سامحك الله يا طارق!

سأحاول تقريب الكلام ليسهل التواصل مع أنني كنت أعتقد بأنه أوضح من يحتاج لتجسير وبيان!

بغض النظر عن اسطورة سد مأرب الشهيرة لكن فيروسا مجهريا أصغر من الفأر بما لا يحصى يهدد العالم سنويا بملايين الضحايا..

أرعنا من مرتزقة جيش الاحتلال الأمريكي يمكنه أن يحرق متاحف فيها خلاصات الثقافة على مدى حقب متطاولة في التاريخ..

مجندا مخمورا يمكنه أن يقذف من دبابته لهيبا يدمر تحفة حضارية كادت أن تكون من عجائب الدنيا السبع...

19 شابا متطرفا -وبعيدا عن تفسير المؤامرة سواء استخدموا من قبل مافيا عالمية، أو انطلقوا بساذج تصوراتهم الخاصة فخربوا على بلادهم وثقافتهم وأمتهم جهودا سعى في بنيانها ألوف العباقرة والمبدعين عبر عقود...

بضع عشرات من الضباط الأحرار -سواء تعاونوا مع الإخوان أو لم يتعاونوا- خربوا مشروعا ملكيا قائما، ودمروا نظاما موجودا، فقوضوا في يوم واحد ما بناه آل الخديوي محمد علي باشا منذ قرنين!!

هذا ما سألت لك الله أن يسامحك على لي الكلام فيه!

فالتخريب أو الهدم أو التدمير أصعب بكثير من البناء...

أن تطعن بالإسلام أو بأي نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي فهذا لا يتطلب منك إلا التشويه والتشكيك ورصد المتناقضات والتركيز على الجوانب المظلمة والضبابية مع حملة دعائية ما...

بينما أن تبني نظاما بديلا، أو تؤسس لمنهج حياة آخر فهذا يتطلب جهدا مضاعفا، وتنزيل هذا النظام والمنهاج من حال التنظير لواقع الحياة أمر أصعب بمراحل...

وهنا، فمن السهل أن أحطم جسور التواصل والأخوة بين الشيعة والسنة، فالهدم والسقوط والتردي والتدمير كما أسلفت أسهل بكثير من بناء جسور الثقة والتواصل والوحدة...

الإمام القرضاوي طلب شيئا من بناء الثقة ما دام المؤتمر للتقريب والوحدة، وإلا فإن الطريق للوحدة والتقريب لا يمر عبر اللعن والتشويه وزعزعة الثوابت والنيل من مقدسات الآخر

القضية ليست أن تتشيع أو تتشوع يا صاح، فذاك شأنك، وإنما هناك إطار اجتماعي عام ليس حقا شخصيا لأحد:

أن لا يعرف الفرد حدود حريته فيسعى لبث قناعاته الخاصة علانية دون أي احترام لثقافة الساحة المحيطة به، والمجتمع الناظم لها، فلا مجال لترويج ثقافة الإرهاب والجريمة المنظمة في كل دول العالم، ولا مجال لترويج ثقافة البغاء والسكر والمخدرات وتجارة الحشيش في غالب المجتمعات الإنسانية، ولا مجال لترويج كثير من أنماط الثقافة الدينية في مجتمع علماني متعصب مثل فرنسا، كما لا مجال لترويج كثير من أنماط الثقافة الإلحادية في المجتمعات الدينية كالسعودية وإيران، كما لا مجال لترويج ثقافة تثير الكراهية والعنصرية في كثير من النظم، بينما نجد لبعض الدول أو المجتمعات خصوصية في منع ثقافة معينة من الظهور، كثقافة التعاون مع المحتل في الدول المحتلة حيث تصنف على أنها خيانة عظمى، وتكلف أتباعها بذل دمائهم

وهكذا فالحرية المطلقة بالمفهوم الليبرالي الجديد محض أكذوبة لم يحترمها حتى تلك النظم التي تتاجر بها وتقيم الحروب لأجلها.


