سؤال كبير ينتابني في كثيرٍ من الأحيان:
"هل الدين مجلبة للتطرف، أم الإنسان مجلبة للدين والتطرف وما بينهما"؟
كي أبدأ بالتفكر بالسؤال، فإنه لا بد من طرح أسئلة منهجية، تحاول الموضوعية حول تعريف كل فكرة ولفظ من الألفاظ آنفة الذكر.

فالدين بالنسبة لي: هو نشاط بشري تأسس ولم يوجد من عبث بل من اختراع هذا العقل الإنساني الذي نحمله.
هنا لا أحاول أن أعرف الدين فهذا يحتاج لمجلدات كاملة، ولكنها مقاربة للدين من وجهة نظري الخاصة.
والتطرف: هو تحييدٌ للعقل في مواجهة نصوص ثابتة تنفي الآخر نفياً تاماً وتجعل للتاريخ أو للإنسان نهايات معينة، أي أن التاريخ مفهوم بدليل كذا كذا، أو أن الإنسان معرف منذ بدايته بكذا وكذا، لا يهم وقتها أي شيء آخر غير تعريف الكائن ودوغمائيته النصية أمام ديناميكية الحياة.
فالشيوعية الستالينية هي تطرف، والإسلامية الأخونجية أو الوهابية السلفية هي تطرف، والنازية هي تطرف، والمسيحية القروسطية هي تطرف، والخمينية هي تطرف.
نلاحظ هنا أن التطرف ليس حكراً على مجتمع أو مجموعة إتنية أو أنتروبولجية معينة، ولا على ديانة معينة، ولا حتى على وجود دين من عدمه، إن التطرف كما رأيناه في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في الحركات الفوضوية لم يكن يمت للدين بصلة، ولا لدى النازية ولا لدى الشيوعية الستالينية.
لذا أخلص لنتيجة مفادها (لدي على الأقل) : أن التطرف هو خاصية بشرية، لا تحدها حدود معينة، قدستها السماء أم لم تفعل.
لكن هل التطرف فعلاً غريبٌ جداً على نشاط العقل البشري عموماً؟
أظن أن لا!
فالعقل البشري لا يستغرب بعض الأفكار المعينة تبدو متطرفة بحسب السياق، فهو يؤمن بأفكار نتجت عن التطور الإنساني وضروراته البدائية، كانت ضرورية لبقائه، كأفكار التضحية بالنفس من أجل الآخر، والتطرف هو تحيز الوعي لما ينفي الفائدة الحقيقية منها.
فالوعي البشري عدّل من مفاهيم التضحية، والتي لها فائدة كبيرة في البقاء النوعي للبشر، لتضحيات متوهمة متخيلة حول الوطن والقومية والدين والجماعات المتخيلة لا الحقيقية.
فالأم تضحي من أجل ابنها، والفرد يضحي من أجل مجموعة من أجل البقاء، هذه التضحيات مخزونة ومسجلة في جيناتنا، ولكنها بفعل التطور الواعي القلق الإنساني، تحولت وتشرذمت وتحولت لوحدات ثقافية عاطفية ذات خلل. أي أن هناك انحياز أو بلبلة بالعقل الإنساني لتضحيات غير ذات فائدة للجنس البشري كالتضحيات السابقة، فالتضحيات بين مجموعات من أجل الدين أو القومية أو اللون أو العرق، هو خلل مفهومي قلب الطبيعة لوحش داخلي يهدد وجود الإنسان نفسه في حروب وصراعات لا يمكن حتى فهمها دون أن يصبح العقل مستلباً، معتمداً لفكر غيبي متقبلاً لأفكار عليا تفرض عليه ويخضع لها بدون حتى التساؤل. ولا بد لكي يفعل العمل سحره أن يحرض العاطفة أولاً، لأن العقل الإنساني هو عقل شديد العاطفية (ولذلك برأيي أسباب أصلية لها علاقة بالتطور النوعي للبشر).

والمشكلة ههنا، أننا بحلقة مفرغة، كيف نخلص من العاطفة التي تتحكم بالعقل ضمن الوعي؟ والوعي نفسه يقوم بدور فاعل لتحريض العاطفة من جديد؟ كيف السبيل بأي مجتمع إنساني لكسر هذه الحلقة؟ فإن أدلجة العاطفة لتصبح فكرة، ثم جعلها من جديد عاطفة، تتغنى بها الأغاني وتمجدها الأشعار وتفخمها اللغة بحيث تصبح داخل الوعي بشكل زخم عاطفي.
كيف السبيل للتخلص من العاطفية للواقعية الفجة والتي تحرص على حياة وعقل الإنسان؟ دون أن تنفي بالتأكيد بعده العاطفي، ولكنها تلجمه وتضعه بمكانه الصحيح في المجموعة.
ولماذا نتطرف؟ وكيف نقف أمام التطرف؟ أي بالأحرى كيف نفكر أمام التطرف بشكل عام؟

مع فائق التساؤلات.
طارق.