ابن سوريا
يا حيف .. أخ ويا حيف
    
المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
|
إعادة تشكيل الشرق الأدنى
في نشرة اللوموند ديبلوماتيك لهذا الشهر ملف كبير ومهم عن إعادة تشكيل الشرق الأدنى، سأنقل لكم مقالات هذا الملف تباعاً، وأبدأ بهذا المقال المهم لرئيس التحرير "آلان غريش".
(f)
من الفوضى العراقية إلى التصعيد ضد إيران
آلان غريش
الإعلان بأن "الحرب العالمية الثالثة" قد بدأت، شيء، والتعرّف على "هتلر جديد" شيء آخر. فمنذ 11 أيلول/سبتمبر، حدّد الرئيس جورج بوش لأعداءه بالترتيب التالي: تنظيم القاعدة، "محور الشرّ"، انتشار أسلحة الدمار الشامل، الفاشية الإسلامية، وأحياناً مزيجاً من هذه الوصفات كلها. واليوم باتت إيران تلعب دور "الشرّير" النجم، مجسّداً بالرئيس محمد أحمدي نجاد وتصريحاته الاستفزازية.
يوضّح مساعد وزيرة الخارجية الأميركية [1]، نيكولاس بيرنز، الأمر قائلاً في هذا الخصوص: "مشكلتنا مع الحكومة الإيرانية لا تعني إيران وحدها، بل ما يقوم به هذا البلد في الشرق الأوسط الكبير. هذه المنطقة تعدّ الشغل الشاغل للإدارة والكونغرس (...) وعلينا إدراج إيران في إطار ما نقوم به في الشرق الأوسط والعالم. نعتبر إذاً إيران تحدياً لجيلنا. وهي ليست بالتحدّي المرحلي أو العابر، بل ستكون في صلب سياستنا الخارجية في 2010 و2012 وربما 2020".
فهل تمثّل إيران فعلاً، بالرغم من كونها إحدى الدول الرئيسية المصدّرة للنفط، هذا الأفعوان الخرافي الشاحب الذي تهاجمه واشنطن؟ [2]. بالطبع، لقد ارتفعت نفقاتها العسكرية ارتفاعاً كبيراً منذ بداية هذا العقد، لكن جيشها لا يزال ناقص التجهيز. وإذا كان تفكّك العراق قد ضاعف من الوزن النسبي لإيران، فعلى من تقع المسؤولية؟ إن وجود جهازٍ دينيّ شيعيّ "عابر للبلدان" قد يكون بمحلّ امتيازاً (فبعض الشيعة العراقيين أو اللبنانيين يتبعون أحد آيات الله الإيرانيين) أو أيضاً نقطة ضعف (حيث العكس صحيح، إذ إن العديد من الشيعة الإيرانيين "يقلّدون" أحد آيات الله من العراقيين أو اللبنانيين)؛ أضِف إلى ذلك أن رجال الدين الشيعة منقسمين حول المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه السلطة الراهنة في إيران، أي ولاية الفقيه، الذي يمنح السلطة المطلقة لمرشد الثورة (بالأمس آية الله الخميني، واليوم آية الله خامنئي). وحتّى إذا تجاوزنا هذا البعد الديني، فان الانقسام في المشهد السياسي الإيراني ليس عامل قوة.
السلاح النووي الإيراني؟
وماذا عن السلاح النووي؟ منذ مطلع التسعينيات، أشارت تقاريرٌ عدّة إلى احتمال حصول إيران على القنبلة الذريّة في غضون سنتين أو ثلاثة [3]. وهذه التوقعات تلقى تكذيباً مستمراً، لكنها تعود للبروز من جديد: فالإعلان نفسه تكرّر في أعوام 1991 و1995 و2000، ولا يزال صالحاً حتى يومنا هذا. لكن الوكالة الدولية للطاقة الذريّة قد كرّرت مراراً أنّه، وبالرغم من محاولات طهران التهرّب من بعض أعمال الرقابة، فلا شيء يبرهن على وجود برنامجٍ عسكريّ إيراني.
