{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
سر نبوغى الأدبى
سمير الفيل غير متصل
عضو مشارك
**

المشاركات: 46
الانضمام: Sep 2007
مشاركة: #1
سر نبوغى الأدبى
سر نبوغى الأدبى

بقلم : سمير الفيل.

كنت واحدا ممن يعتقدون أن الإبداع الأدبى يحتاج إلى طقوس خاصة ، لينجز الكاتب نصوصه فى جو من الهدوء والصفاء النفسى ، وهذا يتفق مع حالة الشاعر على وجه الخصوص ، ثم يمتد لبقية الأجناس الأدبية الأخرى ، حتى حدث ما غير هذه القناعة تغيير جذريا . فقد رأيت أن أكمل نصف دينى، فأدخل برغبتى القفص الذهبى ، هكذا شاع الإسم فىأوساط المثقفين ـ لكننى اكتشفت أنه قفص فعلا ، لكنه مصنوع من الحديد الزهر ، وليس من معدن سواه ـ وقد غمرتنى السعادة أن صار لى عشا دافئا تظلله المحبة والألفة ،إلى أن فكرت فى كتابة أول قصة قصيرة بعد الزواج بأسبوعين لا أكثر فقد دخلت حجرتى كعادتى ، أغلقت من خلفى الأبواب ، شمرت ساعدى للعمل ، بسطت الأوراق ، وانهمرت الأفكار النيرة . كان بطل قصتى الجديدة شابا متفائلا بالحياة ، وقد أحب فتاته حتى النخاع ، وهام بها عشقا ، وفى جلسة رومانسية على إحدى صخور " مرسى مطروح " ، كانت الجلسة الأخيرة التى سيعلن فيها البطل حبه لسوسن ، فقد كان هذا اسمها . فى تلك اللحظة بالذات طرقت زوجتى ـ حفظها الله ـ الباب ، وأخبرتنى أن أمها المبجلة ـ حماتى ـ ستزورنا الآن ، وواجب الضيافة يقتضى ان أبدل ثيابى لأكون فى شرف استقبالها ، فلما أخبرتها بدورىأ ن نهاية القصة تحتاج إلى عشر دقائق لا أكثر أخرج بعدها من غرفتى ، أرغت وأزبدت ، وصبت على بعض لعناتها، فإذا ببطل قصتى وعلى غير إرادة منى يصاب بالصرع ، ينهض من جلسته فجأة ،ويخنق المسكينة حبيبته بكلتا يديه ، ثم يقذف بها من أعلى الصخرة فى الموج الهادر ، ولايكتفى بذلك ، بل رأيته على غير إرادة منى، يستقل أول قطار إلى القاهرة ، فيصعد برج الجزيرة، ويلقى بنفسه من شاهق فى مشهد دراماتيكى لايمكن أن أنساه .
بعد مرور عام ، استمرت معاناتى ، وكان على أن أواصل الإبداع لأنه جزء من تكوينى ، وقد حاولت التغلب على مشاكل الزوجة ، خاصة بعد إنجاب طفلى الأول ، والذى بسببه فشلت أغلب مشاريعى الأدبية ، فما من مرة أدخل حجرتى ، وأدير أسطوانة لموتسارت أو بيتهوفن حتى أ جد زوجتى تقتحم على الغرفة : أليس لك قلب، أليس لك أذن ، ألم تسمع ابنك يبكى ، وأ نا كما ترى مشغولة بالطبخ ؟
تنهار الكلمات فوق أم رأسى، أحمل الطفل وأدور به هنا وهناك حتى يسكت ، وأسلمه لأمه بعد أن تنتهى من مهمتها المقدسة ،أحاول أن أعود لطقوسى الخاصة ، لكن هيهات فقد رحل الإبداع إلى غير رجعة.
كل هذا كان يمكن غفرانه ، لكن مشروع رواية جديدة لى كان يتطلب الكثير من الهدوء والتركيز ، هكذا أخبرتها ، وشددت على أن هذه فرصتى الأخيرة لأحتل مقعدى اللائق فى دنيا الكتابة ، ومن أجل أن تنجح خططى، اشتريت لها خاتما ثمينا مع زجاجة عطر فواح ، وتفتق ذهنى على عبارة مستحيلة ، أ رفقتها بالهدية " إلى ملهمتى ، وسر نبوغى الأدبى " يومها كادت تطير من المفاجاة ، ولقد اعترفت لأول مرة بتفردى : " اسمح لى ياحبيبى أن أعترف لك أنك صرح شامخ فى دنيا الكتابة، أنت عبقرية فذة ! " ،ثم قبلتنى والدموع تطفر من عينيها.
لم يكد يمر يو مان ، وكنت قد دخلت مكتبى ، وسبحت فى دنيا الإلهام ، أحرك أبطال روايتى على أوراقى بتحكم وعقل يقظ .وكنت أحرص على لغة سامقة ، وأفكار غير مطروقة ، دقت الباب فى لطف: " من فضلك أنبوبة البوتجاز فرغت" . وقعت فى الفخ : "هل يمكن الأنتظار ربع الساعة ". صفقت الباب من خلفها : "ممكن، لكن لاتتأخر " . واصلت عملى بنفس الحماس والجدية ، انهمكت فى إدارة الصراع بكل حكمة . وجاء الطرق عاليا هذه المرة : " مرت نصف ساعة . الأكل سيتلف ".
لقد هرب أبطال روايتى على الفور من رقعة الورق ، رأيتهم يتسللون من شقوق الباب ، ومن الجدران، بل من السقف نفسه ، ولم يعد أمامى سوى البياض والحزن المطلق ، وكانت الرواية فى منتصفها ، فلم أكملها مطلقا بعد هذه الواقعة .
تحطمت كل أحلامى، أما طقوسى القديمة فقد صارت من الماضى الغابر، ، لقد صرت أكتب فى مقهى شعبى وسط البلد ، يطل على الطريق العام . لم يعد من الضرورى الصمت أو الهدوء ، ولم تعد صيحات الباعة تزعجنى على الإطلاق ، بل هى جزء من الطقس الجديد ، حيث يعلو صوت الجرسون بطلبات الشاى والقهوة ، الحلبة الكهرمان والينسون العطرشان ، وما أجمل ترنيمات عامل البوتجاز إذ يدق على الأسطوانة المعدنية : ترن ..ترن ..ترن ..فيصل الصوت لأذنى موسيقى شعبية باذخة الجمال .
وبائع القوطة يجلجل صوته الجميل :" زى الورد ياطماطم" ، أما أم كلثوم ، فصوتها يشجينى والقلم يمر على الأوراق فى سهولة ويسر : " رق الحبيب" ، فأسبح فى طقسى الجديد بكل تفاؤل وإشرق . كل ما يهمنى الآن ألا تعكر زوجتى الحبيبة صفو حياتى بطلبات البيت، أو بإخبارى بموعد كشف الطبيب على الطفل الثالث ، أما زيارة أمها فلم تعد تزعجنى على الإطلاق ، فهى لن تحضر إلى المقهى ، عالمى الأثير ، حيث الصخب اللذيذ ، وهدوء الأعصاب الحقيقى ، والتلاحم مع قضايا الشعب ، فى الهواء الطلق .

10-27-2007, 02:33 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-27-2007, 02:33 PM
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-27-2007, 02:34 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة بنى آدم - 10-27-2007, 05:50 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة Charactos - 10-27-2007, 09:08 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-29-2007, 05:52 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-29-2007, 05:53 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-29-2007, 05:55 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة Charactos - 10-29-2007, 06:00 PM,
سر نبوغى الأدبى - بواسطة سمير الفيل - 10-29-2007, 11:32 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS