{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
كيف انتصرت على القلق
كمبيوترجي غير متصل
أحن إلى أمي
*****

المشاركات: 5,154
الانضمام: Jan 2005
مشاركة: #25
كيف انتصرت على القلق
(4) عشتُ في حديقة الله (I Lived in the Garden of Allah)
بقلم R. V. C. Bodley
Descendent of Sir Thomas Bodley, founder of the Bodleian Library, Oxford
Author of Wind in the Sahara, The Messenger, and Forteen other volumes

في عام 1918و أدرتُ ظهري للعالم الذي كنت أعرفه واتجهت نحو شمال غرب أفريقيا لأعيش بين العرب في الصحراء، "حديقة الله". عشتُ هناك لسبع سنوات. تعلّمتُ أن أتحدث لغتهم. إرتديتُ ملابسهم، أكلتُ من طعامهم، وتقمّصتُ أسلوب حياتهم، والذي لم يتغير كثيرا خلال العشرين قرنا الماضية. أصبحتُ مالكا لخاروف ونمتُ على الأرض في خيام العرب. كما أنني درستُ ديانتهم بتفاصيلها. في الواقع، قمتُ لاحقا بتأليف كتاب عن مُحمّد، بعنوان "الرسول" (The Messenger).

تلك السنواتُ السبعُ التي قضيتُها مع رعاة الغنم المتجولين أولئك كانت أكثر سنوات عمري سلاما وسعادة.

كنت أمتلك مسبقا خبرة واسعة ومتنوعة: وُلدتُ من أبوين إنجليزيين في باريس؛ عشتُ في فرنسا لتسعِ سنوات. لاحقا تلقيتُ تعليمي في إيتون (Eton) والكلية العسكرية الملكية في ساندهيرست (Royal Military College at Sandhurst). ثم قضيتُ ست سنواتٍ كضابط إنجليزي في الهند، حيثُ لعبتُ البولو، ومارستُ الصيد، واستكشفتُ جبال الهيمالايا بالإضافة إلى واجبي كعسكري. حاربتُ خلال الحرب العالمية الأولى، بعد نهاية الحرب، تم إرسالي إلى مؤتمر باريس للسلام كملحق عسكري للوفد المفاوض. كنت مصدوما وأصبتُ بخيبة أمل عميقة مما رأيتُه هناك. خلال أربع سنواتٍ من المذابح على الجبهة الغربية، كنتُ أؤمن أننا كنا نقاتل لإنقاذ الحضارة. لكن خلال مؤتمر باريس للسلام، وجدتُ السياسيين بأنانيتهم يضعون اللمسات الأولى لحرب عالمية ثانية - كل دولة تحاول الحصول على أكبر نصيب ممكن من الغنائم، واضعين الأساس للضغائن القومية، ويعيدون إحياء عادات الدبلوماسية السرية.

كنت قد سئمتُ من الحرب، سئمتُ من الجيش، سئمتُ من المجتمع. للمرة الأولى خلال مسيرتي المهنية، قضيتُ ليالٍ من الأرق، قلقا بشأن ما الواجب فعله في حياتي. لويد جورج (Lloyd George) حثّني على الإتجاه نحو السياسة. كنتُ قد بدأتُ التفكير بجدية في نصيحته عندما حصل أمر غريب، حادث غريب لدرجة أنه حدد منحنى حياتي للسنوات السبع التالية. كل شيء بدأ بمحادثة دامت أقل من مئتي ثانية - محادثة مع تيد لورنس ("Ted" Lawrence")، "لورنس العرب"، أكثر الرموز شهرة ورومانسية التي أنتجتها الحرب العالمية الأولى. كان قد عاش في الصحراء مع العرب وقدّم لي النصيحة أن أخوض تلك التجربة أيضا. في البداية، بدت فكرة رائعة.

