آخر مبتكرات الرئيس بوش الكلامية قوله انه يريد أن يرى عراقا ديمقراطيا على غرار اسرائيل!!
ولا أدري هل هو الجهل أم الغباء أم كلاهما دفعا برئيس أقوى دولة في العالم ليقول ما قال؟ وإلا كيف يمكن أن تسود الديمقراطية في بلد ما زال الماضي يتحكم في حاضره؟ وهل يمكن للديمقراطية أن تسود أصلا بدون ديمقراطيين؟
لقد تعلم العراقيون كل شيء.. تعلموا العلوم واللغات وعلموها، كما أبدعوا في كل مجال من الشعر الى الرواية، وتفننوا في الغناء والموسيقى، وتميزوا في مختلف الألعاب الرياضية، لكنهم وللأسف الشديد فشلوا في درس الديمقراطية، وكانت نتيجتهم صفرا في كل المراحل الامتحانية التي كان عليهم اجتيازها بنجاح سواء في العهد الملكي أو بعد سقوط أبشع ديكتاتورية عرفها العراق في تاريخه القديم والمعاصر عام 2003.
يبدو لي ان الرئيس الأمريكي محاط بحاشية من المستشارين المتملقين مثلما هو الحال بالنسبة للحلقات الضيقة المحيطة بحكامنا وولاة أمرنا، فلم ينصحوه بتجنب الحديث عن الديمقراطية ليس في العراق وحده وانما في عموم منطقتنا الغارقة في الماضي والتاريخ والمستحضرة لأرواح الأسلاف الذين لن تنجب البشرية سواهم، فالديمقراطية يمكن أن تسود في جبال الهملايا ومستنقعات الأمازون وغابات أفريقيا لكنها لن تسود في عالمنا العربي والاسلامي أبدا ما لم يقم حد فاصل بين الدين والسياسة، وإذا كان هناك من يتوهم بوجود ديمقراطية في هذا البلد العربي أو ذاك فانها ديمقراطية الواجهة فحسب. ودونكم لبنان مضرب المثل في الديمقراطية وتناوب الرؤساء على الحكم لتكتشفوا زيف الادعاء الديمقراطي، وهو الزيف نفسه الذي كشفه رئيس البرلمان العراقي طبيب الباطنية والأطفال محمود المشهداني حين قال لا فض فوه: شنو ديمقراطية.. شنو قندرة!!
من يبلغ الرئيس بوش ان الديمقراطية ليست تمنيات وكلاما يطلق على عواهنه. من يقول له ان الديمقراطية تحتاج الى ديمقراطين أولا. من يهمس باذنه أن لا جدوى من الحديث عن الديمقراطية في عالم عربي مشدود الى فقهاء ورجال دين يطلق عليهم علماء وهم أقرب ما يكونوا الى الأمية، ولا تتحرك بوصلتهم إلا على فتوى منهم حتى ولو كانت من نوع ارضاع الكبير!!
كلما رأيت عمامة في شارع أو على صفحة جريدة أو على شاشة تلفزيون أصاب بالذعر ويزداد يأسي من امكانية تحقق الحد الأدنى من شروط الحكم الصالح، فأحرى بتحقق الديمقراطية كاملة مع هذه العمائم المتعددة الألوان والأشكال والتي أخذت تتوالد بسرعة توالد الأرانب وتنتشر مثلما ينتشر الأيدز وتقضي على كل أمل كما الطاعون!!.
وبعيدا عن تمنيات بوش وأحلامه والتي هي ليست بمعزل عن الاستراتيجية الأمريكية المرسومة للمنطقة لا بد من الاعتراف بالمأزق الذي يعيشه العالم العربي، فهو رغم تمتعه بالثروة وبالنخب الواعية والموارد البشرية يظل بعيدا عن الديمقراطية التي يستحقها عن جدارة، والسبب هو العلاقة المستمرة والمتواصلة منذ 14 قرنا بين كرسي الحكم والفقهاء، وبدون فك هذا الارتباط الذي أفرز كل أنواع الفساد والظلم والعنت والاستبداد والطغيان، سيبقى العرب محرومين من نعمة الديمقراطية.