{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
نساء من حينا
نزار عثمان غير متصل
Gramsci
*****

المشاركات: 1,664
الانضمام: Dec 2004
مشاركة: #1
نساء من حينا
ريم


لم تكن بذات القوام الرشيق لا ولا الوجه الصبوح، سمراء تميل الى الدكانة، تخطو للأمام بجسدها الممتلئ قبل تحريك القدم عند المشي، ولطالما تساءلت بيني وبين نفسي كلما رأيتها ان كان لمشيتها دور في تكوين تلك المؤخرة الشبيهة بظهر السلحفاة، هذا ومع مرور الزمن وتقدمها بالسن أخذ أعلى ظهرها بالتقوس ليبدي عند التدقيق نوع من انحناءة لطالما عمدت بمقابلها لحبس انفاسها لأقصى مدى ممكن حين المشي، مع شد الصدر وإبرازه للأعلى، ضاربة بذلك ثلاث عصافير بحجر واحد، فالبطن الذي أخذ بالارتخاء والتكور سيضمر حينها لأقصى مدى ممكن، والتقوس في الظهر قد يتوارى ما بين الضغط وخصلات الشعر الاسود الفاحم المتدلي، هذا في حين كون الثديين سيزدادا انتفاخا على انتفاخهما، بما يؤثر بمزيد من لفت النظر.. ما كانت لتغادر السيجارة يدها، ولا شفاهها الممتلئتين المتوهجتين بلون أحمر الشفاه القاني، وما انفكت يوما لتبخل بتوزيع الابتسامات ليقينها أن في مفلج أسنانها الصافّين كجدار من اللؤلؤ المرصوص مع صوتها الشبيه بشدو العندليب ما يسحر المخاطب، ويأسره أمام لوحة متناقضة من الجمال الأنثوي.. وكان أجمل ما فيها رقة الروح وخفة الظل، والحنان البالغ الذي لطالما فاض من عينيها الواسعتين صبابة ودموعا حتى ولو سمعت أغنية لعبد الحليم حافظ، وليسقى وجنتيها المدببتين ماءا وكحلا..

ولدت ريم في اواخر عقد الخمسينات من القرن المنصرم لتكون البنت الثانية لعائلة تشكلت من تسعة أفراد مع الوالد والوالدة، لم تنل من التعليم قسطا غير القدرة على القراءة والكتابة، لاضطرارها على إثر زواج أختها الكبرى لمعاونة الوالد في القيام بالواجبات تجاه الاسرة، مساهمة أشد المساهمة في إكمال إخوانها الشبان الخمسة لتعليمهم.. ابتدأت في معمل للخياطة، بعدها في محل لبيع الحلوى، ثم وأخيرا في محل نوفوتيه هذا قبل أن تأتيها "فرصة العمر" – بحسب ما كانت تعبر – للسفر والعمل في الخليج، والتي واجهها الرفض القاطع من الوالد المحافظ ابن المنطقة الأشد محافظة وتزمتا.

مرت الايام، وانتظرت ريم "النصيب" الذي لم يأت .. وإن أتى لم يكن بالمناسب، فـ"هل لامرأة أن تتزوج من رجل يكبرها بأربعين عام؟؟" – بحسب تسليتها الفؤاد أمام الذكرى- .. ولطالما هنّت النفس بحنوها على أبناء أختها، وأبناء الجيران، وقطتها البيضاء الناصعة "بيسو".. تحسنت الحالة المادية للوالد، وتخرج الشبان وتزوج غالبيتهم.. ولماتزل في عملها المتنقل ما بين صنعة وأخرى.. ربما كان هو "النصيب" الذي انتظرت .. تأقلمت مع حياتها.. وتصالحت مع انتظارها الواثق لـ"إبن الحلال" .. هذا وصولا الى ليلة اجتمعت فيها الاسرة بعد أن ألم بالوالدة مرض عضال، وقرروا إجبار ريم على ترك العمل والتفرغ لخدمة الوالدة .. هنا لا أكاد أشك بأن ريم لم تكن تحتاج لإجبار .. فوالدتها كانت حياتها، كانت الصديق والحبيب والزوج والإبنة .. لكن لا استطيع بالمقابل أن انسى وجه ريم ليلتها يوم انفض الجمع وسارعت إلى جدتي (صندوق أسرارها، والكتف الحاني) تندب سوء طالعها، ماذا تفعل؟؟ أتترك أمها وتكمل العمل متحدية قرار الأسرة المحافظة والمجتمع المتزمت والألسنة الحداد عرض الحائط، دافعة بازاء ذلك الضرائب المعلومة؟؟ أتدفن نداء ذاتها الدافع لفرجة روح وتحقيق ما تيسر من شعور بالذات من خلال العمل؟؟ ام بالمقابل هل تتوانى عن الواجب الذي يدعوها للتمرغ عند أقدام أحب الخلق إلى قلبها خدمة؟؟ أم تستسلم لنداء القدر، ولنداء جزء من نفسها متممة طريق انهزامها الذي أحبت دوما أن تسمه بكلمة "رسالة"؟؟ .. اختارت الوالدة .. لكن هل كلمة "اختارت" هنا صحيحة؟؟ هل كان لها من بديل؟؟

