عزيزي sam4ever:

نصوص العهد القديم لا تُقرأ كتاريخ بالمفهوم الحديث للتاريخ ولكنها تُقرأ بهدف الصلاة والإيمان. نعم، هناك نصوص كثيرة في الحديث عن "يهوه" تجعله لا يختلف كثيراً عن الله حينما يسارع إلى إرضاء هوى محمد. في هذا معك حق. لكن النصوص التي تقرأ فيها الكلام عن يهوه لا يأتي فيها الحديث بصدد التنزيل ومفهوم التنزيل القرآني. لا يوجد تنزيل للآيات في الكتاب المقدس. آيات الكتاب المقدس يتم تدوينها بطريقة بشرية عادية وعامل التدوين تصل درجة "البشرية" و"الإنسانية" فيه إلى مائة بالمائة ولا أقل. لأجل هذا يؤمن المسيحي المستنير بشيء إسمه "إلهام" inspiration أي أن الله يلهم الكاتب الرسالة والكاتب يصيغها بلغته. لا يوجد وحيّ إملائي في الكتاب المقدس كما هو في القرآن. لك الحق أن تنقد الوحي في المسيحية لو أن المسيحية تتمسك بالمفهوم الإملائي. لذلك ستجد رجل مثل بولس يتحدث عن تطور فهم شعب الله لوحي الله عبر العصور مشيراً إلى ذلك بالـ "ظلال" و"الرموز". وتارة أخرى يشير إلى ذلك بمرحلة الطفولة، مشيراً بذلك إلعهد القديم؛ أي تلك الحقبة والتي فيها "عندما كان إسرائيل غلاماً أحببته، والتي تتبعها مرحلة الرجولة كما فعل في رسالة كورنثوس وهو يتحدث عن المحبة؛ وكأني به يقول لنا أن اكتمال الإنسانية ورجولتها ونضجها هو في "حقبة المحبة" لا في مرحلة غلمنة الوعي وصباه. ما تقرأه في العهد القديم عن يهوه هو الطفولة في مرحلة حبوها الأول ويأتي المسيح ويتحدث عن الله بمفهوم أكبر وجل كلامه ينصب هذه المرة ليس على "يهوه" ولكن يقرب المعنى أقرب بكثير جداً لدرجة حميمية فيها تجاسر وربما بجاحة من وجهة نظر البعض لأن المسيح تجاسر وتحدث عن "الآب"، أبونا السماوي. والكلمة التي استخدمها المسيح للإشارة عن الله "الرب أبونا" Abba أو آبا كما نقول بالفلاحي في مصر هي استخدام لم يسبق لأحد أن تعارف عليه من قبل في حياة هذا الشعب العبراني. يهوه كما قلت لصديقنا "ليلين" مجرد كلمة ومعناها "الكائن" ولكن ماذا أستفيد أنا بكينونة الله؟ كائن في ذاته؟ ثم ماذا؟ طب وإيه يعني؟ ولكن أن يكون الله أب فهنا الاستفادة فعلية للمؤمنين بالله فيشعروا عندها أن خالقهم هو أبوهم. لذلك، لك أن تقف عند تصرف الشعب العبراني حيال يهوه وتصويرهم لهم وهو يلبي رغائبهم ويسرع لهم في هواهم مثلما فعل الله مع محمد بن عبد الله ولكن بإمكانك أيضا أن تفتش عن الله والذي فيه تجاوزت الإنسانية مرحلة الوعيّ الطفولية عندما عرفته من خلال المسيح بأنه ليس إلا حبٌ.

أعتقد أني أجبتك بكل ما أريد أن أقوله وبصراحة لا أعرف شيء أكثر من ذلك حتى أضيفه.

لهذا الآب -الذي ذكرت لك- تتم مناجاتي ويخفق قلبي بالترنيم ويضحي مضجعه هو؛ وكم أنا شاكر جدا أن الله استعلن لي ذاته من خلال المسيح فأعرف الآب وتكون لي علاقة حميمة به. وعندما أقرأ الكتاب المقدس كما أفعل تقريباً يومياً فهو ليس كتاب التاريخ وليس كتاب النقد النصي وإنما كتاب الصلاة. أقرأ الآية وأحولها إلى مناجاة لله. المسيحية ليست عقائديات. لو كانت عقائديات لانقضى الأمر. المسيح قال: بيتي بيت الصلاة يُدعى. هدف المسيحية وهدف إيماننا هو الصلاة أو مناجاة الله والإلتصاق به.

مودتي.