في جميع الأحوال، كنتُ مصمّما على ترك الجيش والحياة العسكرية، وكان يجب علي القيام بشيء ما. أصحاب الأعمال المدنيون لم يفضّلوا توظيف أناس مثلي - موظفون عسكريون سابقون من الجيش الإعتيادي - خصوصا في مع امتلاء السوق بالملايين من العاطلين عن العمل. لذلك قررت أن آخذ بنصيحة لورنس: إنطلقت للعيش مع العرب. وأنا سعيد لأنني قمتُ بذلك. لقد تعلمتُ منهم كيف أنتصر على القلق. مثل كل المسلمين المؤمنين، هم يؤمنون بالقدر وعدم القدرة على تغيير المقدر والمحتوم. هم يؤمنون بأن كل كلمة كتبها محمد في القرآن عبارة عن وحي إلهي من الله. لذا، عندما يقول القرآن: "الله خلقكم وخلق أعمالكم،" (لم أعرف ما هي الآية بالضبط لذلك قمت بترجمة النص حرفيا) هم يقبلون ما قاله حرفيا. هذا هو السبب الذي يدفعهم إلى التعامل مع الحياة بهدوء وعدم تسرّع أو عصبية عندما تسوء الأحوال. هم يعلمون أن القدر هو القدر؛ ولا أحد غير الله قادر على تغيير أي شيء من ذلك. مع ذلك، إيمانهم هذا لم يكن يعني أنهم لا يفعلون شيئا في مواجهة المخاطر والكوارث. لتوضيح الفكرة، دعوني أخبركم عن قصة عاصفة رملية حارقة وهائلة شهدتُها خلال حياتي في الصحراء. عصفت الرياح العاتية بالصحراء لثلاثة أيام متتالية بلياليها. كانت قوية وهائلة إلى درجة أنها قذفت برمال الصحراء لمئات الأميال قاطعة البحر الأبيض المتوسط وألقتها فوق وادي رون (Rhone Valley) في فرنسا. كانت الرياح حارقة إلى درجة أنني أحسست بالشعر يتساقط عن رأسي. حلقي كان جافا. عيوني احترقت. كانت أسناني مليئة بالتراب. شعرتُ بأنني أقف أمام فرن هائل في مصنع للزجاج. كادت العاصفة أن تقودني إلى حافة الجنون كما قد تفعل لأي إنسان آخر. لكن العرب لم يشتكوا أبدا، فقط قالوا، "مكتوب!" ("Mektoub!" :D) ... "مكتوب."

لكن مباشرة بعد انتهاء العاصفة، إنطلقوا نحو العمل بسرعة: قاموا بذبح كل الخراف لأنهم كانوا يعرفون أنها ستموت في جميع الأحوال بسبب آثار العاصفة؛ وبذبح تلك الخراف مرة واحدة كانوا يأملون بإنقاذ الخراف الأم. بعد ذبح الخراف، تم اقتياد ما بقي من قطعان الماشية جنوبا نحو المياه. كل ذلك تم فعله بكل هدوء، بدون قلق أو شكوى أو بكاء على الخسائر التي تكبدوها. شيخ القبيلة قال لي: "الوضع ليس بذلك السوء. ربما نكون قد خسرنا كل شيء. لكن لنحمد الله، بقي لنا أربعون بالمئة من خرافنا لنبدأ بداية جديدة."

أذكر حادثة أخرى، عندما كنا نجوب الصحراء على ظهر سيارة وانفجر أحد إطاراتها. لقد نسي قائد السيارة إصلاح العجل الإضافي. لذلك، كنا هناك في وسط الصحراء وسيارة بثلاث عجلات سليمة فقط. غضبت وتوترت وسألتُ العرب ما الذي سنفعله الآن؟؟؟. قاموا بتذكيري بأن العصبية لن تفيدني في شيء، أنها فقط سترفع حرارتي. العجلة التي انفجرت، قالوا لي، هي مشيئة الله ولا يمكننا القيام بشيء الآن حيال ذلك. لذلك انطلقنا، نسير في السيارة بثلاث عجلات وإطار عجلة حديدي. بعد ذلك توقفت السيارة فجأة. إكتشفنا أن الوقود انتهى! قال الرئيس وقتها بهدوء: "مكتوب!" ومرة أخرى، بدل الصياح في وجه السائق لأنه لم يأخذ احتياطاته للرحلة بشكل كافٍ، حافظ الجميع على هدوئهم وأكملنا المسيرة سيرا على الأقدام نحو وجهتنا، وكنا نغني طوال الطريق.

