في سياق احتجاجه ضد انسانوية المسيحية الدنيوية ، " التي تقلص قامة الانسان " كمـا يقول ، طور نيتشه نقده للانسان الحديث ، انسان عصره ، و توصـــل الى نتيجة تطالب ب " تجاوز الانسان " و تلغي كـل النزعـة الانسانوية المسيحية . ولتقرا لــه هذا المقطــع :

" هذه هي ريبتنا التي تظهر على الدوام ....... و هذا هو سؤالنا الذي لا يريد احد سماعه ...... و هذا هــو أبو هولنــا ........ أعتقد أن كل شيء في اوروبــا اليوم ، مـمــا اعتدنــا على سماعه و احترامـه كقيـــم لتلك الاشيــاء المحترمة ، التي تسمى " انسانيــة " و " أنسيــة " و " مشاركة شعوريــة " و "تعاطف " .....الخ قد تكون له قيمة أوليــة بوصفه اضعــافـا و تلطيــفا لغرائــز أساسيــة خطيرة و جبــارة . لكن هذا التلطيف و الاضعاف لغرائزنا تلك ، على المدى الطويــل لمجمل النوع البشري ، ليس هـو الا اضعافا لــه و فرض الوسطية عليــه " ......... انتهى كلام نيتشه .

و بالعودة الى مقالات اخرى مكتوبة عن نيتشه حول " الانسان الاعلى ، كتجاوز للانسان " نتوصــل الى مـا يلي :

- يرى فريديريــك نيتشـه ، الالمــاني البروتستانتي الولادة ، أن " تجــاوز الانسان " ممكن في " الانسان الاعلـى " أي الرجل الخارق ، العرق المتفوق و من ثــم " العرق الآري " لاحقــا . فالانسان الراهن الانسانوي ، هو القطب النقيض ل " الانسان الاعلى " ، الذي خلقه نيتشه . انــه عادي ، وديـــع ، معاصر و محتقر ، يعيش بلا هدف و قد تهاوى الى الحضيض في ميكانيكيته المتيبسة . ولقد ظهر " الانسان الاعلى " حين مات الالـــه ( ح1 ). هـذا الموت يتطلب من الانسان ، الذي يريد ذاته و حيث لم يعد هناك الــه يرد على تساؤلاتــه ، أن يتجاوز الانسان الانسانوي الوضيــع .

- لم تعد السعادة و الفضيلة و العدالة و التربية و الوطـــن ، وكل تلك المصطلحات اللينة ، اللطيفة محترمة عند نيتشه . ولم تعد لازمة لــه في تعريف الانسان الامثل " الانسان الاعلى " . و رغم هذا النقد للنزعة الانسانوية بوصفها "تشويه مترهل للفطرة " ، كان نيتشه يعمل على مكافحة الانسانوية المسيحية و فكرتها حول مساواة البشر . و أرجــع تلك الانسانوية الى العصر القديم ، حيث كان فارق الولادة بين الاحرار و العبيد ما زال قائمــا ( ح2 ) و مبررا بحكم الطبيعة . و تسائل نيتشه :
- تـرى ، هل ما زلنا نملك مقياسا لوحدة مساواة البشر ؟
- ألا ينقصنـا الافق الضروري للوصول الى تعيين عام للانسان ؟

- لم يعد التاريخ عند نيتشه دينيا ولا مسيحيا ، بل فاعــلا يمارس عقوبــة الاحتقار المخفف ضد
أولئك الذين يقفون على هامش العــالم المتحضر ، ساعيــن للحفــاظ علـى آلهـتـهــم .

- فالانسانية المتحررة التي رفعها فويرباخ و روجــه و مــاركــس الى مستوى مبـــدأ ، ينظر اليها نيتشه على انها عملة رديئة يجدر احتقارها ، و يجب ازالتها اذا امكن ذلك . انها مثال صارخ على الضعف و التراخي الذي يسم ذلك الانسان العادي الذي احتقره نيتشه ( نظــريا ) . انها سلاح فقد صلاحيته في عصر يتسم بالفوضى و العنف و الاستغـلال . و يعود نيتشه الى التساؤل من جديــد :
- " تـرى ، من القادر حاليا ( بوجود كل تلك الاخطار في حقبتنا ، من ظلــم القــادة العسكريين ، و أنــانية الطمــاعين ، حيث أن كل ما هــو انساني قــد اصبــح مهددا ) على تكريس خدمـاتـه الانقــاذيــة للبشريــة ؟ و مـن سيرفـع صورة الانسان ؟
و عمل نيتشه على رفــع صورة ذلك الانسان المنقذ ! انــه الانسان القوي ، المتميز بلا انسـانيته ، و لاضعفـه ، و لا عبوديته . انــه العرق البشري الجديد الذي لا يعترف بالضعاف و اللطفاء و المتساوين و البسطاء و العبيد . انــه العرق الذي كان لا بـد ان تتطور ، تلك المتعضية الفكرية النيتشوية ، عندما تسنح لها الفرصة التاريخية المناسبة ، لتتشكل في كينونة لا تعرف الرحمة ولا الخضوع ، بل الهيمنة و التسلط و احتقار بقية الامــم . انـها النــازيـة ( ح3 ) ، التعبير الامثل عن كل ما تحدث بـه نيتشه عن الانسان الأعلـى خاصتــه .