ما ننكره في موضوع التشيع في سورية جملة من الأمور تتناول النظام السوري أولا - وهذا ما يعنيني كمعارض- كما ينال من الحليف الاستراتيجي لهذا النظام والذي يحمل مشروعا إقليميا يتهددني بغض النظر عن تقويمي لهذا المشروع بإزاء المشروع الأمريكي الصهيوني,، وهذه الأمور هي:

1- أن النظام الذي يزعم لادينيته، ويحارب تأسيس الأحزاب على أساس ديني هو هو النظام الذي يغطي (حزب الله) ويترك للمواطنين السوريين أن يرفعوا راياته وصوره بلا حسيب، فهذه الحرية الانتقائية محل نظر

2- أن النظام الذي بقي طوال السبعينيات والثمانينات يحارب المشروع الديني (الرجعي) السعودي هو النظام الذي كان منذ ذلك التاريخ حليفا للمشروع الديني (الرجعي) الإيراني!

3- أن النظام الذي يحظر ولا يزال يحظر كل كتب سيد قطب وسعيد حوى، بل كان يحظر كتب علي الطنطاوي ومصطفى السباعي حتى بضع سنوات سلفت، هو هو النظام الذي يسمح لكتب (ثم اهتديت) و (كشف الأسرار) و (تحرير الوسيلة) بالنشر وبأسعار تشجيعية في المركز الثقافي الإيراني

4- أن النظام الذي يحاكم علي العبدالله اليساري لمجرد قراءته بيانا للبيانوني يتكلم فيه عن قواسم وطنية مشتركة ليس محل تنازع حتى من قبل النظام (نظريا) ويسجن المحامي علي العبدالله لقراءته البيان، بينما يصفى الشيخ الكردي لمجرد لقائه بالبيانوني ببلجيكا، في حين يشجع كل شيوخ النظام لحضور مؤتمرات طهران، ويكيلون المديح لنهج الخميني والخامنئي بلا حسيب!

5- حين تمنع حكومة طهران من بناء مسجد سني واحد بينما يبني النظام السوري يسمح في هذه السنوات الأخيرة ببناء قرابة الخمسمائة حسينية فثمة ما يدل على أن النظام السوري متخبط أو متآمر بينما الإيرانيون يعرفون من يستغلون!

6- عندما تنطلق في الإعلام السوري الرسمي حملة محمومة ضد المعاهد الشرعية، ويشوه التعليم الشرعي السني مقابل اطلاق يد كامل للحوزات والمؤسسات الايرانية في سوريا، الامر الذي خلق حالة توتر واسعة النطاق، بلغت ذروة التعبير عنها في البيان الذي اصدرته ((رابطة علماء سوريا))، والذي رغم احتفاظه بالادبيات السياسية التي تحكم الواقع السوري، مثل التوجه للرئيس السوري من أجل التدخل لوقف قرار وزير التربية الغاء المرحلة الاعدادية من التدريس في المعاهد الشرعية، الا انه لم يخف خطورة وتداعيات هذا الاجراء غير المفهوم والذي ليس له ما يبرره الا البحث عن اسباب الفتنة وإخراجها للعلن وطرحها في الشارع كأزمة ساخنة..
وهنا سأقتبس من بيان علماء سوريا مقتطفا ذا دلالة:

(ان الحوزات الشيعية ماضية في تجاهل هذا التعميم (الصادر عن وزارة التربية) مصرة على عدم الاستجابة لها ومدارس الشويفات تضيف الى منهاج المرحلة الاساسية ما تشاءه من الزيادات في الساعات والمقررات والمدارس التبشيرية الاجنبية ماضية في مناهجها الخاصة بها وأساليبها التربوية دون أي معارضة ولا إشكال.

وختم البيان بتساؤل تحذيري: ترى ما هي الحكمة من ان ينـزل هذا البلاء برأس المعاهد والثانويات الشرعية وحدها؟ وان تمضي هذه الخطة في التطبيق على التربية الدينية عموماً ومناهج التعليم الشرعي خصوصاً حتى الاختناق؟ وماذا لو فضحنا الخفايا واستشهدنا بما يعرفه بعض موظفي وزارة التربية من رسم خطة تآمرية مقصودة للإطاحة بدين هذه الامة وثقافتها الاسلامية وتراثها الشرعي؟) انتهى الاقتباس


طبعا هذا البيان وقعه أكثر من 200 عالم شرعي من شيوخ سورية قبل عامين كان أبرزهم السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبدالرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الاوقاف الاسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب)، الدكتور محمد عجاج الخطيب، الدكتور مازن المبارك، الشيخ صادق حبنكة، الشيخ محمد ديب الكلاس (الشهير بالشيخ اديب)، الشيخ اسامة عبدالكريم الرفاعي، الشيخ سارية عبدالكريم الرفاعي، الشيخ محمد علي الشقيري، الشيخ صلاح الدين احمد كفتارو، الشيخ محمد زياد الحسني الجزائري، الدكتور محمد راتب النابلسي، الحافظ الشيخ محمد سكر، الحافظ الشيخ شكري اللحفي، الحافظ الشيخ بكري الطرابيشي، الحافظ الشيخ محمد نعيم عرقسوسي، الشيخ اسامة الخاني، الدكتور توفيق محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور عبدالعزيز الخطيب الحسني الجزائري، الداعية الاستاذ احمد معاذ الخطيب الحسني الجزائري، الاستاذ عبدالهادي الطباع، الشيخ حسن وحود، الدكتور محمد عبداللطيف فرفور، الشيخ هاشم العقاد، الاستاذ سعيد الحافظ، الدكتور محمد سامر النص، الاستاذ ضياء الدين خطاب، الشيخ محمد هشام سعيد البرهاني، الشيخ نـزار الخطيب، الشيخ الدكتور مصطفى الخن، الدكتور عماد الدين الرشيد، الاستاذ بديع السيد اللحام، الدكتور بشير العمر.

هذا فقط ردا لمن يهون من القضية زاعما أنها محض فرية...

طبعا ولن أستحضر أقوال وهبة الزحيلي حول هذه الظاهرة لأقول لمن يهون من الظاهرة مرارا بحجة أنه يتكلم من الداخل بينما الآخرون في نظره يتخرصون!!

أنا ضد التهوين، وضد التهويل، فسورية أموية، وستبقى في نظري كذلك إلا أن يشاء الله، والشيعة مع كل ممالأة النظام ومغرياتهم، لا يملكون مشروعا ثقافيا مستقلا، بل مشروعهم هو الطعن بالثقافة السنية لا أكثر، وبالتالي فهو موقف سلبي لا إيجابي في نظري، وحتى التراث الشيعي -مع إجلالي للمفكرين والفلاسفة والفقه الشيعي- لا يمكن أن يتجاوز السقيفة والجمل والحوأب والغدير وصفين وكربلاء، ثم يقفز بالبارشوت بعيدا نحو حجة الله الغائب في سردابه، وهذا ما يفسر اعتماد الفكر الشيعي على التراث السني الذي درس هذه المرحلة بقدرها ثم تجاوزها، ولهذا كانت الشريعة الإسلامية بالطرح السني مشروعا قائما بغض النظر عن الموقف منه والتنازع حوله، أما الشريعة بالطرح الشيعي فتجمدت عن مواكبة المجتمع والدولة والحياة بانتظار حجة الله الغائب! ولولا بدعة (ولاية الفقيه) لما كان للشيعة جهاد ولا دولة ولا مقاومة، ومن تتبع التاريخ علم أنني لا أتجنى وإنما أسوق واقعا تاريخيا، وعليه فالفكر الشيعي بولاية الفقيه تحرر من بعض القيود التي تكبله عن التفاعل والحركية، وإن كان عائق مرجعية الأشخاص لا يزال مانعا أكبر من بنيان فكري واجتماعي متحرر وقادر على الاندماج والحركة بمرونة..

