انت.
16 وكان هذا على ثلاث مرات ثم ارتفع الاناء ايضا الى السماء


إن الرد على هذا الدليل المتهافت أبسط من الأول بكثير وإليكم ما يدحضه:

فأولا هذه الحادثة ذكرت في أعمال الرسل الذي يختلف النصارى على كاتبه.ولا يعرف يقينا من هو مؤلف هذا السفر !

وثانيا فإن هذه الحادثة لم تحدث للمسيح عليه السلام, وإنما هي رؤيا رآها بطرس بعد أن سقط في غيبة. وإن كان النصارى يعتبرون الرؤى حقيقة فلي معهم شأن آخر حيث أني سأعتبر وصف الرب بالخروف في رؤيا يوحنا حقيقة أيضا !!

ثالثا, إن أهم نقطة حسب رأيي تدحض هذا الدليل هو هذه المقولة : ( إن ما طهره الله لا تدنسه أنت ) !

وقد أظهرت لكم من الناموس أن الرب أعتبر هذه الحيوانات نجسة فمتى إذا طهرها الله؟ وهل عاد الرب في كلامه وتراجع في اعتبار هذه الحيوانات نجسة بعد كل ذلك الوعيد بالقتل والفناء والعقاب بالنار والسيف لمن يأكل هذه النجاسات؟ ولا تنسوا أن بطرس نفسه إعترف أن هذه الحيوانات دنسة نجسة !!

إن هذا الدليل غير مقبول وهو يتعارض مع الناموس ومع ماجاء يسوع ليقره ويأكده. فإما ان يجد النصارى تأويلا آخرا غير هذا وإلا فإنهم يقعون في تناقض واضح وصريح مع كتابهم المقدس !

بعد كل ما تقدم, فإنني لا أرى سببا واحدا مقنعا يجعل النصارى يستمرون في أكل النجاسة. بل على العكس تماما فقد سمعت من بعض هؤلاء النصارى من يفتخر بعدم اكله للحم الخنزير ويحرمه على نفسه. ويعتبرون من يأكله يخالف الناموس كما وضحنا.

و الشكر لـ جيسس أز مسلم