يحضى أركون بمكانة عالية في الفكر العربي المعاصر ، وفي نظري أن هذه المكانة اكتسبها من الدعاية له أكثر من كونه اكتسبها من جدية وعمق ما يكتب فيه ، فالهالة على أركون أكثر مما ينبغي في الحقيقة ، وملخص فكرته الأساسية التي تمل من قراءتها وتكرارها في غالب إنتاجه هي الدعوة إلى إعمال المناهج الحديثة في دراسة الإسلام ، هذه الدعوة تتكرر على القارئ لأركون بشكل مزعج ، لأنها تحولت من فكر إلى دعوة ، ومع تحمس أركون لهذه الدعوة إلى أنه في الحقيقة اقتصر كتابته عليها فلم يقدم مشروعاً يعلّمنا فيه كيف يمكن أن تُعمل المناهج الحديثة في دراسة الإسلام ويُنزّل هذه النظرية عملياً .
حاول أركون أن يجرب نفسه في الخروج من النظرية إلى التطبيق في قراءات بعض السور القرآنية باستخدام المناهج الحديثة في كتابه : القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ، إلا أنك عندما تقرأ قراءاته للسور المستهدفة لا تخرج في الحقيقة عمّا كنت تعرفه عنها مسبقاً فلم يقدم فيها جديداً يُذكر .
وقد اكتشف أركون صعوبة هذه الدعوة ، ولذلك كان يتجنب الخوض في التطبيق ، ويكثر من القول بأن يشق الطريق ويحفر القنوات أمام الباحثين الذين يجيئون بعده ليكملوا المشوار لأن الطريق يجب أن تتظافر فيه الجهود وو .. وو ، بل أنه في الحقيقة يزعج القارئ بكثرة ترداده لهذا الاعتذار . ومن غريب ما يصنعه أركون ويعده بعض النقاد فتحاً في نقد الفكر الإسلامي كثرة الدعاوى التي يثيرها أركون بدون تقديم الإجابات أصلاً لا علمية ولا غير علمية بل يلتزم الصمت حيالها ولا يقدم لها إجابة فمثلاً كثرة الشكوك التي يطرحها في كثير القضايا ثم لا يقدم أركون وجهة نظره أصلاً للسبب الذي جعله يشك في هذه القضية أو تلك ، ولصعوبة تقديم برهان علمي يكتفي أركون بأن هذا الموضوع يحتاج إلى تفكيك وحفر ودراسات التركيبات الاجتماعية والثيولوجية و.و ..و ويبدأ يفل الاسطوانة التي تخدع في الانبهار في بعض المصطلحات على حساب الفكرة العلمية . إن مبدأ التشكيك مبدأ لا يجيده المفكر فحسب بل يجيده حتى العامي لكن المفكر العلمي يستطيع أن يبدأ بالقارئ من كون هذه الفكرة مشكوك فيها حتى يتوصل به إلى البرهنة على ما يقول بالأسلوب العلمي ، وقد وعى أركون وهاشم صالح هذه الإشكالية فبدأ وما أكثر الاعتذارات في كتابات أركون بأن ( مشروعه ) لا يقدم إجابات وإنما يقدم أسئلة وأن الحِمل سيكون على الأجيال القامة التي ستتابع هذه الجهود . وفي الحقيقة هذه خدعة لغوية قد يصدقها بعض القراء بأن ( المشروع ) فعلاً صعب وأنه من الضخامة بمكان ، فلغة الكاتب تستطيع تضخيم العمل أكثر مما هو عليه في الحقيقة وأرى أن أركون كان بارعاً هنا .

ومع الهالة التي حضي بها أركون فإنه لم يؤلف كتاباً مستقلاً إلا القليل ، وغالب كتبه إنما هي أبحاث قصيرة أو أوراق مؤتمرات أو محاضرات مجموعة في كتب ، وأشهر كتابين له وهما يعتبران أفضل ما كتب أركون ـ على حسب قوله ـ هما : تاريخية الفكر العربي الإسلامي ، والفكر الإسلامي قراءة علمية ، وهما أيضاً عبارة عن مجموعة من الأبحاث المتفرقة مجموعة في كتاب زيادة على ما فيها من التكرار . ولذلك فنَفَس أركون ليس طويلاً من هذه الناحية .

خلاصة ما أقوله بعد قراءة كثير من كتب أركون ؛ أن أركون داعية أكثر من كونه مفكراً .