اختارت الوالدة.. وتركز حلمها حصرا بـ"ابن الحلال"..

أيام وسنين أخرى مضت، غادرنا حينا باتجاه منطقة أخرى، ما تركت ريم زيارة جدتي في المناسبات، وكلما استطاعت لذلك سبيلا، كيف لها أن تترك صندوق اسرارها دون الاطمئنان عليه بين الفينة والأخرى، بل كيف لها أن تغادر إدمانها على الاستخارة بالقرآن الذي أجادته جدتي خير إجادة، "شو بعدو مطول ابن الحلال يا حجة؟" بابتسامة تعلوها السخرية السوداء الممتقعة بالالم كانت تردد في كل إطلالة لها..

***

اليوم صباحا.. تعود خالتي من زيارة قامت بها لحينا القديم بوجه مكفهر، تدخل غرفتي قائلة:
- أتدري من توفي؟
- من ؟؟ (باستغراب)
- .... ريم (مع دمعتين)

اتسعت حدقتاي وغالبت دمعة .. (لا أحب أن أبدو ضعيفا ... خصوصا أمام أسرتي) .. بصوت كأنه الحشرجة:
- بالحرب؟؟
- .. لا بالسرطان ...
- ... لا تخبري جدتي !!

الوالدة في سريرها تحمل صورة ريم وتبكي .. الوالد والأخوة يتقبلون العزاء .. هل يا ترى جُمع فيمن حضر"ابن الحلال"؟؟

أوه كم تأخر ..

"حلم" لم يتحقق .. وورقة طويت

(f)


يتبع مع امرأة أخرى .. وكسر آخر..
10-02-2006, 04:59 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-02-2006, 04:59 PM
نساء من حينا - بواسطة محارب النور - 10-02-2006, 05:06 PM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-02-2006, 07:07 PM,
نساء من حينا - بواسطة ماركيز - 10-03-2006, 07:33 AM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-03-2006, 09:53 AM,
نساء من حينا - بواسطة ريمة - 10-03-2006, 09:54 AM,
نساء من حينا - بواسطة اميريشو - 10-03-2006, 10:12 AM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-03-2006, 10:20 AM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-03-2006, 10:22 AM,
نساء من حينا - بواسطة اميريشو - 10-03-2006, 10:30 AM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-03-2006, 10:33 AM,
نساء من حينا - بواسطة تيامت - 10-03-2006, 11:21 AM,
نساء من حينا - بواسطة نزار عثمان - 10-03-2006, 02:23 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
Question اغتصاب نساء اليزيديات بشمال العراق ؟؟؟ زحل بن شمسين 20 2,388 09-30-2014, 05:26 AM
آخر رد: زحل بن شمسين
  الشرطة الألمانية تحقق مع طبيب نساء التقط 35 ألف صورة فاضحة لمريضاته بسام الخوري 1 1,047 04-09-2012, 08:37 AM
آخر رد: بسام الخوري
  الضحايا 14 ألف امرأة منذ العام 1990... «محرقة نساء كردستان» تلتهم فتاة كل 20 ساعة بسام الخوري 1 1,322 11-29-2011, 09:08 PM
آخر رد: هاله
  السيد مهدي يتزوج أربعة نساء: السيد مهدي الحسيني 6 2,142 10-22-2011, 07:40 PM
آخر رد: Narina
  نساء حديديات في مجتمعات شرقية الباحثة عن الحقيقة 9 2,385 06-04-2011, 05:07 PM
آخر رد: الباحثة عن الحقيقة

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS