الزميل طريف سردست:


قد يفهم البعض طرحي لهذا الموضوع محاولة لتعميم الفكر الشعوبي الإنفصالي، و هذا خطأ لأنني عربي قومي كنت و عربي قومي سأكون و عربي قومي سأموت. حتى لو كفّرني العرب، خونوني أو نعتوني بالخيانة. ببساطة: أنا عربي.

لكن الطرح أتى من حالة قلق على مصير العراق بعد أن تشوه المعنى القومي به، و بعد أن تسلقه حمقى من رجال الدين الأصوليين، بعد أن كان رجال الدين سابقا من أبطال القومية العربية بالعراق كالشيخ عبد الرحمن الحيدري الكيالي و السيّد الحبوبي و حتى الرادود الحسيني حمزة الزغيّر و شاعره الشيخ كاظم منظور الكربلائي، و كلنا نذكر قصيدته التي يمتدح بها الشاعر الكربلائي نخوة آل البيت و كونها نخوة العرب.

حزب البعث لم يأتي للعراق بسحر ساحر، بل أغلب أجدادنا أو آبائنا كانوا من أوائل البعثيين بالعراق، لكن المصيبة حصلت عندما أستولى صدام على اسم البعث و حوله لمافيا عائلية أولا و طائفية لاحقا. المشكلة أيضا بسوء التعامل الحكومي العراقي مع أصوات إسلامية عراقية سواء أكانت من السّنة (الأخوان المسلمين) أو الشيعة (حزب الدعوة الإسلامية) و هذا هو الماضي على كل حال.


مشكلة العراقيين اليوم لا تقطن بالضياع المصيري و الإنتمائي كما ألمعت حضرتك - مع أحترامي لرأيك - و إنما بالخيبة التي ترتبت تحت ممارسات الدولة الظالمة سابقا و ما أوصلتنا إليه من إحتلال مباشر أعادنا لعام 1916 تماما، و كأن قرنا من عمر العراقيين ذهب سدى. العراقيون كانوا عروبيين دوما، بزمن لم تكن للطائفية أي صوت و الدليل مثلا أن خالي ولد بأيام ثورة يوليو و أسمته والدته المتحمسة للثورة (و المنتظرة لمثيلتها بالعراق) باسم "جمال".

الضربة القاصمة أتت عندما صار العراقيون يكابدون القمع الطائفي و العوز المادي و الألم المستمر، و هي مشاكل كل العرب على درجات متفاوتة، إلا أن الذروة حقا كانت بالعراق.

اليوم نرى محاولات جبّارة لنزع العراق من محيطه العربي و يقوم بهذه المهمّة 4 أطراف:

1- الأمريكيون و الإسرائيليون لتكملة خطة تمزيق الشعب العربي و خلق مسوخ سياسية قزمة بالمستقبل.

2- السعودية و الخليج حتى لا ينافسها العراق بالمنطقة، لا سيما و أن بالعراق صوت مناهض لممالك النفط دوما، و به أيضا أعداد كبيرة من الشيعة الذين يمثلون لحكام الخليج رعبا وهميا منذ أنتصار الثورة الإسلامية بايران.

3- المغفلين ممن يصرون على أستخدام مصطلحات مثل "صفويين" و المصرين على عدم فهم المعاناة العراقية و محاولة تجميل صورة صدام، و أغلب هؤلاء من الفلسطينيين للأسف.

4- الأصوليين المتشددين الذين يريدون لصق تهمة الفارسية بالعراق بسبب التوافق الطائفي، رغم الإختلافات الكبيرة بين المجتمع العراقي (القبلي العربي للصميم) و بين المجتمع الإيراني الطافح بثقافته المحليّة.


طبعا، الوضع الحالي بالعراق و التفتت و غياب المفهوم الحقيقي للعروبة، صيّر الأمور للأسوء، إضافة لبروز سياسيين حاقدين على الوحدة و الأنظمة العربية سواء لسجنهم لزمن تلك الأنظمة كمثال الآلوسي، أو ببساطة لمصلحتهم الإثنية أولا كالساسة الأكراد.

ما نحتاجه - و هنا يبدأ ردي للزميل وضّاح رؤى - هو خطاب قومي جديد و متماشي مع الرغبة الديمقراطية للشعوب، و مترابط تأريخيا و لا يعود بالعرب للفتح الإسلامي بل العرب أصلا موجودون منذ 6000 سنة بالمنطقة لأن العرب هو الأسم الحديث لأسلافنا الذين عاشوا تحت مسميات ثانية كالآكاديين و السومريين و البابليين و الفراعنة و الآراميين .. ألخ.

يجب أعادة التركيز على كتب ساطع الحُصَري و أعادة التركيز على المصالح العربية المشتركة و قبل أي شبء: يجب أن نكف عن شتم بعض و سابدأ بنفسي.


لأنه يا شباب، نحن شعب واحد، بتقاليدنا و أصولنا و أفكارنا و معاناتنا و لغتنا و مصالحنا و أعدائنا. ربما كان العطش القومي كبيرا إذ ضم دولا لا علاقة لها بالعرب كالصومال و جيبوتي و جزر القمر و و .. و لكن أهم ثلاث دول عربية محورية يجب أن ترتفع و تتحد و هي العراق و سوريا و مصر. يجب أن نفعل شيئا و أن لا نقف متفرجين على الدمار، و أول ما يجب فعله هو أن نقطع على بعضنا وعدا بأن لا نهاجم أي قطر عربي أو طبقة دينية أو ثقافية معينة، و إن أنتقدنا فلننتقد بأكبر درجات الحذر.


شكرا لمن ردّ.