يحتاج البشر إلى مخلص أخر لأنهم أخطأوا أيضاً في حق المسيح وصلبوه ـ على حسب ظنهم ـ بل إلى نزول متكرر عند كل خطيئة ، فما الفرق بين خطيئة طلب معرفة الخير والشر ، وبين التعدي ـ على من أرسله الله ـ بالقتل والتنكيل والتعزير؟ وإن لم يكن الخطأ في المعرفة أو بطلبها بحد ذاتها وإنما في مخالفة أمر الله ، فالخطيئة مستمرة بعدم عبادته ، ومحاربة أتباعه ، ومخالفة الناس المستمرة لأوامره على امتداد التاريخ ، ولا فائدة إذن من الفداء إلا إذا كان الرب أو الإله رحيم وعفو وغفور بحد ذاته يعرف طبيعة البشر وضعفهم أمام وساوس وإغراءات الشيطان ويعرف غرائزهم ورغباتهم وفضولهم ..إلخ ، وهذا يؤدي لعدم الحاجة لابن لله يساعده في الغفران أو يقدمه كضحية .
إذن هناك سؤالان مهمان : ـ
التساؤل الأول : ـ
ما هو سبب الخطيئة الأولى ؟
فإن كان الشيطان هو السبب ، وما دام موجودأ لإغواء الإنسان فما فائدة الفداء وأساس المشكلة موجود ، وهو السبب سواء في تلك الأيام أو ما بعدها؟ وهو موجود لغرض محدد وهو إغواء الإنسان وحثه على المعصية لسبب ما .
وإن كان الإنسان هو السبب ( لبجاحته وفضاضته وتجرؤه ) فما سبب وجود الشيطان إذن ؟

فإن كان قد أخطأ وأغوى الإنسان ( ليست لدي فكرة عن تصور المسيحيين لبدء عداوة إبليس للبشر ) ألا يستحق الفداء أو المغفرة على الأقل ( لو طلبها ) ؟
ففي الإسلام هناك موقفان لكل من إبليس ( الملعون ) ، وأدم ( المرحوم )
إبليس أبى واستكبر فلعنه الله تعالى وطرده من رحمته فطلب التأجيل .
وأدم نسى وعصى فتاب الله عليه فطلب الرحمة والمغفرة .
فحقق الله لكل منهما طلبه على الفور.
أدم كرمه الله بالعلم ( علمه الأسماء كلها ) ، وكرمه بسجود الملائكة له.
وما دام الله قد خلقه بيده فهو يعلم بأن الإنسان ضعيف ومعرض للنسيان والخطأ : ـ
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }طه115
أما المسيحيون فقد أدخلوا شخصية أخرى في القصة ألا وهي الحية ، وإلباس القصة نوعاً من الفنتازية العجيبة ، لاستبعاد دور إبليس اللعين وتصوير الحكاية وما فيها أن العصيان هو من الإنسان نفسه ، لذا فهو يستوجب الخلاص منها ، أما الحية فليس لها دور إلا في الأسطورة فقط ثم انتهى دورها بالعقوبة المعروفة في سفر التكوين .
ومن الملاحظات :
1 ـ لم يرد أي تفسير لبدء عداوة إبليس للبشر.
2 ـ طاوعا الحية بسهولة .
3 ـ أطاع أدم المرأة بسهولة.
4 ـ أنانية أدم ( المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت ).
5 ـ إنزال العقوبة بالحية ذاتها ( فجعلها تمشي على بطنها بدلا من قوائمها ، .. ).
التساؤل الثاني : ـ
ما سبب سكوت أدم عن الندم والاعتراف بالخطأ أمام الله ، أو طلب الرحمة ؟
بالرغم من أنه أكل من شجرة المعرفة؟
كذلك هنا امتداد لمقولة ( المخرج عاوز كده ) ليؤكد قوله بمدى عصيان الإنسان وبجاحته ، وتبرئة الشيطان من أي خطيئة ، وتحميلها على الإنسان تفصيلا وتطويعاً للنص ليناسب الاعتقاد . وبأن لا بد من التخليص الخارجي من الخطيئة ، ولاستبعاد أي دور للمغفرة الذاتية للإله دون تدخلٍ من حبيبه و ضناه الوحيد وأن الإنسان بحد ذاته مجرد من التفاعل وليست له أية حضوة أو مكانة عند الله .

أيضاً : مسألة أن هناك من قدم جسده وروحه فداءً تستلزم اختتام الحياة وإلا فما معنى أن الأولين لم يدركوا فائدة تلك التضحية ، فماذا ترون من فائدة للرسل السابقين إذن إن لم تكن للدعوة إلى توحيد الخالق فقط وليس للتبشير بالخلاص من الخطيئة؟
أنا شخصياً أرى بنفس المنطق أن الخطيئة الأخيرة( الصلب ) أفضع وأشنع ، وتحتاج إلى ابن أخر أو ابنة أو حفيد أو حفيدة ( سبحان الله وتعالى علواً كبيرا ) .
ـــــــــــــــــــــ
شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{18} إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ{19}أل عمران