نعم، البصق جزء لا يتجزأ من ثقافتنا العربية. نحن شعوب تجيد البصق كوسيلة في التعبير. ذات مرة سألت والدي (رجل مصري مسلم) عن ما إذا سبق له أن شاهد هذا الواعظ المسيحي عبر المحطة المسيحية الفلانية فجاوبني بهدوء طبيعي وقال: "لما أشوفه في التلفزيون أروح تافف على التلفزيون في وشه وأروح قافل التلفزيون". لم أرد ولكني تذكرت والدي الباصق.

ذهبت لمدير إرسالية عربية بالولايات المتحدة وسألته عما إذا كانت هناك إمكانية لمساعدة فلان الفلاني للحصول على الإقامة فقال لي :"كل واحد ساعدته بزق في طبقي ومشي"..

حتى المؤمن المسيحي يستخدم البصاق كإحدى أدبياته في الحوار والتعبير الغاضب.

وزميلة صبية هنا تعرفت بها من خلال نادي الفكر عندما بدأت الحوار وانبهرت بثقافتها الواسعة وأنها تعرف طاغور وتلك الأسماء التي لم أكن أعرف عنها الكثير ولها الفضل في تعريفي بها.. ثم عرفت موقفي من الفلسطيني العنيف صاحب الحملات الانتحارية فأنهت الصداقة بمقطوعة بصقية أذكر منها عبارات مثل "أتفل على الخونة .. وأبصق...." وكانت هذه ذكرى مخاطية لشابة مثقفة لا أنكر فضلها عليّ في معرفة ما كنت أجهل.

ثم تعرفت بشابة مسيحية سورية راسلتني عن طريق قراءة شيء لي كتبته ولا أنكر أني سعدت جداً بإطرائها على ملامحي وشكلي وقالت إني "وسيم" وكم سعدت أن تقول فتاة مثل هذا الكلام لي وشاكر لها.. ولكن يا حسرتاه.. عندما جاء الحديث عن زكريا بطرس القس المصري الشهير بالردح الرباني لم تبخل عن التعبير عن مشاعرها فقالت:"زكريا بطرس يبصق في وجوه المسلمين في حين محمد يبصق في عقول المسلمين لعدد من السنين هذا قدره....". طبعا قلت لها: في جميع الأحوال، هو بصاق.. لم أخبرها أن البصاق صار في كل شيء.. أشخاص تبصق وغضب باصق وأن العرب وحدهم من بين جميع شعوب العالم هم الذين ينفردون باستخدام البصاق للتعبير عن غضبهم وكأنهم قالوا بس سلامو عليكو .. بهذه السهولة يأتي البصاق للحديث في اللغة العربية. يقول الإنكليزي:

I was offended

I was really upset

I was ticked off

I was really mad

and so on.

لن تجد في اللغة الإنكليزية هذا الاتساع العظيم الذي تنفرد به لغة فصيحة كالعربية! ثم يحدثونك عن دلائل الفصحى في العربية! فصحى!!

Give me a break!