ولنفترض أن هذا البلد سيتزوّد غداً بالسلاح النووي، فماذا سيحصل؟ على هذا السؤال، أجاب الرئيس جاك شيراك، في كانون الثاني/يناير 2000، باستنتاجٍ يفترض أن يثير بعض السجال والتوضيح المرتبِك من قبل قصر الإليزيه: "على من ستلقي إيران هذه القنبلة؟ على إسرائيل؟ لن تجتاز 200 متر في الجو قبل أن تتعرض طهران للتدمير الكامل (...) فإذا ما امتلكت إيران قنبلة ذريّة، وأطلقتها، فإنها ستدمَّر مباشرةً قبل أن تغادر السماء الإيرانية. وسيكون هناك، لا محال، تدابير ثأرية وإكراهية. هذا ما يقوم عليه نظام الردع النووي" [4]. وفي المقابل، وكما أشار الرئيس الفرنسي، فإن امتلاك إيران السلاح النووي سيسرّع من انتشار هذه الأسلحة في المنطقة. فدول مجلس التعاون الخليجي [5] ومصر قد سبق وأعلنت عن نيّتها في تطوير الطاقة الذريّة لأغراضٍ سلمية. ويجب أن تبقى الأولوية لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، شرط أن يشمل ذلك، بالطبع، جميع البلدان، بما فيها إسرائيل التي كانت أول من أدخل السلاح النووي إلى هذه المنطقة.
لكن نظرةً مانويةً تسيطر على الولايات المتحدة. فالسلطة الإيرانية، كما في الأمس نظام الرئيس عبد الناصر أو صدام حسين، توصف باللاعقلانية: فمبدأ الردع قد لا يكون فعالاً مع الرئيس محمود أحمدي نجاد. هكذا سمعنا الأستاذ الجامعي برنارد لويس، الضمانة "الاستشراقية" للتدخل الأميركي في العراق، يعلن بكل جديّة أن طهران تستعد لإطلاق قنبلة ذريّة (لا تملكها!) على إسرائيل في 22 آب/أغسطس 2006 لأن هذا اليوم هو، في التقويم الاسلامي، هو ذكرى الإسراء والمعراج، عندما انتقل النبي محمد إلى القدس ومنها إلى السماء. وفي اعتقاد الرئيس الإيراني أن نهاية العالم هذه ستسرّع في مجيء المهدي المنتظر [6]. فكتب لويس: "قد يكون هذا التاريخ مناسباً للتدمير "القيامي" (الأبوكاليبتي) لدولة إسرائيل، وللعالم إذا كان الأمر ضرورياً. إنّه احتمالٌ بعيدٌ أن يكون السيد أحمدي نجاد يخطّط فعلاً لهذه الكوارث في 22 آب/أغسطس. لكن من الحكمة التفكير في هذه الفرضية" [7]. هذا النوع من الهذيان شائع في واشنطن حيث العدائية لإيران متأصّلة منذ قيام الثورة الإسلامية.
هل من منطق للسياسات الأمريكية؟
يترجَم هذا الرهاب بخطاب عدائي متصاعد في البيت الأبيض، ولكن أيضاً لدى أغلب المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية، من جمهوريين أو ديمقراطيين [8]، تجاه إيران المتّهمة بالوقوف وراء "التخريب" في العراق، كما في أفغانستان. نظرة قد تبنّاها وزير الخارجية الفرنسية، برنار كوشنير عندما قال أن إيران تقوم بـ"كل شيء" في العراق لتحويل أرضه ملعباً "مثالياً" [9] لممارساتها. فباريس باتت تتميّز عن نظيراتها الأوروبية بمواقفها المتطرّفة المطالبة بالمزيد من العقوبات بحقّ طهران، خلف واشنطن، في اللحظة الذي يمكن للجميع إدراك مدى فشل الحرب الأميركية على الإرهاب.
وفي إطار استراتجيتها المعتمدة، كثّفت واشنطن من مساعدتها "للأقليات" من الأكراد والعرب والأذريين والبلوش [10]. فهل يمتد التقسيم العراقي إلى إيران؟ لكن هذه السياسة تتسبّب بتناقضات عجيبة. ففي حين يُدرَج حزب العمال الكردستاني التركي على لائحة المنظمات الإرهابية، تقوم بعثةٌ من حزب "الحياة الحرّة في كردستان" -وهو منظمة شقيقة لحزب العمال الكردستاني في إيران- بزيارة واشنطن في آب/أغسطس 2007، بقيادة رئيسها رحمان حاج أحمدي [11].