السنوات السبع اللائي قضيتُهن مع العرب أقنعنني بأن شعوب أمريكا وأوروبا التي تمتاز بالعصبية، والجنون، وكثرة الإدمان على الكحول هي نتاج الحياة المتسارعة والمجنونة التي نحياها في ما نطلق عليه اسم "حضارة."

طوال حياتي في الصحراء، لم أقلق بشأن شيء. وجدتُ هناك، في حديقة الله، الهدوء النفسي والجسدي المطلق، الحياة المتكاملة التي يبحثُ عنها كثيرون بتعب ويأس.

كثيرون يقللون من قدر الإيمان بالقدر والمكتوب. ربما هم على حق. من منا قادر على الحكم؟ لكن علينا جميعا أن نكون قادرين على التفكير في أن أقدارنا عادة تكون محددة ومكتوبة لنا مسبقا. على سبيل المثال، لو لم أتحدّث مع لورنس العرب بعد ثلاث دقائق من ظهيرة أحد أيام شهر أغسطس الحارة من عام 1919،لربما كانت كل السنوات التي تلت منذ ذلك الحين مختلفة تماما عمّا عشته. بالنظر إلى حياتي الماضية، أستطيع أن أرى كيف أنها تشكّلت وتحوّرت تبعا لأحداث خارجة تماما عن سلطتي. العرب يسمّون تلك الأحداث "مكتوب"، "قسمة" - مشيئة الله. سمّها ما شئت. ذلك الإيمان يفتعل العجائب. ما أعرفه أنني اليوم - بعد 17 عاما من ترك الصحراء- لا زلتُ أمتلك ذلك الهدوء الرائع في مواجهة المحتوم، مما تعلمته من العرب. تلك الفلسفة ساعدتني كثيرا في تحقيق الإستقرار النفسي والعصبي أكثر من ألف حبة مسكّن.

عندما تهب الرياح العاتية الحارقة على حياتنا -ولا نستطيع القيام بشيء لمنعها- دعونا أيضا نتقبل المحتوم. وبعد ذلك علينا أن نعمل ونعيد تجميع ما تحطم.
01-23-2008, 08:19 AM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-17-2008, 07:01 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة يجعله عامر - 01-17-2008, 07:41 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-17-2008, 07:44 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-17-2008, 07:53 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة يجعله عامر - 01-17-2008, 08:09 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة -ليلى- - 01-17-2008, 08:15 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة إبراهيم - 01-17-2008, 08:44 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة قودش - 01-17-2008, 12:21 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:03 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:12 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:15 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-17-2008, 02:18 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:22 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:24 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-17-2008, 02:30 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة بسام الخوري - 01-17-2008, 02:42 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة إبراهيم - 01-17-2008, 11:14 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة إبراهيم - 01-17-2008, 11:23 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-20-2008, 07:32 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة -ليلى- - 01-20-2008, 09:15 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة العلماني - 01-20-2008, 12:10 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة Nils - 01-20-2008, 11:31 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-21-2008, 08:57 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-22-2008, 12:41 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-23-2008, 08:19 AM
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-24-2008, 08:29 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة -ليلى- - 01-24-2008, 10:03 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-24-2008, 10:11 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-24-2008, 10:11 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة -ليلى- - 01-24-2008, 04:18 PM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-25-2008, 08:57 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة -ليلى- - 01-25-2008, 09:13 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-27-2008, 08:12 AM,
كيف انتصرت على القلق - بواسطة كمبيوترجي - 01-28-2008, 07:40 AM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS