" ودعني زوجي و أرسلني إلى دمشق مع الأولاد... و لا يعرف الواحد منا مصير الآخر"
"حسين"، ابن السادسة، كان يرسم بيتا كبيرا وعلما لبنانيا بدأ بتلوين أرزته الخضراء،
حسين لم يكن وحده في مقر الجمعية الخيرية، بل كان معه أطفال كثر مثل علي، ورشا، وعباس، وحيدر، وفاديه، وعايدة، وسوزان، كانوا يرسمون بيوتا و أعلاما لبنانية وعشبا وغيوما وشموسا صغيرة مثلهم، بعد أن تركوا لعبهم و أصدقاءهم في لبنان، وعندما سألناهم عن سبب مغادرتهم، كانت إجابتهم واحدة "بسبب القصف ....الطيران كان عم يضرب الحارة....هددونا...."، حتى أن رشا قالت -بكل براءة- : "ما قدرت جيب إلا البيجاما.... ع بكرة بدي روح جيب باقي غراضي، بس انشا الله يوقف القصف شوي".
التقينا أولئك الأطفال القادمين من لبنان وعائلاتهم في جمعية (بنا) الخيرية، بعد أن أوصلهم متطوعو الهلال الأحمر، ذلك أن مراكز ثلاثة لاستقبال اللاجئين تتواجد على الحدود السورية-اللبنانية، و تحولهم إلى مركز الهلال الأحمر بدمشق، الذي يتكفل بتأمين إقامتهم.
في الطريق إلى مركز الهلال الأحمر الكائن بمنطقة أبو رمانة، يصادفك (لبنان) في كل مكان، في لوحات السيارات المنهكة تجوب شوارع دمشق المزدحمة، أو في أغنيات صادرة من معظم السيارات كأغنية ماجدة الرومي (قومي يا بيروت إن الثورة تولد من رحم الأحزان.... قومي إكراما للأنهار و للوديان و للإنسان...)، أو أغنية السيدة فيروز( من قلبي سلام لبيروت) أو ( إسوارة العروس مشغولة بالدهب... و أنت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب...)، حتى أنك تصادف لبنان في تعليقات سائقي السيارات العفوية وهم يستمعون إلى نشرات الأخبار " الله يحمي لبنان".
القصص تكاد تكون متشابهة في مركز الهلال الأحمر المزدحم بالعائلات النازحة من لبنان، اقتربنا من آسيا إبراهيم السعد التي كانت تطعم صغيرها، وهي تنتظر مع عائلتها حافلة تقلهم إلى مكان يقيمون فيه إلى أجل لا يعرفه أحد " الله أعلم شو صار ببيتنا، جئنا من قلب بيروت، كان القصف قريبا من بيتنا، فغادرنا بالثياب التي كنا نرتديها، ورغم أني لم أستطع إحضار الهويات، سهل الأخوان السوريين أمورنا على الحدود، لنتمكن من الدخول".
أما سناء قتايا ، القادمة من شتورة مع زوجها وأولادها، قالت لنا: "كنا أولا في بعلبك، ثم غادرنا إلى شتورة، فقصفوا بيوتنا، وهدموها.... وصلنا البارحة إلى دمشق مع 45 شخصا تقريبا، و لم نستطع إحضار أي شيء معنا "، و يتابع زوجها الذي كان يجلس مترقبا: " بعد غارات ليلية، و بعد أن دمروا بيتنا فوق رؤوسنا، وصلنا إلى الشام، و توجهنا إلى مركز UN ثم إلى الهلال، و ها نحن ننتظر الآن".
استوقفناه وهو يتنقل بين العائلات اللبنانية، ليحدثنا خالد عرقسوسي (نائب رئيس فرع دمشق للهلال الأحمر): " استطعنا تأمين مدارس و مياتم و أديرة مفروشة، و تساعدنا جمعيات خيرية معظمها تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، كما انطلقت حملة التبرع بمساعدة فعاليات تجارية كثيرة، بعضها يقدم وجبات جاهزة، أو ملابس، أو حتى اتصالات، و سيفتتح مركز جديد بالجديدة يقدم وجبات طعام، كما أن وزارة الصحة و جهات أخرى تقدم أدوية وخدمات طبية، والهلال بالطبع مستعد للمساعدة إلى جانب المستشفيات الحكومية، كما أن الجمارك العامة بتوجيه من الحكومة، سهلت مرور الناس من المراكز الحدودية، ومن دون رسوم".
ويضيف عرقسوسي:" وصل حتى الآن من 800 إلى 1000 شخص لبناني عن طريق الهلال وجمعيات أخرى، لكن لبنانيين كثر يتواجدون في أماكن مختلفة كالسيدة زينب، وقد يساعد الرقم الرباعي( 9338) للوصول إليهم وتأمين حاجاتهم".
وبعد أن أرشدنا إلى الأماكن التي يرسل إليها الوافدون من لبنان، زرنا واحدة من تلك الجمعيات، وفي إحدى الغرف التي تضم أطفالا كثر، يرسمون ويلعبون، التقينا لينا (أم علي)، و كانت تقرأ لهم إحدى القصص، أم علي القادمة من الرياق (البقاع) مع ولديها، تركت ابنتها (13 عاما) في لبنان مع والدها الذي رفض المغادرة، تقول أم علي وهي تحاول حبس دموعها: " نحن لم نهرب، نحن فدا لبنان.... لكن ما ذنب الأولاد؟ عشية أمس الأول، سمعنا أصوات الطائرات... كانت أولا أصواتا بعيدة، ثم علت، حتى أن زجاج النوافذ تحطم كله، وكان الأولاد خائفين، رغم ذلك لم نفكر بمغادرة البيت، لكن زوجي طلب مني أخذ الأولاد، وودعني دون أن يعرف إلى أين سنذهب في سورية، و حتى أنا لا أعرف ما حل به وبابنتي".
أما أم مصطفى، الآتية من قلب (الكرنتينا) بيروت، قالت لنا: " نشكر الشقيقة سورية، ساعدتنا أكثر مما توقعنا... "، وتقاطعها والدتها المسنة لتقول " كلما عمرنا بيت، هدولنا ياه.... منذ الاجتياح الإسرائيلي في 1982 "، و تتابع "الحمد لله، العناية التي نتلقاها هنا جيدة، والأطباء يتفقدوننا دائما، فأنا مصابة بالسكري، أمنوا لي الدواء، و كذلك زوجي حصل على العلاج اللازم لركبتيه".
غادرنا الجمعية، ترافقنا عيون أطفال لبنان الحائرة، وصوت أحد الأطباء يصيح ضاحكا "مبروك.."، و علمنا أنه مع المولود القادم يصبح العدد 250 لبنانيا في الجمعية.... تمنينا السلامة للسيدة و تساءلنا "كم من حكايات ستقصها عليه عندما يكبر!!".
ألمى حسون - خليل عشاوي
سيريانيوز
www.syria-news.com