{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
حارة النصارى
Son of King غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 19
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #2
حارة النصارى
بدأت أكبر وبدأت الأشياء والمعارف من حولى في عريها وبدأت تتكشف لى أشياء غير التى أألف …… وتفقد المعارف براءتها …… ففجأة علمت أن هذا المنادى صاحب الحمار يدعى………….

" المسحراتى " وهو يقوم بهذا الواجب اليومى لإيقاظ الناس من سباتهم للاكل " السحور " تلك الوجبة التى تقض مضجعى أثناء النوم لعسر هضمها وعلمت أن هذا يحدث في شهر اسمه

" رمضان " واجب فيه الصيام على المسلمين ورغم صغر سنى داهمنى والدى بإرغامي على الصوم لاعتاد ذلك …… في الحقيقة لم يضايقنى هذا بل كنت سعيدا جدا بهذا الشهر

……………………فهناك العديد من الطقوس التى أتفاعل معها وأفرح بها كثيرا خاصة عندما يقترب موعد الإفطار ( آذان المغرب ) إذ كنا نجتمع ثلاثة أو أربع أفراد ونذهب عند أقرب مسجد قيل المغرب بنصف الساعة وكل منا يحمل معه نوعا ما مما في منزله من الفاكهة ليأكله وبمجرد سماع صوت " الصافرة " التى كانت تنطلق من ماكينة الغلال على مشارف القرية معلنة آذان المغرب ……… كانت لبهجة التلاقى وخصوصية هذا التجمع عظيم الأثر في وجدانى حتى يومنا هذا ولكن ما كان يعكر صفو هذا الاستمتاع ……… أن الأطفال بعدما نأكل ونصلى المغرب يذهبون في طريق عودتهم لمنازلهم منشدين ………

" يا فاطر رمضان يا خاسر دينك قطتنا السودا ها تقطع ديلك" أمام أبواب منازل المسيحيين.

في بادئ الأمر كنت أنهرهم ومع مرور الوقت أصبحت عادة ألفناها ولكن البيت الوحيد الذى لا أجد في نفسى الرغبة في قول هذا النداء أمامه هو منزل ……… كنت أسرع وأهرول حتى أصل للمنزل الذى يليه … نفس الشئ كان يتكرر مع السحور فكنا نلتف حول المسحراتى وحماره ونحمل له الفانوس وهو يدق على طبلته وكالعادة كان المسحراتى مدفوعا من رجال الحارة …… فيطيل الوقوف والنداء والدق على طبلته أمام بيوت المسيحيين فسألته :

ـ يا عم " على " دول مسيحيين بتخبط لهم كتير ليه ؟
ـ اسكت انت مش شغلك عاوز تخبط خبط …… مش عايز اسكت أنا عارف انهم زفت مسيحيين لكن لازم نقلق مناهم الكفرة دول !!……………

وتقدم البعض بشكوى للعمدة وشيخ الحارة وعضو مجلس الشعب مما يحدث لهم من إزعاج في رمضان فكانت الإجابة الذهبية ………

ـ دول عيال وبيلعبوا………… نمنع عيالنا من اللعب يعنى عشان المسيحيين يرتاحوا ؟!!!

والشئ المحزن إن والدى كان بيشجعنى مبتسما وكان بيفرح جدا لما يعرف انى كنت مع الولاد .

………………… ظلت الحياة تسير بنفس دورتها وسرعتها الرتيبة نفس الأحداث نفس الفراغ نفس الأحاسيس التى لا تنمو ولاترقى بدين .

فكياننا تأثر تأثرا كبيرا بهذا الهدوء الجغرافي الذى يحيط بنا في حقولنا في طريقة بناء منازلنا فالطبيعة الطينية قد أورثتنا البرود والحصير قد أورثنا الجفاء …… ولهيب الشمس في الحقول علمنا التناحر على الظل الوارف في طبيعة الفراغ .

الى أن اخترق هذا الهدوء ذلك النبأ الذى طار لنا من خلال راديو " عم إسماعيل " بأن الحرب قد نشبت بين مصر وإسرائيل ……………………………………………………

وكان الخامس من يونيو 1967 .

وفى هذه الأثناء كان والدى يعمل بورش الصيانة الميكانيكية بأحد جراجات القوات المسلحة ويوم نشوب الحرب لم يعد والدى الى منزلنا ……… تركنا أنا واخوتي تنهشنا مخالب الاستفسارات تركنا لدوامات الاستنتاجات المشوبة بالريبة .

لم يعد والدى في موعده المعتاد يوميا …… تأخر حتى دخل الليل علينا … كنت أسمع أصوات القذائف المضادة للطائرات تنطلق من حولنا وصافرات الإنذار تنتهك جلودنا …… الطيران الأسود في سماء القرية على ارتفاع منخفض وكلما اقترب الليل ازداد خوفى وهلعى وفجأة تملكنى الرعب وعلا صوتى بالبكاء ولم أكن أدرى أخوفا على والدى أم رهبة المدافع والصواريخ وأزيز الطائرات .

كان منزل عم إسماعيل هو مركز تجمع أهالى القرية لمتابعة أخبار الحرب من خلال الراديو الكبير والوحيد في البلدة الذى كان يملكه ……… ومضى أكثر من ثلاث أيام ولم يعد والدى …… لم يصلنا منه أى رسالة وانقطعت كل أخباره الذى صاحب انقطاع ظهور بعض المجندين من أهل الحارة ……………..وفى خضم هذه الأحداث حدث ما لم يكن يتوقعه أحد …… إذ في اليوم الرابع جاء المعلم فوزى الى منزلنا يسأل عن والدتى :

ـ يا محمد فين أمك ؟

ـ (أجبته في سرعة وشرود ذهن ) جوه هاندهالك .

(ثم ذهبت لنداء أمى وظللت أتابع حديثهم )

ـ هاه يا حاجة مفيش أخبار عن أبو أحمد ؟

ـ أبدا والله ( وانسكبت الدموع من عينيها )مش عارفين ايه اللى حصل له ؟ هوه بخير ولا حصل له حاجه الشر بره وبعيد .

ـ طيب يا حاجة اهدى كده أمال …… ممكن تديني العنوان وأنا هاروح اطمن عليه بنفسى ؟

ـ ازاى يامعلم …… دى حرب هتطمن عليه ازاى ؟!

ـ مش عارف بس مش مشكلة برضوا يا حاجة …… ما تقلاقيش انتى بس وهاتى العنوان وأنا هاتصرف .

ـ بس العنوان مش معايا …… خلاص لما ييجى أحمد من بره هو عارفه …

ولما عاد أحمد أخى الى الدار كتب العنوان وجاء عم فوزى وأخذ منه العنوان وانطلق … لا ندرى الى أين ………………………!؟

وعند غروب ذلك اليوم العاشر من يونيو 1967 عاد عم فوزى وهو مبتسم وعلى وجهه علامات السرور …… وأخذ يربت على كتفى :

ـ أمك فين يا محمد ؟ …… اطمن أبوك طيب وبخير يابنى (أسرعت والدتى من الداخل وهى تزغرد قائلة )

ـ صحيح يابو مجدى …… الحاج كويس … عايش مجرالوش حاجه ؟

ـ أيوه يا حاجة ومعايا أمارة كمان .

ـ إيه هيا ؟

ـ بطاقة التموين بتاعتكم أهيه ……ادهالى عشان أجيب لكم التموين بكره إن شاء الله .

أحسست ساعتها اننى لم أفقد بعد كل الأمن بتأخير والدى عنى ولكن عندما انفرد بنفسى وكلما يجن علي الليل تنفرد بى كل أحاسيس الخوف وفى مساء 11 يونيو 1967 سمعت أزيز تلك الطيران الأسود يحلق في سماء غرفتى ……فصرخت صراخا عاليا …… شعرت بأنها ستقتلنى بقذائفها على غرفتى فأسرعت خارجا ……… سمع عم فوزى صراخى ……فأتى الى نجدتى وضمنى إليه وقال :

ـ مالك يابنى ……في إيه ……؟ ما تخافش .

واستأذن والدتى في أن يصحبني الى داره لأجلس مع صديقى مجدى وألعب معه حتى أهدأ .

لم أستطع إدراك دافع عم فوزى نحو هذا التصرف وخصوصا أن كل تصرفات المسيحيين معنا في القرية لابد لها من تفسير ومردود هكذا تعودنا واعتقدت أن والدى ربما يكون قد مات الان وهو يعلم ذلك وهو يفعل ذلك من منطق العطف على طفل يتيم ……… فسألته :

ـ والنبى يا عم فوزى ربنا يخليك قوللى …… أبويا عايش صحيح ولا مات ؟

ـ صدقنى يا محمد ……… صدقنى يابنى أبوك بخير وكويس ويعلم ربنا كلها يوم ولا اتنين وهيرجع لكم بالسلامـة …… ياللا ……ياللا …… تعالى معـايا مش عـاوز تشوف صـاحبك مجدى ولا إيه ؟

كنت قد رأيت عينى أمى وهى تدمع لقولى فدموعها لم تقدر على حجز مقعد لنفسها خلف جفونها المنهكة والمبتلة دائما وجرت بعنف فاندفعت داخلة الى منزلنا بينما اتخذت أنا طريقى مع عم فوزى ……………… كانت هذه هى المرة الأولى التى تطأ فيها قدماى منزلا مسيحيا على الإطلاق وأنا لا أخفى اننى طالما راودتنى نفسى بالرغبة في استطلاع ذلك المجهول الذى طالما أخفوه وأحجبوه عنى أهلى وبيئتى …… وعند وصولى لعتبة الدار تملكنى الرعب إذ قد انصبت في آذانى كل العبارات التى كنت أسمعها آنفا من عدم حب المسيحيين لنا وأنهم من الممكن أن يضعوا لهم السم في الطعام أو الشراب ……… وأكد ذلك لدى أن والدتى كانت تحضر لى الطعام بنفسها في موعد تناوله من منزلنا ……… استعرضت بعينى كل تفاصيل المنزل بداية من الصور المعلقة وحتى أضخم قطعة أثاث ……… لقد لفت نظرى بشدة تلك المرأة الجميلة التى تحتضن طفل بارع الجمال …… أخبرونى أن هذه المرأة هى مريم العذراء ……أما الطفل فهو المسيح ……ثم استعرضت الجدار المقابل لاجد صورة أخرى لرجل كثيف اللحية ……مسبط الشعر ويجلس على مائدة طويلة وحوله رجال كثيرين يتناولون الطعام …… قالوا لى أن هذا الرجل هو المسيح والرجال هم اثنى عشر تلميذا " الحواريون " لقد كان البيت المسيحى بالنسبة الى مجهولا رغبت طيلة ما سبق من عمرى اكتشافه وفى نفس الوقت كنت أخشى الاقتراب منه …… وها هو الان قد أصبح هذا المجهول معلوما وفى هذه الأثناء بدأ يتلاشى خوفى تماما …… وبعد يومين من الإقامة هناك عاد والدى …… بعد انتهاء الحرب ……فجاء أخى يخبرنى ويطالبنى بالعودة سريعا …… لان والدى يسأل عنى وقال لى :

ـ إن سألك كنت فين أوعى تقول انك كنت هنا .

أسرعت نحو منزلى وارتميت في أحضان أبى في أحضان أمنه في دفئه الذى غاب عنى …… قبلنى والدى كثيرا في جميع أجزاء وجهى وقال لى :

ـ كنت فين يا محمد ؟

ـ كنت بره ……بـ ……ألعب .

لم يعلق والدى وكأنه يفهم أننى أكذب ودخل غرفته ودار بينه بين أمى هذا الحديث :

ـ بقى كده يا حاجة………!!؟

ـ في إيه يا حاج ……!؟

ـ على أخر الزمن تبعتيلى واحد مسيحى نجس يدور عليا …… هو أنا عيل صغير تايه ؟ إيه خلاص مفيش لا عقل ولادين …… فوزى العضمة الزرقا المعفن ده يدور على أنا ؟

ـ وماله يا حاج …… الناس لبعضيها ……… والراجل كتر خيره عمل اللى حتى اخواتك ما عملوه ……… مفيش ولا واحد قريب ولا بعيد جه يسأل عليك في غيابك ما احنا ما بنتعرفش غير في المشاكل بس …… احنا نشكره ونسيب ملته دى لربنا يا حاج .

ـ لكن في أصول …… على العموم أهى مرة وعدت ودى انشالله هتكون آخر مرة يحشر نفسه فيها الجدع ده .

ـ أنا مش عارفه انت بتكره الجدع ده دون عن خلق الله المسيحيين كلهم ليه ياحاج ……هو عمل إيه معاك ؟

ـ قلنا خلاص …… اتقفل الموضوع على كده ……ومحمد ابنك كان فين كده ؟

ـ كان …… كان…… كان عند المعلم فوزى .

ـ كمان …… كمان يا أم أحمد ابنى أنا يدخل بيت فوزى النصرانى ؟ وأظن ما كان بياكل ويشرب هناك ؟ …… مش كده ؟

ـ حد الله ياحاج أنا كنت بابعتله الاكل من عندنا …… بس أصل الواد كان مخضوض ياعينى من البتاعة دى ……… اللى اسمها ……أبصر إيه دى …… الطياره

عندها توقفت أذناى عن السمع لا إراديا…… تألمت كثيرا إذ ما الذى حدث لكى أكذب على والدى ثم يتكلم والدى عن عم فوزى بهذا الكلام وهو الذى فعل كل شئ لم يقم به غيره وظللت بسؤال واحد لماذا كل هذه الكراهية لرجل لم يفعل معنا إلا الخير ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟

لماذا لايشترك الناس جميعا فىكسب كراهية والدى ……؟‍

وكنت ألوم الأقدار التى جعلتنى أرتبط بشخص يحكم به على …… ولكن الشئ الذى لا نقدر على الهرب منه هو الزمن فالزمن يمضى …… يمر … ولايتوقف …… الحرب تنتهى ووالدى يزداد غضبه ……ويقل ……ويتوقف ……يعلو بحنوه…… تزداد قسوته …… ثم يعتدل …… كل الأضداد في والدى الذى هو صورة من هذه الحارة

هذه المدينة

ذاك الوطن…………
01-30-2005, 08:25 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 01-30-2005, 07:47 AM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 01-30-2005, 08:25 AM
حارة النصارى - بواسطة بسام الخوري - 02-01-2005, 02:30 AM,
حارة النصارى - بواسطة بسام الخوري - 02-01-2005, 02:39 AM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 05:52 AM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 05:54 AM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 05:56 AM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 02:35 PM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 02:37 PM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 02:45 PM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 03:02 PM,
حارة النصارى - بواسطة بسام الخوري - 02-01-2005, 05:17 PM,
حارة النصارى - بواسطة بسام الخوري - 02-01-2005, 05:21 PM,
حارة النصارى - بواسطة Son of King - 02-01-2005, 06:52 PM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  موقف الاسلام من عيسى عليه السلام يقتضي من النصارى الايمان بمحمدصلى الله عليه وسلم وبما جاء به امل فيصل 12 2,052 09-26-2005, 04:55 PM
آخر رد: اسحق
  أنبهار النصارى وغيرهم بالدين الاسلامي وأسلام كثير منهم بسبب تناقضات وأخطاء الكتاب المقدس ديدات 24 4,880 05-02-2005, 04:31 PM
آخر رد: Z13

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 3 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS