البيئة الأصولية الإسلامية في مصر (وقطعاً في غير مصر) سعيدة ومبتهجة بوصول عبدالله غول إلى سدة الرئاسة في تركيا ، من "الإخوان" إلى "الجماعة الإسلامية" وما بينهما راحوا يقرأون الحدث بوصفه انتصاراً للإسلام على العلمانية مستبشرين ومبشرين بعودة الإسلام إلى معقل الخلافة الأخيرة ، أطنبوا كثيراً في عظمة الإسلام وقوة نفوذه التي لم تضعضعها أكثر من سبعين عاماً من العلمانية المتطرفة ، وأشادوا بغول وحزبه ورأوا فيه وفي حزبه التجسيد الكامل لعودة الإسلام إلى تركيا وعودة تركيا إلى الإسلام .

ليكن ، لكن طالما الأمر كذلك ، طالما حزب "العدالة والتنمية" يستحق كل هذا الرضاء والثناء وطالما غول وحزبه يمثلان الإسلام ونفوذه وعظمته ، فلماذا يبدو موقف هؤلاء الأصوليين من "الحزب الوطني الدموقراطي" في مصر ومن حسني مبارك رئيس مصر مختلفاً رغم أن الحزب التركي لا يمكن أن يقارع نظيره المصري في المدى الذي وصل إليه في أسلمة الدولة والمجتمع .

من غير المتصور ـ لا الآن ولا في المستقبل المنظور ـ أن تقترب تركيا ولو من بعيد ـ وسواءً كانت تحت حكم غول وحزبه أو مَن هو أشد منه ومن حزبه إسلامية ـ من غير المتصور أن تقترب تركيا من الدرجة التي بلغتها الدولة المصرية في الأسلمة .

هل تتصورون أن تتبنى تركيا يوما مادةً دستورية تقول أن "الإسلام هو دين الدولة" أو مادة أخرى تقول أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريــــع" هل تتصورن أن يحــــــدث ذلك في تركيا حتى لو حكمهـــا ابن تيمية الحراني ؟ وهل تتصورون قاضياً تركياً يصدر حكما فيبدأ بتلاوة آية قرانية ؟ وقاضي آخر في محكمة للقضاء الإداري يقول أن "الإسلام يعلو ولا يعلى عليه" ؟ وهل تتصورون يوما أن الدولة التركيـــــــــــة يمكـــن لها أن ترعى ـ وتنفق بسخاء على ـ مؤسسة دينية ومعقلاً للجمود والرجعية مثل "الأزهر" ؟ تأمل بنفسك واذهب بخيالك إلى حيث تشاء في المقارنة بين الحالتين .

إذا كان "حزب العدالة والتنمية" يمثل الإسلام فلا يمكن للـ "الحزب الوطني الديموقراطي" الحاكم في مصر إلا أن يكون فرقة ناجية من أولياء الله الصالحين ، وإذا كان عبدالله غول زعيم إسلامي فلا يمكن لحسني مبارك إلا أن يكون آية الله روح الله مولانا ومرجعنا أمير المؤمنين حسني بن عبدالرحيم مبارك المصيلحي (من بني مصيلحة) .

فلماذا يكون غول الذي فشل في تمرير قانون يسمح للمحجبات بدخول الجامعات زعيماً إسلامياً ويكون مبارك كافراً كفراً مخرج من الملة عند البعض وغير مخرج منها عند البعض الأخر ومجرد حاكم فاسق لم ينل شرف الكفر عند البعض الثالث ؟