يقولون ان الانسان اذا افلس ( ماليا اقصد) راح يقلب في دفاتره القديمة عل و عسى ان يكون دائنا لاحد ببعض المال.
ينطبق هذا القول على قصة الغرانيق فعند تعرضنا لها قبل بضعة سنوات عندما اثارها من لا اذكره الا و لكني اذكر بداية عرض الموضوع . قال انه كان ينظر في بعض اعداد قديمة لمجلة اكتوبر المصرية فقرا مقالا لاحمد بهاء الدين عن قصة الغرانيق التي اوردها الطبري في تفسيره. و استهجن الكاتب رواية الطبري للقصة سائلا : هل الطبري عبيط حتى يورد هذه القصة.
و كما اشرنا كثيرا في السابق الى منهج العلماء المسلمين في البحث العلمي و الذي تعلمته اوربا منهم فان المفسرين اوردوا القصة ليس لصحتها و لكن لتكذيبها تحوطا من ان تصل الرواية الكاذبة للامة عن طرق غير موثوق بها فتنقل الرواية و تهمل تفنيدها.فيتوهم بصحتها.
عليه فان الطبري لم يكن عبيطا و لا ابن الكثير و لا الخازن و لا النسفي و لا ابن هشام في السيرة.
و من الذين علقوا على هذه الرواية بعد نقلها النسفي في تفسيره و رد عليها ردا منطقيا عقلاانيا ابطلها تماما.
و من الذين تعرضوا لدحض هذه الرواية و اقام الحجة على ابطالها القاضي عياض في كتابه ( الشفا بتعريف حقوق المصطفى)

يقول القاضي عياض:
ان لنا في الكلام على شكل هذا الحديث ماخذين احدهما , على فرض التسليم به .
أما المأخذ الأول و هو توهين أصل الخبر فيكفيك أنه لم يخرجه أحد من أهل الصحة , و لا رواه ثقة بسند سليم متصل وانما أولع به و بمثله المفسرون و المؤرخون و المولعون بكل غريب , المتلقفون من الصحف كل صحيح و سقيم.

أما المأخذ الثاني و هو توهين هذا الخبر من جهة المعنى, فقد قامت الحجة و اجمعت الامة على عصمته صلى الله عليه و سلم و نزاهته من فعل الرزيلة اما من جهة تمنيه ان ينزل عيه عليه مثل هذا من مدح الهة غير الله , و هو كفر او من ان يتسور عليه الشيطان و يشبه عليه القران حتى يجعل فيه ما ليس منه.

ثم يقول القاضي عياض:

و وجه ثان , و هو استحالة هذه القصة نظرا و عرفا , و ذلك ان هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتئام , متناقض الاقسام . ممتزج المدح و الذم , متخاذل التاليف و النظم, و لما كان النبي (ص) و لا من يحضره من المسلمين و صناديد المشركين ممن يخفي عليه ذلك.

ثم يقول:

و لو حدث هذا لوجدت قريش على المسلمين الصولة و لاقامت بها ايهود على المسلمين الحجة كما فعلوا مكابرة في الاسراء و المعراج حتى كان في ذلك لبعض الضعفاء من المسلمين ردة.

اقتباس
_______________________________

- قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة : { والنجم } فلما بلغ : { أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى } ألقى الشيطان على لسانه : تلك الغرانيق العلا ، وإن شفاعتهن لترتجى ، فقال المشركون : ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ، فنزلت : { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } الآية
________________________________

لقد ناقشت هذه الاية مع احد جهلاء النصارى سابقا مما لا يعرف من اي القران المكي من المدني و سالته كيف تاخر الوحي سنينا بين نزول سورة النجم المكي و بين تصحيح ما القى الشيطان في سورة الحج و هي سورة مدنية؟

قصة الغرانيق وقعت في مكة عند نزول سورة النجم كما تزعمون فهل بقى الاعتقاد بمدح النبي(ص) لاصنام قريش حتى هاجر الى المدينة و مكث فيها سنينا فجاءت اية سورة الحج لتصحح و تقول :

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {الحج/52}

و كان ردي على من ربط بين اية سورة الحج و بين اية سورة النجم كافيا ليبطل الزعم .

و لكن من اركان الحجج ايضا كان ابطال تفسير الامنية بانها الوحي او القران , فليس من معان الكلمة ( امنية) الوحي و لا القران .

الركن الثاني هو ان الاية لا تخبر عن النبي(ص) و لكنها تخبر عن الرسل و الانبياء الذين تقدموه,

و الاية ليست دليل على ان ما حدث للمرسلين من قبله عليه السلام قد حدث معه.

اقتباس
_________________________________

و هناك دليل ثالث يلمح لتلك الحادثة

{ ولولا ان ثبتناك لقد كدت تركن اليهم شيئاً قليلاً } ( الاسراء 74)..

هذه الآية أيضا واضحة , لولا ان الله ثبت محمد لكان ركن الى المشركين في تمجيدهم للغرانيق
________________________________

دليل ساقط فمما روي عن ابن عباس قوله:
( كل ما في القران ( كاد) فهو لا يكون. قال تعالى " يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" و لم هم يذهب به بصر احد