Array
يا صديقي العزيز ، الإلحاد ليس من العلمانية في شئ ، ولا مجال للخلط بين العلمانية وبين الإلحاد.. فالإلحاد موقف يعبر عن قناعة معينة تجاه وجود الله ، والعلمانية لا دخل لها بهذه المسألة إطلاقاً.. فهي ليست إلا فصل"الدين عن السياسة" أو عن "الدولة" لو شئت..
[/quote]

لو كانت العلمانية "ليست إلا فصل الدين عن السياسة" لكانت بلد مثل السعودية بلداً علمانيا بامتياز ، ذاك أن هذا البلد لم يترك فاحشة (من وجهة نظر الإسلام) إلا وارتكبها من موالاة الكفار ضد المسلمين وهذه وحدها كفر مخرج من الملة إلى تقديم الرشى وإدارة حملات إعلامية وإعلانية مكلفة جداً لنيل رضاء كافر لم يحذر الإسلام من السعي لمرضاته فقط بل طالب بنبذه والبراء منه ، وحتى في السياسة الداخلية (إن وجدت) لا تحتاج السلطة السعودية أن تستخدم ورقة الدين في وجه خصومها لأنها ـ ببساطة ـ إما لا خصوم لها أو أن خصومها أكثر منها إسلاميةً أو هكذا يدعون ، فهل السعودية بلد علماني ؟ بالطبع لا .

فصل الدين عن السياسة هو بالطبع من العلمانية ولكنه ليس إلا جزءاً بسيطاً من أجزاء الصورة التي يجب أن يكون المجتمع العلماني عليها ، أما ميادين العلمانية الأكثر وعورة وتعقيداً فتوجد في جوانب أخرى من حياة المجتمع مثل النظام الاجتماعي والعلاقات والقيم المؤسسة له وخصوصاً علاقة الذكور بالإناث وأوضاع المرأة عموماً ، وفلسفة التربية والتعليم والإعلام والسياسة الصحية ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية مثل التاريخ والفلسفة والفنون والآداب ....الخ الخ .

يستطيع أي سياسي مصري مثلا أن يخرج على الناس ليقول شيئاً مثل "لن نسمح بوجود أحزاب دينية ذات مرجعية دينية" (حدث هذا ويحدث كثيراً) دون أن يخشى شيئاً ، بل إن هناك نصاً دستورياً يمنع تأسيس مثل هذا الحزب وهذا دون شك من أعمال العلمانية وسماتها ، لكن هل تجرؤ الحكومة المصرية مثلاً أن تسن تشريعاً يعترف بالزواج المدني ؟ أو تشريعاً آخر يجرّم تعدد الزوجات ؟ أشك كثيراً أن تجرؤ الحكومة على ذلك أو شيء شبيه به .

وفي المقابل هل من الممكن تصور أن تُدّرس نظرية التطور لداروين والفلسفات الملحدة والأدب الإباحي في المدارس والجامعات في ظل حكومة ذات مرجعية دينية (إسلامية أقصد) ؟ وماذا عن إتاحة واستخدام وسائل منع العمل وعمليات التجميل والبنوك وفوائدها مثلا في ظل مثل هذه الحكومة ؟

أريد أن أقول أن الساحة التي تنتظر العلمنة تتسع كثيراً عن مجرد الحياة السياسية ، تماماً كما أن الساحة التي يتوق إليها الإسلام تتجاوز بكثير المسجد و "علاقة الإنسان بخالقه" ، وإذا تحدثنا عن العلمانية والإسلام فلا مفر ـ في رأيي ـ من الإقرار مسبقاً بأنهما بديلان لبعضهما البعض وبما يعني أن التعايش بينهما تامين كاملين هو المستحيل بعينه .

هل يعني ذلك الاستسلام لدولة دينية بوصفها قدرا لا مهرب منه ؟ بالطبع لا فهناك فرصة دائما (وإن كانت عسيرة وصعبة المنال) في علمنة هذه المكون أو ذاك من مكونات الدين لكن من داخله وهذا موضوع آخر .