ما استمعت للحلقة المذكورة، ولا أثق كثيرا بدقة نقل شانئي الغزالي رحمه الله، وخاصة في موضوع الشهادة، لأن الحياد متعذر، ولكنني مع هذا، من باب إنصاف الرجل أقول للزميل بوعائشة أن استاذنا الدكتور طه جابر العلواني ليس من الناس التي تستجيز الكذب وشهادة الزور، وهم يقرؤون: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ }النحل105، ويقرؤون في سيرة النبي القدوة: (ألا أخبركم بأكبر الكبائر: ... فذكر ألا وقول الزور أولا وشهادة الزور فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت)...
شهادتي بأستاذي الذي تتلمذت على يديه وأحببت مرونته وسعة أفقه، أنه مخلص أحسبه على خير ولا أزكيه على الله فهو حسيبه...
مرة أخرى أؤكد أنني لا أثق بما نقل عنه، ويبقى لدي خبر يحتمل الصدق وغيره ما لم يوثق من مصدر أطمئن له، ولكن هذا لا يعني أنني أنكر أمورا أعلم أن الدكتور العلواني يؤمن بها ويدافع عنها، وهي:

1- أن الشيخ لا يؤمن بأن للردة حد شرعي في الدنيا.

2- أنه لم يثبت في القرآن أي عقوبة للمرتد في الدنيا..

3- أنه وبشهادة علماء الحديث والسيرة الأثبات -بحسب رأيه- لم يصح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام حدا على مرتد (انظر ص80 من كتاب العلواني: لا إكراه في الدين-إشكالية الردة والمرتدين...)

4- أفرد مبحثا من الفصل الثاني ليتناول وقائع الردة التي حدثت في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أكثر من حوادث السرقة والزنا كما تبين لي من إحصائها، فذكر مثلا أبا جحش عبيد الله بن جحش –الزوج الأول لأم المؤمنين أم حبيبة-، والسكران بن عمر، وعبدالله بن سعد بن أبي السرح –وإن كان رجع للإسلام بعد الفتح-، وعبدالله بن أبي وكاتب بني النجار النصراني الذي أسلم وصار كاتبا للوحي ثم ارتد، وعبد الله بن أبي ومع ذلك فلم تقم الحجة على ثطبيق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لعقوبة فيها في حين أنه لدينا عدد من الشواهد على عقوبات تتعلق بالسرقة والزنا.. (أتحفظ على كثير من شواهده لأن بعضهم لم يمكن الله منهم إلا بعد أن عادوا للإسلام فسقط موجب قتلهم، وبعضهم بالفعل كان قد صدر حكم القتل فيهم، وقال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اقتلوه ولو كان متعلقا بأستار الكعبة ، وإن كان يضعف من حجتي أن هؤلاء جميعا كانوا مرتدين ومحاربين معا، فهل قتلوا لكفرهم أم لحرابتهم؟ مسألة تقبل الاختلاف)

5- توقف عند بند من صلح الحديبية: (من جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه) فهل يقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشرط يخالف حدا من حدود الله لو كان في الواقعة حدا شرعيا؟

6- الشيخ العلواني أعلن في كتابه استغرابه من كون الترابي الذي أعلن موقفه المنكر لشيئ اسمه (حد الردة) وسطر هذا في كتبه، لم يقف موقفا شجاعا في قضية اغتيال محمد طه بالسودان حين اتهم بالردة أبان عهد النميري مع أنه –أي الترابي- كان نائبا عاما يومها، وبرأيي أن النائب العام محكوم بقانون للدولة ولا ينفذ ما يدور برأسه من قناعات، فبوعائشة مثلا ومع أنه محام متدين غير أنه لن يحامي بالشريعة التي يؤمن بها، وإنما بالقوانين البحرينية الأقرب للعلمنة..

7- كما أبدا الشيخ استغرابه من فتوى الغزالي بردة فرج فودة وقال: القضية عنده فقط -أي الغزالي- أن من يريق دم فوده إنما هي الحكومة وليس آحاد الأشخاص ...لا أكثر، ولكنه لم يشر في كتابه لهذه الشهادة التي نقلت عنه من أنه سربها في برنامج الدريم، وهي التي تقول بأن الغزالي أسر له بأنه مؤمن بأن فودة غير مرتد!!!

8- الشيخ العلواني أيضا طرح في كتابه إنكاره لردة نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي، بل نقل عنها شهادة في أمريكا تنتصر للإسلام اغرورقت لها عيونه كما يقول في كتابه!

9- ما نقل عن الشيخ الغزالي –فيما لو صح- فهو ينقض ما استنتج منه، فهو يرى أن هؤلاء الشباب طيبون وأنهم لا يستأهلون القتل، ولو كان يعتقد أن قتل فودة جريمة لما قال عنهم طيبون، بل مجرمون يستحقون القصاص، ويبقى أن حديثه عن طيبتهم –إن صح- إنما يثبت رأيه الأصلي بأن قصارى جريمتهم افتئاتهم على حق السلطة في تنفيذ الحكم لا أكثر

10- الدكتور العلواني وبعيدا عن حد الردة يتعامل مع حال المرتدين بطيبة مبالغة، وينسى أساليبهم الملتوية التي حكى القرآن عن بعضها في قوله سبحانه: {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }آل عمران72 ولو أنه تتبع سلوكهم المنافق والملتوي، وصيحاتهم التي تستصرخ الإسلام آنا وتهين أقدس ما فيه آنا آخر لعلم أن هؤلاء لا يختلفون كثيرا عن الحكم الذي كان يعلنا إياه أثناء الطلب على يديه بأن من أنكر آية من كتاب الله واحدة، أو استهزأ بمقدس واحد، أو سفه حكما شرعيا قطعيا واحدا، لا يمكن أن يصنف خارج دائرة الردة، بغض النظر عن إشكالية: هل للردة عقوبة دنيوية أم لا

واسلموا جميعا لود واحترام(f)