طنطاوى(f)
وصلنتى رساله فى بريدى ، بنفس فكرتك للكاتب الساخر أحمد رجب
ارجوا انكم تستمتعوا بها.
صورة متحف سينمـا
هذه مجموعة صور مقلوبة لناس يعيشون بيننا، كل صورة منها قد تثير ابتسامتك في وضعها المقلوب.. فلا تحاول أن تعدلها حتى لا تسقط الابتسامة
-أحمـد رجـب-
*******
نحن الآن سنة 3000, و الناس يترددون على المتحف السينمائي للفرجة على مومياءات قدماء السينمائيين ومخلفاتهم وحضاراتهم الفيلمية الغابرة
المتحف كله قاعات فسيحة لامعة وفترينات زجاجية تحتوي على آثار وحفريات قدماء السينمائيين
هذه مثلا فترينة بها مومياء ممددة و عليها بطاقة للشرح تقول: مومياء المخرج خا – ميس – فجلة, من الأسرة السينمائية الرابعة فى العصر الجهلوي.. ظهر فى عصره بعض الشبان المثقفين وكان كل منهم يطلق على نفسه المخرج الطليعي.. وتدل حفريات شارع الهرم أن المخرج خا – ميس – فجلة كان يجهل معنى كلمة طليعي, فقد أراد أن يقلد هؤلاء الشبان فكتب فى مقدمة أحد أفلامه: فيلم بالألوان الطليعية من إخراج المخرج الطليعي خا – ميس – فجلة
و في فاترينة أخرى مومياء تقول بطاقتها: مومياء السيناريست شي – حا – ته – فجلة, من الأسرة السينمائية الرابعة فى عصر الجاهلية الدرامية, وتدل النقوش الخاصة بهذا العصر أن شي – حا – ته – فجلة كان يطلق على نفسه ابن سينا الجديد ظنا منه أن الفيلسوف ابن سينا هو مخترع السيناريو
و تقول النقوش أيضا أن شي حا ته – فجلة كان يحمل بشدة على تشارلز ديكنز فى مواعظه التى يكتبها في الحوار, باعتبار أن تشارلز ديكنز هو مبتكر رقصة التويست و لم يكن يعرف أن أوليفر تويست هى رواية لديكنز وليست رقصة من ابتكاره
و في فترينة ثالثة بوبينة فيلم محنطة عليها بطاقة تقول: بوبينة فيلم من عصر الأسرة الفجلوية الرابعة.. اسم الفيلم: فاجعة في بير السلم.. من حفريات شارع الهرم.. و من إخراج خا – ميس – فجلة, الفيلم من أفلام المأساة, ومع ذلك ليس في الفيلم كادر واحد يخلو من رقصة أو أغنية حتى فى مشاهد المأتم.. الأمر الذي جعل علماء الاجتماع المعاصرين يعتقدون أنه كان من تقاليدنا الاجتماعية أيام عصر الأسرة الفجلوية الانطلاق فى الرقص والغناء إذا مات شخص عزيز, ذلك أن فيلم فاجعة في بير السلم يحتوي على مشهد المطربة فتا – كات و والدها يموت أمامها, فتبكي ثم تسرع إلى الشرفة لتغني لحبيبها بطل الفيلم في النافذة المقابلة
افتح شباكك يا عطية
و الحقني بشوية ميه
فيفتح حببها الشباك ويبادلها الديالوج الغنائي, وفجأة يتحول المشهد إلى تابلوه غنائى راقص اسمه: أبوها السقا مات
*******
وفي الفترينة رقم 9 بالمتحف تمثالان شمعيان لعروس وعريسة في ليلة الزفاف يرتديان ملابس القرن العشرين وبطاقة شرح تقول:عروس وعريسة.. نهاية كل فيلم فى عهد الأسرة السينمائية الفجلوية
