نورما خوري في «شرف ضائع» حادثة افتراضية تتكرر واقعياً كل يوم!


دمشق
صحيفة تشرين
عالم الكتب
الاربعاء 26 كانون الثاني 2005
محمد غيث الحاج حسين
بدأت جرائم الشرف تحتل حيزاً لا بأس به من الأخبار والاهتمام العام على الصعيد العالمي مع انعقاد أكبر مؤتمر دولي لما يسمى باسم «جرائم الشرف» في السويد في هذا الشهر الأخير من عام (2004م) وذكرت جريدة السفير، نقلاً عن وكالة رويترز أيضاً أن أكثر من خمسة آلاف امرأة يقتلن سنوياً في هذا النوع من القضايا، حسب تقديرات الأمم المتحدة، والعدد أكبر بكثير. ولم يعد الأمر مقتصراً على داخل المجتمعات العربية والإسلامية بل تعداها الى بلاد المهجر ولاسيما السويد التي أحصت أكثر من 1500 و 2000 اتصال من مهاجرات من الشرق الأوسط لطلب الحماية من تهديدات أقارب لهن.

أغلبية قضايا الشرف تفتقد الدليل المادي، ويعتمد القاتل، الأب أو الأخ، على الشبهة والظن ويقوم بتنفيذ جريمته بثقة كاملة بأن الشبهة في مكانها، وظنه صحيح تماماً ولذلك كانت نسبة مرتفعة من ضحايا هذه الجرائم البشعة عذراوات بعد إجراء الفحص الطبي بعد الوفاة، وهذا التفصيل لايبدو مهماً في الجريمة إذ لاتحدث مراجعة ما لما حصل سواء من قبل الأهل أو القضاء، حتى مع تفصيل هذه الدقة وتتتابع طقوس الجريمة من لحظة الشك وحتى التنفيذ وتسليم المجرم نفسه للشرطة التي تعامله باحترام وتقدير ندر حدوثه في حالات أخرى ليستقبل بعد خروجه من السجن بعدة أشهر استقبال الأبطال من قبل الأهالي والأقارب وأهالي الحي.. حيثيات وتفاصيل جرائم الشرف تتكامل فيما بينها لتشكل تعبيراً رمزياً عن العنف الكامن في المجتمع وعن اليباس المسيطر على الفرد والجماعة معاً.

‏

لم تكن تنقص الصورة العامة الحالية للمجتمعات العربية والإسلامية هذا التفصيل الدموي المكتوم، تلك الصورة التي هي الآن أشبه بأشلاء مخيطة بعضها إلى بعض على هيئة مجتمع يكاد ينفزر من (الصخب والعنف). ‏

نورما خوري في كتابها المعنون «شرف ضائع: الحب والموت في الأردن» قتلت بطلتها وصديقتها الافتراضية دالية مرتين، الأولى على يد أبيها حماية لشرف العائلة وهي الفتاة المسلمة التي أحبت شاباً مسيحياً، والمرة الثانية عندما اعترفت على شاشات التلفزة، وبواقعية لاتحسد عليها، بأن قصتها مختلقة من الألف الى الياء، مع فارق مهم هو أن ثمة تبادلاً للأدوار حصل من دون أن تشعر هي، بينها وبين دالية صديقتها المتخيلة، إذ تثبت الوقائع المتواترة لجرائم الشرف مدى واقعية الحدث وقسوته، في حين أثبتت نورما خوري لنفسها وللقراء لمرة واحدة فقط أنها كاتبة افتراضية. لم تكن تحتاج الى الادعاء بحدوث القصة في زمان ومكان محددين وتنسب لنفسها تبني الواقعة وربما كان ذلك تقاطعاً وتصادماً مع ما درجت عليه الأفلام والمسلسلات الأميركية التي تثبت في بداية الفيلم عبارات مشابهة من قبيل أن هذه القصة حدثت في زمان كذا ومكان كذا على أساس أن ذلك يمنح مصداقية للعمل لدى المتلقي ومشروعية باعتبار أن الكلمة الفصل هي للواقع الخام والحياة المعيشة معزولة عن وعيها عبر الخيال الذي هو بالتوصيف الاجتماعي السائد شكل من أشكال العبث واللهو وبذلك يتم تجريد الأدب، وهو التجربة الذهنية/ المعرفية التي أساسها الخيال، من أهم أدواته، إضافة وعي الواقع الى المتلقي. ولذلك كانت خيبة أمل القارئ الغربي كبيرة باعتراف نورما خوري بلا واقعية شخصياتها في الكتاب، مع تجاهله لواقعية الحدث العام خارج الكتابة، أفسدت عليه الفرجة التي أدمنها على كواليس الشرق وخفاياه، كان التكريم الذي لاقته الرواية تكريماً للفرجة، والتلصص، فلم يتسامح معها وركبت دار النشر التي نشرت كتابها الموجة وأعلنت عن سحب الكتاب من الأسواق وعن تعويض القراء عن ثمنه، وبذلك تم تجاهل الواقعة الأصلية والمتجددة وتغييبها تحت أثر اختلاق واقعة بعينها لم تحدث مع أن مثيلاتها حدثت وتحدث بشكل متواتر، وبات الحديث كله في الصحافة الغربية يدور حول كذبة نورما خوري ما يستدعي تلقائياً البحث في تاريخها الشخصي الذي لم يكن على مايبدو ناصعاً، لإثبات فردية الحالة وعزلها تحت مسميات كثيرة تبدأ من الكذب والاحتيال ولاتنتهي بالمرض العقلي؛ وبذلك يغيب التساؤل عن مسؤولية الغرب ومشاركته فيما حدث ويحدث في داخل المجتمعات الغربية وخارجها «الشرق» من تغييب وتجهيل يطول كلا الطرفين معاً. وتحضر هنا بالتأكيد قضية الفتاة الفرنسية /ماري­ ل/ التي ادعت أنها تعرضت للاعتداء على يد شبان مغاربة، في 11 تموز من هذا العام، ظناً منهم أنها يهودية ورسموا علامة الصليب المعقوف على مواضع عديدة من جسدها، وبطبيعة الحال استدعى الأمر حالة طوارئ إعلامية دفاعاً عن اليهود المقيمين في فرنسا ضد معاداة السامية التي يواجهونها، وتبين فيما بعد، وببساطة شديدة، أن القصة ملفقة برمتها وجرى الحديث عن تاريخها الشخصي وحالتها المرضية التي توصف بالولع المرضي بالكذب وهو ما يسمى «الميتومانيا» وطال التحليل جميع النواحي المتعلقة بالمرض عامة والمريضة على نحو خاص وبقيت المساءلة الخاصة باندفاع الإعلاميين والسياسيين وتحاملهم على فئات اجتماعية أخرى طي النسيان، ولم تكن اللوموند، التي حاولت التخفيف من وقع القضية بالاعتذار الى قرائها عما حدث، إلا لتشير الى أن أمراً مايجري تغييبه وتجاهله من وراء القضية والاستجابة لها (راجع نوافذ المستقبل /السبت 17 تموز 2004). ‏

حتى هذه اللحظة لم يشعر القارئ الغربي بالتخمة أو الملل من وجبات الشرق السريعة التي ابتكرها لنفسه منذ زمن بعيد، شرف، جنس، مخدرات، شذوذ.. لم يشعر بعد بإشباع القرحة التلصصية المزمنة لديه. ‏

ارفن جميل شك صاحب كتاب (الاستشراق جنسياً) شعر بالغثيان أمام المادة الايروتيكية الهائلة التي تجمعت لديه وهو يُعِدّ لكتابه، قصصاً مكرورة لدرجة الإملال عن شرق افتراضي، يتأرجح مرغماً بين الطهارة والدنس، الفحش والعفة، الفسوق والتصوف، يُقرأ بعد وجبة عشاء دسمة أمام نار متقدة في منزل رجل انكليزي مخمور.. ومع ذلك فالصوت المعارض يخرج من هناك.. وتلك مفارقة أخرى.. ‏

‏

الكتاب: شرف ضائع: الحب والموت في الأردن ‏

المؤلفة: نورما خوري ‏

الناشر: قدمس للنشر والتوزيع ‏

دمشق:2005