الزميل استشهادي المستقبل تساءل عن سبب وجود الديانات اذا لم يكن الإله موجودا كما أزعم أنا.

من وجهة نظري و حسب اطلاعي على الحالة البشرية من قديم الزمان، فإن الديانات كانت و لا زالت دائما مبنية على جهل الانسان بأمور الطبيعة، و توقيه الى الراحة و الامان في بيئة قاسية و باردة.

الانسان منذ البدء عمد الى شخصنة قوى الطبيعة التي لم يفهمها. فاذا جاءت الرياح و هدمت بيته، اعتقد أن الريح هو إله غاضب غير مرئي، و بدأ في تقديم الاضحيات و الهدايا له لكي يرضيه، و اذا اصاب الانسان مرض ما، اعتقد أن روحا شريرة دخلت جسده، و اذا تساءل عن الرعد، قالوا له أن آلهة مزمجرة تسكن فوق السحاب. اذن يبدو من الواضح لي شخصيا أن الآلهة كانت دائما مرافقة للجهل، فكل ما نجهله، ننسبه للآلهة، و لهذا السبب، فكلما ازدادت معرفتنا، كلما نقص عدد الآلهة! و اليوم في الغرب مثلا القشة الوحيدة التي يطفو عليها "اللـه" قبل أن يختفي تماما هي قشة جهلنا بأصل الوجود، الذي لم يجد له العلم تفسيرا بعد، فإذا وجد له العلم تفسيرا، فقد يؤدي هذا الى نبذ فكرة اللـه بالكامل!

الشطر الثاني من الاجابة هو كما قلت توقي الانسان للراحة و الامان. تصوروا لو قبض علي انسان جبار و بدأ بتعذيبي، بعد فترة بسيطة سأتوسل إليه ألا يزيد من ألمي، و قد أحاول تبجيله و ارضاءه لكي يكف عن أذاي. هذا بالضبط ما حدث. عندما أصاب الناس المرض، او الجفاف، او الزلازل، او اي مكروه آخر، باتوا يتوسلون لقوى الطبيعة المجهولة لكي تكف اذاها، و باتوا يبجلونها و يعظمونها أيضا. هذه الفكرة ما زالت موجودة اليوم في الاديان الشرق اوسطية كالاسلام و المسيحية، حيث يعمد الانسان لتبجيل اللـه و الركوع له و التوسل اليه و طلب رحمته.

اذن فبنظري وجود الاديان بين البشر هو أمر طبيعي جدا لا يعبر عن وجود الآلهة فعلا، و انما يعبر عن حاجة ملحة في البشر لوجود مثل هذه الالهة بسبب الطبيعة القاسية احيانا. لهذا السبب فمن الصعب على الكثيرين ان يتركوا ايمانهم بالإله الذي يعبدونه بسبب الراحة النفسية و صمام الامان الذي يوفره لهم هذا الإله.

أما سؤالك عن احتمال وجود الإله، فأنا لا أرمي هذا الاحتمال خلف ظهري. بالرغم من ميلي الشديد للإلحاد كما هو واضح بسبب التناقضات الكثيرة في مفهوم الإله، إلا أنني متمسك بموقفي الفلسفي القائم على اللاأدرية، و هي الفلسفة القائلة بأن مسألة طبيعة أصل الكون هي مسألة غير محلولة بعد. فوجود قوة عاقلة فوق الطبيعة هو أحد الاحتمالات القائمة دوما في عقلي إلى أن يثبت العلم عكس ذلك. و لكن هذا لا يعني أنها الاحتمال الوحيد. كما قلت، هناك احتمالات كثيرة. (لكن كل ذلك لا يمنع أني أرفض الاديان للأسباب التي ذكرتها في المداخلة السابقة).

لذلك فالاجابة على سؤالك هي: نعم. وجود الإله هو احتمال قائم من ضمن الاحتمالات الاخرى، بغض النظر عن ميولي الشخصية. هذا كلام لا أنكره.