لم يعش نجيب محفوظ بيننا بقدر ما كان يعيش فينا ...نجيب محفوظ غاب ...لكن الادب الذي قدمه لا يعرف الغياب ...
رجل الشارع العادي ربما لم يقرا حرفا واحدا مما كتبه نجيب بالنسبة له هو تلك الصورة التي يراها على شاشة السينما (حيث الخلود في سفر الحياة )

بعد الوثبة-الثورة- او ربما الانقلاب وعسكرة مصر توقف نجيب محفوظ عن الكتابة مثله كغيرة لفترة

كان فى حاجة للمال لكن كيف دون الكتابة , ساعتها اتجه صوب السينما بدأت رحلته مع صلاح ابو سيف مخرج الواقعية الأول في ثالث اكبر عاصمة للسينما في العالم ...

أحب افلام نجيب محفوظ لقلبه هما بدايه ونهاية وخان الخليلي الفيلمان وصفهما نجيب بانهما كان صادقين في تقديم رويئته الفكرية وايضا بنفس الروح التى أرادها.

لمن لا يعرف فقد تولى نجيب محفوظ مسئولية الرقاية على المصنفات السينمائية عام 1959 ثم تولى رئاسة مؤسسة السينما المصرية .

كان نجيب محفوظ رقيبا منفتحا. ولكن بحدود ...

فانه مثلا كان يوافق على لقطات جنسية غير صريحة وكان كسابقيه يسمح بالقبلة تماما لكنه كان يرفضها على موضع الرقبة حيث اعتبرها حساسة ينبغي حذفها ..

مرة ساله الصحفي (جميل الباجوري) عن القبلات المسموحة في السينما
وقال له لو شاهدت في الواقع شابا وفتاة يتعانقان في الشارع فماذا يفعل الرقيب نجيب محفوظ؟

قال نجيب : سوف ادير وجهي الناحية الاخرى وابتسم في سري وأقول يارب عقبالي !!

نجيب عامة كان يمثل الوجة المتسامح رقابيا لكنه اعترض مثلا على الاداء الصوتي لصباح في اغنية ( من سحر عيونك ياه )التي كتبها مأمون الشناوي ولحنها عبدالوهاب

حيث وجد ان صباح تسرف اثناء ادائها لهذة الاغنية في اطالة كلمة (ياه ....) باسلوب جنسي وأعيد التسجيل حتى تم تخفيف هذا الاحساس



ومن المفارقات ايضا ان نجيب محفوظ فؤجى بان الرقابة ترفض اغنية (يامصطفى يا مصطفي )بدعوة انها اغنية سياسية تنتقد وضع الدولة .
لانها على قول الرقيب تعني باداء مصطفى يا مصطفى انا بحبك يامصطفى ( مصطفى كمال اتاتورك) مؤسس تركيا العصرية

وان تلك الاغنية تتمنى ان تعيد مصر لحظيرة استمبول !!

وضرب مثلا على ذلك بأن المقطع الثاني من الاغنية يقول . سبع سنين في العطارين .. وكانت تلك الاغنية قد قدمت بعد الثورة بسبعة أعوم

بالطبع رفض محفوظ ذلك الهراء وسمح بعرضها ضمن احداث فيلم (اسماعيل يس والفانوس السحري )


وحققت تلك الاغنية عند عرضها على اسطوانات بانتاج من شركة مصر فون لمالكها محمد فوزي أكير عدد من الاسطوانات في تاريخ الغناء المصري والعربي حتى الآن إلى جانب اغاني ام كلثوم .

وبعد هزيمة 5 يونيو وقبلها بقليل قدمت اعمال كثير تنتقد النظام وعسكرة مصر وتعريبها وجرها نحو العالم العربي دون التطلع الى اوربا

ومن هؤلاء كان محفوظ وتوفيق الحكيم مؤسس الرواية العربية الحديثة

حيث قدم الاخير رواية بنك القلق التي هاجمت الرئيس عبدالناصر شخصيا ونشرها هيكل في الاهرام عندا في مراكز القوى المحيطة بعدالناصر

اما محفوظ فقد قدم رواية ثرثرة فوق النيل و ميرامار التى هاجمت بشراسة مؤسسات الاتحاد الاشتراكي بالدولة ونشرها ايضا هيكل بقرار خطى صريح من عبدالناصر ثم تقرر تحويل القصة الى الفيلم بنفس الاسم انتجة جمال الليثي عام 1970 من بطولة شادية ويوسف وهبي ويوسف شعبان



الذي برر ذلك القرار لرجال الحكم : الى مش عجبه يخبط راسة فى اتخنها حيطة ...وهو السينما هتنشر فضايح المفسدين عشان تعرفوا ان البلد مش نايمة وصحيالكم ... ((مذكرات سامي شرف- ايام وسنوات مع عبدالناصر ))

الغريب ان الفيلم الوحيد الذي ثار ضده نجيب محفوظ هو فيلم (القاهرة 30) من بطولة النجمة سعاد حسني وورشدي اباظة




حيث كانت القصة قد كتبت في حق اعتداءت وانتهاك حزب الاحرار الدستوريين (غالبية اعضاء ذلك الحزب هي التى تشكلت منها لجنة الثلاثين التي وضعت دستور مصر عام 1923- والتى كان يصفها دوما زعيم الامة سعد زغلول بلجنة الاشقياء –الشقاوة ) مذكرات محمد حسين هيكل باشا الجزء الاول

لكن المخرج كمال الشيخ برز الفيلم على انه عهد الوفد من خلال التلميح والغمز بحق رجال الوفد (المعروف ان كمال الشيخ كان ضمن اعضاء الحزب الوطني القديم ) كتاب كمال الشيخ والسينما –اعداد محمد عبدائم



وللعلم ان نجيب محفوظ هو عاشق الوفد ووسعد زغلول باشا طيلة حياته .

هذا هو نجيب محفوظ المبدع الذي يؤمن بالحرية للمبدع