يقول المثل، "ارخي له الحبل حتى يشنق نفسه به،" فهل يا ترى قامت فتح بدغدغة حماس عسكريا كي تجرها الى المواجهة التي حصلت، و هل رخت لها الحبل لفترة من الزمان حتى تبتلع حماس الطعم و تشنق نفسها بهذا الحبل؟ و هل هذا هو السبب يا ترى الذي جعل اسرائيل و اميركا تقفان متفرجتان صامتتان الى الان؟

قد يكون ما حصل هو شيء سمحت فتح له بالحصول و قامت حماس بالسقوط في الفخ. أرادت فتح من كل هذا ان تجبر حماس على كشف كل اوراقها كي تحصل فتح على عذر قانوني لطرد حماس من السلطة، و هي الان تنتظر كي ترى كيف ستسيّر حماس الامور كي تعود لاحقا و تقول للشعب، "هكذا اردتم بانتخابكم حماس و رأيتم بأعينكم ما حصل."

المستفيد الاخر مما يحصل هو اسرائيل حيث اصبحت حماس الان عمليا ايدولوجية محظورة و حزب غير قانوني و لن يتسنى لهم في المستقبل ان يكونوا في اي موقع حكم حقيقي، و هو نفس حال الاسلاميين المهمشين في دول مثل الاردن و مصر و الجزائر مثلا.

اذا كان الامر كذلك فقد حصل فعلا، فما أن استيقظت يوم سقوط غزة حتى رأيت وسائط الاعلام الامريكية تهاجم حماس و تظهر على شاشات التلفاز البشاعات التي ارتكبها رجالها، و رأيت عناوين مثل، "راديكاليين اسلاميين يتمردون على السلطة الفلسطينية، و العالم يندد." و في اليوم التالي، بدأت الخطابات المؤيدة و المطمئنة لعباس بالتوالي تباعا، و بدأ المحللون يقولون أن ما حصل في غزة هو "نصر لإيران و هزيمة لأميركا و حلفاءها" (سمعتها بأذني!) و تحول عباس فجأة من رئيس سلطة لا ارادة لها في السلام مع اسرائيل و دائما تماطل معها، الى رجل الحل الوسط، الفلسطيني المعتدل الذي ثار عليه المتطرفون، الخيار المفضل للعالم الغربي و للأمم المتحدة.

فتح ايضا ستستفيد مما جرى، حيث ظهر جليا للعيان في الشهور الماضية ان فتح عاجزة عن احتواء حماس سياسيا حتى في حكومة الوحدة الوطنية، و لم يبق لفتح خيار سوى عزل حماس تماما عن الحكم، و طبعا هذا غير ممكن لأن فتح ساعتها ستظهر بمظهر الدكتاتور الذي رفض ارادة شعبه. فلم يعد لديهم سبيل الا تلك الهدية التي قدمتها لهم حماس على طبق من ذهب (بسذاجة) حيث تحولت حماس بين ليلة و ضحاها من حزب سياسي حاكم الى عصابة متمردة انقلبت على الشرعية الفلسطينية بعيون العالم.

طبعا كل هذا لا يبرّئ حماس فإن مجرد استعدادا للانقلاب العسكري على السطلة و عجزها في مجال الدبلوماسية الدولية لتحقيق حاجات الشعب هي أمور تجعلها غير صالحة للحكم أصلا.

لا أدري كيف سيحل عباس الموقف حاليا. قد تكون الخطط العسكرية الان في طور الاعداد، و لا بد ان الاسلحة الامريكية و المصرية و الاسرائيلية في طريقها الى رام اللـه (بالخفية طبعا) و المشاورات على قدم و ساق مع خبراء عسكريين اسرائيليين (قرأت خبرا ان معونات عسكرية اسرائيلية الان في طور الدراسة في تل ابيب بالرغم من التردد). و لكن الوضع حساس فإن أي عمل عسكري تقوم به فتح في غزة سيؤدي الى شلال دم بسبب عدة و عدد المقاتلين من حماس. قد يكون الانتظار الان يصب في مصلحة فتح لأنه مع مرور الوقت، ستبرد شعلة الثورة و الحماسة و سيعود الناس الى منازلهم و ستقل ارادة المقاتلين في الصمود او الدفاع عن وضع ميئوس منه في العزلة التي يعيشونها.