المذهب السني مع الاعتراف بما أصابه من أخلاط وأخطال، لا يزال أكثر قدرة على التجديد والمرونة، فإذا أضفنا للمعيار العددي حيث يشكل المسلمون السنة ما يقارب 85% من مسلمي العالم فهذا ما يجعل الخطر الشيعي المزعوم دون ذلك التهويل الذي يروج له بعض المتحمسين...


بقي أن نفرق بين المشروع الإيراني، وبين ظاهرة التشيع، فالمشروع الإيراني مشروع سياسي إقليمي يتهدد المنطقة في ظل فراغها من المشاريع بعد تهاوي المشروع القومي، مثلما المشروع الصهيوأمريكي أيضا، ويخطئ من يقارن بين المشروعين، من حيث الثقافة، فلا عاقل يمكنه أن يقارن بين إسرائيل وبين أي مشروع آخر، ولكن هذا لا يلغي أن المنطقة مستهدفة بالمشروع الإقليمي، وأنه في كثير من منعرجاته الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية يمثل خطرا حقيقيا وليس افتراضيا، وأننا معنيون بتصليب جبهتنا حياله دون أن نفقد مرونتنا في التعاطي معه والتصالح والتعاون مع الكثير من المشتركات بيننا وفق ما يحقق مصلحة مجتمعاتنا العليا، لا وفق ما يمليه علينا الآخرون ولو تحت ذريعة الوحدة الإسلامية وتبادل الثقافات!

عوليس
لم تكن مقصودا في كلامي لأن غيرك من قال خرف وبدوي، ولكن كلامك الأخير شخصنة لا تستحق التوقف!
موضوع الوهابية والأشعرية في مصر أو غيرها تشقيق للكلام غير مفهوم، فمن هو الوهابي ومن هو الأشعري هنا سندخل في إشكالية! وهل أئمة بوزن النووي وابن حجر العسقلاني والعز بن عبد السلام وأمثالهم وهابيون بنظرك لأن كتبهم تملأ مكتبات السعودية، وتدرس في جامعاتها؟
وهل البخاري والثوري وابن عيينة والبخاري وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي وأمثالهم أشاعرة بنظرك لأن كتبهم تملأ مكتبات مصر وتدرس في الأزهر وغيرها من الجامعات المصرية والعربية والإسلامية هنا وهناك!!

القرضاوي كتب كتبا كثيرة في الرد على التطرف الديني، وقد أسمى بعض هؤلاء الذين تتحدث عنهم بالظاهرية الجدد، ولم يجاملهم ولا جامل غيرهم...

لكن عليك أن تعرف بأن أهل السنة لا يعرفون اليوم من يقال له أشعري أو ماتوريدي أو غير ذلك من المسميات المنقرضة، بل هي تصنيفات علمية لمدارس في العلوم النظرية أو العملية من علوم الشريعة، وهي مدارس لم تخل من طبيعة جغرافية، حيث كانت المدرسة الفقهية السائدة في الشام ومصر يغلب عليها التشفع في الفقه، والأشعرة في العقيدة، والكيلانية في السلوك والتصوف، والحفصية في القراءات، ثم انقرضت هذه التصنيفات في هذا العصر إلا قليلا، ونادرا ما تجد من يستمسك بها رغم كل الصيحات التي تعض بالنواجذ على كل تفريعات التراث ما يلزمنا منها وما لا يلزم!

وهذه التصنيفات لا تخرج عن إطار التصنيفات التاريخية عند الشيعة الجعفرية بين أخباريين وأصوليين، أو التصنيفات السياسية الحديثة في إيران بين إصلاحيين ومحافظين، فتضخيم هذه الخلافات، لبيان أنهما مذهبان مستقلان هكذا لا يخلو من مبالغة، سرعان ما يبطل عجبها إن عرف سببها...

واسلموا جميعا لود واحترام:redrose: