لعل أول ذكر للمسجد الأقصى ورد في آية سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) هذه الاية مكية وبالتالي نزلت في بداية التبشير بالاسلام اي في الوقت الذي لم يكن فيه مسجد اقصى او اي مسجد من اي نوع على الاطلاق، فأول مسجد بناه محمد (صلعم) هو في المدينة بعد هربه اليها، فمن الذي بنى هذا المسجد الأقصى المزعوم إذن؟

يدعي البعض ان المقصود بالمسجد الاقصى القرآني، هو هيكل سليمان اليهودي وان المسجد الحالي قد تم بنائه على انقاض الهيكل اليهودي غير انه من المعلوم ان اليهود لايبنون مساجد وانما معابد وتسمى عندهم :Synagogues.

إن حقيقة عدم وجود مسجد اقصى او اي مسجد على الاطلاق تؤكده واقعة ان عمر بن الخطاب لم يجد مسجد يصلي فيه عندما فتح القدس. كما انه لااحد رأى مسجدا اقصى في فلسطين اثناء حياة محمد ولاحتى عرفوا مكانه، ومع ذلك استطاعوا تعيين مكان مسجد اقصى واختيار صخرة لتكون صخرة المعراج السعيدة.

تشير بعض المصادر الى ان المسجد المعروف اليوم بأسم "المسجد الاقصى قد جرى بناءه في عهد مروان بن عبد الملك، الذي أنشأه في المكان الذي صلى فيه عمر بن الخطاب، في حين تشير مصادر اخرى الى عمر بن الخاطب قد قام ببناء مسجد، دعي بالمسجد الاقصى، بالإستعانة ببعض اليهود المسلمين لمساعدته على التعرف على موقع الهيكل، فهل فهم مسلميي العهد الاول ان الهيكل هو "مسجد اقصى"؟

لم يكتفي مسلميي ذلك الزمان بإعادة احياء هيكل اليهود المقدس تحت اسم جديد،( على الاقل حسب التصورات التي اسست لإعادة البناء وطريقة الاستدلال) بل تجاوزوا ذلك الى ترشيح صخرة لنيل لقب "صخرة المعراج" من اجل إكمال خلق رموز مراسم الطقوس الدينية للدين الوليد، إذ في حقيقة الامر لم يشهد اي منهم حقيقة تفاصيل الاسراء والمعراج كواقع مادي، ولاتتجاوز معرفتهم سماع الرواية من فم محمد (صلعم) ، فكيف استطاعوا تحديد الصخرة ذات الحظ السعيد من بين عشرات الصخور، والتي اصبحت في داخل مسجد (ام هيكل) ولها قاعة خاصة بها كمحظية؟

والاغرب ان الروايات تشير الى ان الصخرة تم تحديد نسبها الشريف ايضا بالاستعانة بالخبراء اليهود، فهل كان اليهود شهوداً على إسراء محمد (صلعم)؟

روايات العصر المبكر تنقل الينا ابعاد التناقضات التي شعر بها مسلميي ذلك العصر مما اجبرهم على اختراع اساطير مناسبة تغلق الثغرة في بناءهم المعرفي الامر الذي يساعدنا اليوم (إذا احسنا التفكير) على معرفة اساليبهم في الاجتهاد والتأويل وسقفهم المعرفي الضئيل الذي لازال البعض يعتمد عليها حتى اليوم كحقيقة مطلقة .

وهنا امثلة على اسلوب السلف في رقع الثغرات وتبرير مالايمكن تبريره.

قال ابن حجر(متحزراً) : " فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم ثم أنتشر ولده في الأرض ، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس " ، وقال ابن حجر : " وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال : أن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين ، فذكر ابن هشام في كتاب " التيجان " أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس ، وأن يبنيه ، فبناه ونسك فيه "

واعاد ابن حجر قوله: " وقد وجدت ما يشهد ويؤيد قول من قال : أن آدم هو الذي أسس كلا من المسجدين ، فذكر ابن هشام في كتاب " التيجان " أن آدم لما بنى الكعبة أمره الله بالسير إلى بيت المقدس ، وأن يبنيه ، فبناه ونسك فيه "

ولم يكتفوا بإختراع القصص المناسبة بل ظهرت اساطير مشابهة نسبت هذه المرة الى محمد (صلعم) نفسه لإعطائها المزيد من الشرعية، روى البخاري في صحيحه : " عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟
قال : المسجد الحرام.
قلت : ثم أي ؟
قال : المسجد الأقصى.
قلت : كم بينهما ؟
قال : أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّ ، فإن الفضل فيه " .

وكما نلاحظ فأن ذلك يظهر عدم معرفتهم بوقت بناء المسجد الاقصى، فمرة يكون آدم هو الباني ومرة اخرى إبراهيم. وإذا كان آدم، فمن الواضح انه لم يبقى له اثر منذ زمن طويل، على الاقل بفضل اسطورة نوح، وإذا كان إبراهيم والفرق بين بناء الكعبة وبناء المسجد الاقصى 40 عاما، فنحن لانعلم انه كان هناك مسجد اقصى في ذلك الوقت وانما هيكل سليمان، ومن الصعب حينئذ القول ليس فقط ان الفرق بينهما كان اربعين سنة، بل ان حقنا في "المسجد الاقصى" اكبر من حق اليهود فيه بإعتباره هو الهيكل نفسه.




والصخرة ايضا اصبح لها مسجدها، إذ انها هي التي كانت قبلة منذ عهد موسى والى ان ألغى محمد (صلعم) حظوتها لصالح بنت الوطن " الكعبة"،حسب ماذكر ناصر خسرو في " السفر نامة"، التي يدعي فيها ايضاً، ان سليمان الحكيم هو الذي بنى "مسجد" حول الصخرة، بالرغم من ان سليمان الحكيم لم يبني مساجدا على الاطلاق، بل هيكل او Synagogues، فهل مسجدنا هو هيكلهم؟ وإذا كان "المسجد" قد بناه سليمان حقاً، فهل يمكننا ان نعارض حق اليهود "بمسجدهم" إذن؟

ومن " سفر المنامة" نسمع المزيد عن وصف هذه الصخرة المحظوظة، إذ يقول" والصخرة حجراً ازرق لونه ، لم يطأها أحد برجله أبداً ، وفي ناحيتها المواجهة للقبلة إنخفاض ، كأن إنساناً سار عليها فبدت آثار قدمه فيها ، كم تبدو على الطين الطري فأن آثار اصابع قدمه باقية عليها . وقد بقيت عليها آثار سبع اقدام (رغم انه هو من ادعى بأنه لم يطأها احد برجله) . وسمعت ان ابراهيم عليه السلام كان هناك ، وكان اسماعيل طفلا فمشى عليها وهذه هي آثار قدمه ".(وبالطبع فالصخرة لايجوز لها إلا إبقاء آثار اقدام الانبياء، بشهادة..مجهول)


وقال البكري الأندلسي المتوفى سنة 487 هـ في " معجما ما استعجم " 3 / 826 [ الصخرة ، على لفظ الواحد من الصخرة . قال حمد بن محمد الخطابي : الصخرة هي بيت المقدس نفسه .وذكر حديث الذهلي عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن المشمعل الأسيدي ، عن عمرو بن سليم ، عن رافع بن عمرو المزنى ، رسول الله صلى عليه وسلم قال : الصخرة والعجوة والشجرة من الجنة . قال : الصخرة ، بيت المقدس ، والعجوة : هي النخلة . قال ويروى عن يحي بن سعيد انه قال : الشجرة هي الكرم .


جذور الصخرة الطائرة لازالت لاصقة بالجبل بقوة، وليس هناك اي دليل على كونها قد نفصلت يما ما.


ويذكر موقع "شبكة نداء القدس" عن طريقة عثور عمر بن الخطاب على موقع الصخرة "القبلة" التي كانت غارقة في الزبالة، فيقول:
وروى ابو عبيد ان عمر بن الخطاب لما ولى (الخلافة) ، زار اهل الشام ، فنزل (منطقة) الجابية ، وأرسل رجلا من جديلة الى بيت المقدس ، فافتتحها صلحاً ، ومعه كعب الأحبار(ابا اسحاق)
فقال : يا أبا اسحاق ، اتعرف موضع الصخرة
قال ؟ اذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً ، ثم احفر ، فأنك تجدها
(الايعني ذلك انها كانت مطمورة تحت الزبالة، ولم يكن بإستطاعة محمد لمسها؟، لنتذكر ان الاسراء لم يكن قبل فترة كبيرة من غزو فلسطين واحتلالها) وهي يومئذ مزبلة ، فحفروا فظهرت لهم ،
فقال عمر لكعب كعب : أين ترى نجعل المسجد : أو قال القبلة ؟
فقاله أجعله خلف الصخرة ، فتجمع القبلتين : قبلة موسى ، وقبلة محمد صلى الله علي وسلم .
فقال ، ضاهيت اليهودية يا أبا اسحاق ، خير المساجد مقدمه ، فبناها في مقدمه المسجد...

ومن المثير انهم ليسوا فقط قد تمكنوا من تحديد مكان "المسجد الاقصى" بإعتباره هو نفسه الهيكل اليهودي، وانما ايضا مكان إسراء محمد الذي لايعرفه إلا محمد نفسه، إذ يذكر المصدر نفسه" .."قبة جبريل" عليه السلام وليس فيها فرش، بل ان ارضها من حجر سوره. ويقال ان هناك اعد " البراق" ليركبه النبي عليه السلام ليلة المعراج"، بالرغم من انه لم تكن هناك قبة او مسجد او مبنى عندما ركب النبي، ولااحد شهد او شاهد الحدث، ليعيد وصفه ، ومع ذلك تمكنوا من تحديد كل التفاصيل بدقائقها.. وفي المصدر نفسه، جرى التتطرق الى الصخرة في قبتها، ليظهر لنا انها صخرة وضع الرسول يده عليها، فوقفت (...نعم وقفت بالذات): فلما خرج وقفت لجلاله فوضع الرسول يده عليها لتعود الى مكانها وتستقر وهي بعد نصف معلقة (المصدر نفسه). ، نعم لقد كان قلق الرسول كبيرا على الصحة النفسية للصخرة.
مع انه لايوجد مايشر الى ان الصخرة قد وقفت او طارت، فهي لازالت جزء لايتجوء من الارض التي تحتها لم تنفصل عنها.

من موقع الاقصى



ومن موقع تاريخ الاقباط، نقتبس التالي:
يخبرنا الطبري إن عمر "قام من مصلاه إلى كناسة [زبالة] كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس". وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما تخبرنا به "الموسوعة اليهودية" (9) من أنّ كعب الأحبار بعد أن دلّ عمر على مكان الصخرة (من اين عرف الحبر اليهودي مكان الصخرة؟)على جبل الهيكل، "أمر عمر بتنظيف الصخرة واستخدم المكان كموضع للصلاة... وتقول بعض المصادر المسيحية والعربية إنّ أحد شروط المسيحيين سكان القدس للاستسلام لعمر كان تحريم إقامة اليهود في القدس... وسمح عمر لليهود بأن يعيدوا بناء حضورهم في القدس - بعد حقبة خمسمئة سنة - ويبدو أنّه خصص لهم مكاناً للصلاة على جبل الهيكل (والذي طردوا منه في زمن لاحق). والتقليد اليهودي يعتبر عمر حاكماً خيراً، والمدراش (نستاروت [أسرار] دراف شمعون بار يوحاي) يشير إليه بصديق إسرائيل" (10) . (فهل فضل عمر مكافأة اليهود على تعاونهم، على الالتزام بعهده مع النصارى؟)

نلاحظ أيضاً أنّ سالمون بن يهورام في تفسيره للمزمور 30: 10 يقول، إنّ عمر بن عبد العزيز هو الذي أبعد اليهود عن الصلاة في جبل الهيكل (11) - هذا يعني استخدامهم الديني لجبل الهيكل حقبة لا بأس بها. وربما يكون عمر بن الخطاب هو أوّل من سمح لهم بذلك....

اليهود الذين أعتنقوا الإسلام مثل (كعب الأحبار) كانوا يكشفون للغزاة العرب مواقع اليهود المقدسة، يقول مرجع يهودي من القرن الحادي عشر، إنّه كان ثمة يهود مع الغزاة الإسماعيليين، وهم الذين أظهروا لهم الحرم وأقاموا معهم بعد ذلك (1)

وتذكر الموسوعة اليهودية (2) النسخة الإنكليزية، أنّ كعباً "كان أحد أتباع عمر حين دخل الأخير القدس، وبناء على طلبه، حدّد له [كعب] الموضع الذي كان الهيكل مبنياً عليه. وبحسب التقاليد، فقد حاول المسيحيون إخفاءه عن الفاتحين... وعندما كشف عن هذا الموقع، حاول كعب حثّ عمر على بناء المسجد (مسجد عمر) شمال الصخرة ، بحيث توجّه القبلة إليها [في الصلاة] بدل مكّة. لكن عمر رفض هذا الاقتراح، معتبراً أنه موحى بميول يهودية". وتضيف في موقع آخر (3) : "صلّى الخليفة عمر بن الخطاب على جبل الهيكل بعد فتح القدس عام 638، بصحبة اليهودي اليمني المرتدّ كعب الأحبار". وفي موضع ثالث (4) ، تقول : "يقال إنّ يهودياً اعتنق الإسلام، هو كعب الأحبار، والذي كان أحد أفراد عمر وقت دخوله القدس، دلّ عمر على مكان الصخرة (الإفن شتياه)، على جبل الهيكل". و"عام 700، بنى عبد الملك [بن مروان] المسجد الأقصى في المكان حيث يفترض أن عمر صلّى (5)

ومن المثير ان لاتوجد اي دلائل على وجود الهيكل نفسه، كما ان مملكة سليمان نفسها تثير العديد من التساؤلات، إذ لايوجد مايشير الى وجود مملكة بهذا المستوى من العظمة التي يجري تصويره في الكتب المقدسة، وهي لاتعدو في احسن الاحوال عن ان تكون مملكة لاتزيد عن قرية سكنها حوال الالف شخص، فعن اي مسجد اقصى يجري الكلام؟

واعتقد ان هذا كافياً لتوضيح كيف تخلق الاسطورة والطقوس المقدسة، لتصبح عادات وتقاليد يصعب التخلص منها او الطعن في مصداقيتها بدون ان يقفز الملايين إحتجاجاً مدعين الطعن بمقدساتهم، ومطالبين بإحترام اصنامهم. والنتيجة هل المسجد هو الهيكل؟ ولماذا تغير اسمه من هيكل الى مسجد مع ان السرد يعطي الانطباع بأن المضمون واحد، في الوقت الذي لايعرف اليهود سجوداً، ولايرى المسلمين ان لليهود الحق بدخول المساجد، فلمن المسجد الاقصى إذن، إذا كان هو نفسه هيكل سليمان؟


المعلومات اعلاه من شبكة القدس

ومن موقع الاقصى

ومن موقع تاريخ الاقباط