- و على ما أرى فان هناك فارقا بسيطا بين انسان نيتشه و الارهــابي الاسلاموي و هـو ان
سوبرمان نيتشه يبرر ارهــابه ضــد الانسانية بسبب انحطاط الجنس البشري و الذي ما عــاد يحتمل وهو يطمح الى ترقية الجنس البشري و تطويره و تخليصه من انسانيته الزائدة عن اللزوم ! بينما ان الارهابي الاسلاموي فيبرر ارهــابه بان الهـه ( الله ) مـا عاد يحتمل كل ما وصل اليه الانسان من انحطاط و بالتالي فهو يطمح الى اعــادة الجنس البشري الى انسانيته التي امره بها الله .

- قد اكون الحــاديا الى درجة عالية ! لكنني أقف امام كلمة "انسانية " موقف اجلال و احترام و اربط بها مفاهيم بالغة النبل . فالانسانية هي طابــع جنسنا ، و ان كانت لا تولد معنا بالفطرة . و اذا كـان لا بد للجنس البشري من استمرارية عقلانية ، فالانسانية هي من اعظم سماته ! و علينا ، بكافة السبل المتــاحة ، الا ندع أصحــاب الفكر الفاشي ، او النازي و كل فكــر تمييزي ممن يعتبرون انفسهم فئــة اختارها الــه مـا من خلف السموات ، أن يحرفوا مسار الانسانية ، بغض النظر ان كانوا ينادون بالــه اصطفاهم من بين الشعوب ، او ممن ينادون بموت الالــه . ولن نقبل بان تفرض علينا فكرة توطيــد الوحشية ملبسة بثياب الديــن عبر العنف و القسر و الاقصــاء . ولن تغشنا مطالبات الفكر الديني بتطبيق الديموقراطية ( ح4 ) التي ، يعلم بان صناديق الاقتراع فيها ، سوف تجره الى سلطة يفرض فيها ارهــابه على الجميــع .

الحواشي :

ح1 : و كــان نيتشه هــو اول من نادى بتلك الفكرة " لقد مات الالــه " في كتابه " هكــذا تكـلم
زرادشت " .

ح2 : مسكين نيتشه ، لو عرف بان هذا الفارق بالمنزلة الاجتماعية لا زال قائما في الوطن العربي الاسلامي، و عرف بان هناك اناسا يخلقون امراء و شيوخ و ملوك ، مقارنة بالعبيد الذين خلقوا في قصورهم نفسها ، و يتواجدون لخدمة الشيوخ الابناء بعد ان خدم اهلهم الشيوخ الاجداد ، في يومنا هذا لكان انتحر مباشرة ، قبل تاريخ موته الفعلي!

ح3 : عندما شب العريف في الجيش الالماني ، ادولف هتـلر ، و عانى من هزيمة بلاده في الحرب العالمية الاولى و المعاهدات الجائرة التي فرضها عليها الخصوم و حرمانها من كل متنفس اقتصادي، و ازاء الشعور الجمعي بالاحتقار الذي مارسه الخصوم ضد الشعب الالماني . تضخمت لدى الالمان الذات المتورمة . و رد فعل على كل وضعهم الماساوي ، بدات تظهر الافكار التي تنادي بوحدة كل قوى الشعب الالماني و اشتراكه في الدفاع عن كرامة المانية و بعثها من جديد . وكان ادولف هتلر خير من عبر عن رغبات ذلك الشعب بان اسس " الحزب القومي الاشتراكي الالماني " و كان الاختصار للكلمات الاربعة من الاسم هي كلمة " نــازي " . و اتسم سلوكه ، بعد ان تسلم السلطة ، بالعنف و القسوة و المناداة بالافكــار الكبيرة و التحدث عن عظمة العرق الىري الالماني و كونه افضل و ارقى من بقية الاعراق العالمية . بل و مارس الاضطهاد ضد كل من خالفهم الراي بدقة ما يقولون به من افكار . فقتلوا العلماء و الكتاب و المفكرين و كل من خالفهم الراي منهم . ولن ندع الفرصة تفوتنا هنا لنذكر الجميع بالاحزاب القوميــة المسخ التي قامت على افكار الفاشية ( الايطالية ) و النازية ( الالمــانية ) مثل حزب البعث العربي الاشتراكي و حزب الاتحاد الاشتراكي و الحزب القومي السوري الاجتماعي و غيرها من بقية الاحزاب القومية ، المنسوخة عن النازية ، و التي تتناثر على امتداد أرجــاء هذا الوطــن اليائس .

ح4 : نلاحظ بان الاحزاب الدينية في كل ارجــاء الوطن العربي تلجــأ الى لعبــة المطالبة بالديموقراطية ، متلاعبة بافكار و رغبات الجماهير المسحوقة و المهزومة ، تماما كما فعل الحزب النازي في المـــانيا ، واعدة اياها بجنان من الحياة الرغيدة في ظل ديموقراطية ذات مرجعية اسلامية ! والــه راض مطمئن لسلوك ابناءه المؤمنين بعــد ان تخلصوا من النيتشويين القوميين .

:yes:

تسجيل الدخول
اسم المستخدم:
كلمة المرور:	فقدت كلمة المرور؟
	تذكرني