وليست هذه هي المفارقة الوحيدة في الاستراتجية المناهضة لإيران التي تسعى واشنطن للعمل بها عن طريق إنشاء جبهة مشتركة تضمّ بلدان الخليج المعتدلة ومصر والأردن وإسرائيل، والمفترَض أن يساعد في تعزيزها مؤتمر أنابوليس للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وهكذا، كثّفت واشنطن، مباشرةً أو بصورةٍ غير مباشرة، مساعدتها للجماعات الأصولية السنيّة، ومنهم متطرّفون مقرّبون من تنظيم القاعدة، لمواجهة الشيعة [12]. ففي نيسان/أبريل 2007، وفي حديثٍ لمحطة "الجزيرة"، اتّهم الأمير حسن (شقيق الملك الأردني الراحل) أحد المسؤولين الرسميين السعوديين (فُهِمَ لاحقاً أنّه بندر بن عبد العزيز، مسؤول مجلس الأمن القومي السعودي والقريب من المسؤولين الأميركيين) بتمويل المنظمات السنيّة المتطرّفة. وقد قامت السلطات الأردنية بوضع يدها على الشريط.
قبل عامٍ على الانتخابات الرئاسية الأميركية، وستة عشر شهراً على انتهاء ولاية الرئيس بوش، قد ينزع هذا الأخير للهروب إلى الأمام عن طريق عمليّةٍ عسكريّة ضد إيران تمحو فشله في العراق. وفي خريف العام 2006، وبعد أربعة أعوامٍ أمضاها في واشنطن سفيراً لإسرائيل، أجاب داني أيالون على أمكانيّة أن يتّخذ رئيسٌ فاقد الشعبيّة قرارأً من هذا النوع بالقول: "نعم، قد يفعلها. عليكم التعرّف على الرجل. أنا أملُك الامتياز أنّني اعتبر نفسي صديقاً شخصياً له. ومن يعرفه يُدرِك أنّه صاحب تصميم، متأكدٌ من التفوّق الأخلاقيّ للديمقراطيات على الديكتاتوريات(...) إن آيات الله زائد القنبلة الذريّة هما مزيجٌ لا يُحتمل ويهدّد الأمن العالمي، لذا لن يسمح بحدوثه" [13].
[1] http://bostonreview.net/BR32.3/burn...
[2] إقرأ: سيليج هاريسون: "الموتورون يحضّرون الحرب على إيران"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، تشرين الأوّل/أكتوبر 2007، http://www.mondiploar.com/article.p...
[3] “ Quand l’Iran aura-t-il la bombe nucléaire ”, blog Nouvelles d’Orient, 4 septembre 2006, http://blog.mondediplo.net/2006-09-...
[4] Site du Nouvel Observateur, 1er février 2007, http://tempsreel.nouvelobs.com/actu...
[5] السعودية، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، عمان، قطر.
[6] في المعتقد الشيعي "غيّب" آخر الأئمة عام 874. أي انسحب من العالم لكنه بقي حياً. وسيظهر في نهاية الزمان ليقيم حكم العدالة والحقيقة على الأرض.
[7] Bernard Lewis, “ Does Iran have something in store ? ”, The Wall Street Journal, 8 août 2006. إقرأ أيضاً: آلان غريش: "برنار لويس و"جينة الإسلام""، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، آب/أغسطس 2005 http://www.mondiploar.com/article.p...
[8] “ Consensus américain sur l’Irak et l’Iran ”, blog Nouvelles d’Orient, 30 septembre 2007. http://blog.mondediplo.net/2007-09-...
[9] AFP, 4 octobre 2007.
[10] “ Tempêtes sur l’Iran ”, Manière de voir, n° 93, avril-mai 2007. http://www.monde-diplomatique.fr/mav/93/
[11] The Washington Times, 4 août 2007.
[12] إقرأ: آلان غريش: "الشيعة، العدوّ الجديد"، لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية، تموز/يوليو 2007، http://www.mondiploar.com/article10...
[13] Entretien avec Maariv, Tel-Aviv, 19 novembre 2006.
|
|
11-12-2007, 05:08 AM |
|