وفي فترينة مجاورة مجموعة من الأوراق القديمة المتآكلة ومعها بطاقة تقول: سيناريو لفيلم اسمه دموع فوق السطوح من عصر الأسرة الرابعة.. وقد دلت حفريات شارع الهرم على أن شى – حا – ته – فجلة قد كتبه فى أقل من 36 ساعة 500 صفحة و أنه أكمل الخمسين صفحة الأخيرة في بوفيه الاستديو أثناء التصوير وهو يشرب الشاي الكشري, والخطوط والحواشى الحمراء هي تعديلات المخرج خا – ميس – فجلة في السيناريو إذ أضاف إلى الأمراض التي تصيب البطل فى الرواية مرض الصرع, و كان السيناريست قد اقتصر على إصابة البطل بفقدان الذاكرة والعمى والسعال الديكى وداء الفيل.. انظر الفترينة 11
وفي الفترينة 11 مجموعة من بوبينات أفلام ترجع إلى عصر الأسرة الفجلوية الرابعة, و هي من أفلام المأساة, أسماؤها على التوالى: تفيدة ياحبي, حب في نص الليل, حب وبلح وجوافة, وحنان وعيش وطعمية, كلها من إخراج المخرج خا – ميس – فجلة الذى أطلقوا عليه مخرج المعجزات,, ففي هذه المجموعة التى عُثر عليها من أفلامه نجد البطل مصابا بكل أنواع الأمراض المستعصية.. المتوطئة منها والمستوردة, ثم يشفيه المخرج بمعجزات مدهشة في آخر عشرة أمتار من الفيلم تمهيدا للنهاية السعيدة وزواجه من البطلة
*******
و في فيلم حب وبلح وجوافة نجد قمة المعجزة في أعمال خا – ميس – فجلة, إذ يموت البطل في الفيلم مسموما بالجوافة وتشيّع جنازته ويوارى التراب
و تكشف النقوش التي عثر عليها فى شارع الهرم قصة المعجزة التي قام بها المخرج فتقول أن منتج الفيلم اعترض على هذه النهاية التي تؤثر تأثيرا فلوسيا على شباك التذاكر
فاستأنف خا – ميس – فجلة التصوير بعد نهاية الفيلم و موت البطل, وانتقلت الكاميرا إلى قرافة الغفير لتصور بطل الفيلم وهو يخرج من القبر إلى بيت البطلة ليطلب يدها بين الطبل والزمر حتى تكون النهاية السعيدة كما طلب المنتج
و يفسر الفيلم سبب عودة البطل إلى الحياة تفسيرا علميا يدور حول نظرية زراعة الأعضاء في الجسم الإنساني, فمادام يمكن زراعة عضو سليم مكان عضو تالف, فممكن جدا زراعة بنى آدم سليم بحاله في بنى آدم ميت, و هكذا تم زرع بني آدم كومبارس بدفنه حيا في تراب مقبرة بطل الفيلم, فانزرع الكومبارس في بطن الفتى الأول, فخرج من المقبرة حيا
و تقول الحفريات أن خا – ميس – فجلة أثار أزمة شديدة بسبب عدم ترشيح هذا الفيلم للمهرجانات الدولية, إذ كان واثقا من الفوز بسبب فكرة زراعة الجسم البشري في جسم بشري آخر, فهي فكرة أبّهة لم يسبقه إليها مخرج بشري أو بيطري
و الجدير بالذكر أن المخرج خا – ميس – فجلة قد اعتزل مهنة الإخراج فى عصر الأسرة السينمائية السادسة الذي عرف بعصر المثقفين و عاد إلى ممارسة مهنته الأصلية: تمرجي
*******
و في الفترينة رقم 18 وهى عبارة عن قاعة زجاجية فسيحة – أقيم ديكور لكباريه تقول عنه البيانات: نموذج لديكور فى عصر الأسرة السينمائية الرابعة, إن الكباريه كان أهم ضرورة فنية في الأفلام الفجلوية, إذ كان على البطل أن يتجه دائما إلى الكباريه كلما أصيب بأزمة أو صدمة عاطفية, فيظل يشرب الويسكى وهو يشاهد رقص عزيزة نايلون
و قد أدى ظهور الكباريه في كل فيلم – خلال عصر الأسرات الأولى – إلى إعطاء صورة مشوهة عن حياتنا فى تلك العصور, إذ تبادر خطأ إلى أذهان علماء الاجتماع المعاصرين, أن كل شاب من قدماء الشباب المصريين كان لا بد أن يسكر طينة في الكباريه إذا أصيب بأزمة عاطفية, إذا هدده أهلها بفسخ الخطبة جرى إلى الكباريه يشرب, إذا خطبها شاب آخر.. شرحه, إذا اكتشف خيانتها شرب كل زجاجات الخمر في بار الكباريه ابتداء من الشمبانيا إلى السبرتو
فالكباريه في أفلام الأسرات السينمائية الأولى يؤكد أن كل العشاق فى بلادنا كانوا يصبحون في حالة سكر طينة عند أول أزمة عاطفية
و في الفترينة رقم 21 مومياء عليها بطاقة تقول: مومياء للمؤلف أق – رع – فجلة من الأسرة الرابعة, تدل الحفريات على أن النقاد أطلقوا عليه لقب الطرابيشي, فإن أق – رع – لم يكتب فى حياته إلا قصة واحدة راح يقلبها بعد ذلك كما تقلب الطرابيش حتى ضرب الرقم القياسي, إذ أخرجت هذه القصة بأشكال مختلفة فى أكثر من عشرين فيلما
*******
و في الفترينة 27 أصول لقصة سينمائية من عهد الأسرة الرابعة, القصة تروى حدوتة أم أنجبت بنتا من سيدها البيه, ثم تفترق الأم عن البنت وهي لاتزال في طفولتها وتكبر البنت دون أن تعرف أمها بينما أمها تعرفها, وفي النهاية السعيدة: بنتي حبيبتي, مامتي حبيبتي.. و لقد ظهرت هذه القصة في مئات الأفلام في عصر الأسرة الرابعة, مرة ابن لا يعرف أباه, ومرة يرفض الأب الكشف عن أبوته لابنته لأنه من نزلاء ليمان طرة, أو لأنه حرامي, أو لأنه نصاب أو أي حاجة, بينما بنته تعيش فى التبات والنبات مع زوجها وكيل النيابة الذي حقق في جريمة أبيها, وهكذا.. المهم أن هناك – في مئات من الأفلام – حالة عدم تعارف بين الأم والأب من جانب وبين الابن أو البنت من جانب آخر
وهذه الحدوتة لها أصل يعرف باسم حدوتة خششبان التي كانت ترويها الجدات للأطفال عند النوم
و في الفترينة 33: مومياء للمنتج جا – موس – بيه, إن المخرج خا – ميس – فجلة أقنعه بانتاج رواية الحرب و السلام لتولستوي فلما قبل, قال له خا – ميس أن تولستوي يطلب العربون فأعطاه جا – موس مائة جنيه لتوصيلها إلى تولستوي وطلب منه تحديد موعد مع الكاتب الكبير الذي يسمع عنه كثيرا, و رحب خا – ميس – الفهلوي بذلك, فحضر في اليوم التالى مع شخص قدمه إلى جا – موس قائلا: الكاتب الكبير عبده تولستوي, فاحتفى به جا – موس حفاوة بالغة
و كان خا – ميس – فجلة قد اشترى كتاب الحرب والسلام من سور الأزبكية بقرش ثم نسخه على الآلة الكاتبة و راح يقرأه للمنتج في أسبوع كامل, وكان جا – موس – بيه يتناول كل صفحة بالتعديل والتبديل وعندما انتهى من تعديلاته اقترح تغيير اسم الرواية إلى السلام والكلام.. لأن السلام يسبق الكلام ولا معنى للحرب والسلام لأن الذي يحارب شخصا لا يمكن أن يقول له سلامو عليكو
وقد استجاب خا – ميس – فجلة لكل التعديلات التى أدخلها المنتج حتى تحولت إلى رواية استعراضية غنائية راقصة قامت ببطولتها فهيمة لهاليبو التى كان يؤمن جاموس بيه بمواهبها العظيمة
*******
وفي الفترينة 107 – فى نهاية المتحف – مومياء تقول بطاقتها: مومياء لمتفرّج من عصر الأسرة الرابعة.. عاش بطلا ومات بطلا.. له الرحمة والفاتحة
:wr: