مع احترامي للزميل العزيز عمر أبو رصاع في الكثير من تحليلاته، فأعتقد أنه في تحليله الحالي لدور حزب الله والوضع اللبناني يجانبه الكثير من الصواب، ربما لعدم معرفة لتفاصيل كثيرة تغيب عنه.
فمن المستغرب مثلاً أن يقول "نحن في لبنان نتكلم حصرا عن مقاومة حزب نصر الله"، وهذا سياسياً غير مفهوم، فلا يمكن الحديث حصراً عن قوة سياسية دون فهمها في سياقها ومحيطها الطبيعي السياسي والديمغرافي والاجتماعي ودور اللاعبين الآخرين على الساحة السياسية اللبنانية والإقليمية. فلو كان حزب الله ابتدع مثلاً، لا سمح الله، تركيبة طائفية غريبة عن جسد لبنان لكنا صدقنا وآمنا وسلمنا معه. ولكن لبنان بتعريفه طائفي، وهذا ليس انتقاصاً من لبنان، ولكن تركيبة كل القوى المؤثرة اللبنانية طائفية، فلا يوجد شيء اسمه علمانية في لبنان والكل من أصغر مواطن لأكبر سياسي مضطر للمرور بالطائفة لتحقيق مصالحه الحيوية. وحتى حزب مثل الحزب القومي السوري هو عملياً وفي تركيبته طائفي (مسيحي أرثوذكسي)، والتقدمي الإشتراكي (رغم الاسم الصاعق الماحق التقدمي العنيف) هو درزي. وكل القوى السياسية اللبنانية مرتبطة بالخارج بشكل أو بآخر ومنها من غير ارتباطاته بحسب الظروف (التقدمي الاشتراكي مثلاً الذي تحالف مع الفلسطينيين وضربهم، ومع سوريا وارتد عليها واليوم مع السنة والموارنة والسعودية وأمريكا وغداً ربما يرتد عليها.. الخ). وهذا أمر سيء ومأساوي بالتأكيد، ولكن حزب الله لم يبتدعه، هو من خلال هذا السياق استطاع من خلال الحيز المتاح له أن يشكل مقاومة فعلية وفعّالة حققت انتصارات، ورغم كل قوته الحقيقية التي يمكن أن ترعب أي طرف داخلي، فإنه لم يستخدم هذه القوة لمجابهة خصوم الداخل السياسيين، وكان عليه إجماع كبير لفترة طويلة من قبل أغلبية الأطراف اللبنانية وهذا ولعمري نادر في لبنان.
اليوم هناك بالتأكيد لعبة سياسية، يراد منها تحييد قوة كبيرة في لبنان، دون إيجاد حل سياسي حقيقي لتغير موازين القوى، وهذا مستحيل عملياً، فإما أن يتحول لبنان لغير لبنان الذي نعرفه، أي علمانياً، أو أن محاولة تحييد حزب الله تعني الرغبة بحرب أهلية حقيقية، وهذا ما شهدناه في كل حروب لبنان الأهلية التي أيضاً لم يبتدعها حزب الله، بل هي صارت (وليعذرني أصدقاؤنا اللبنانيين على هذا التجاوز) تقليداً لبنانياً منذ مجازر الجبل في القرن التاسع عشر ودخول فرنسا لتؤازر الموارنة على حساب الدروز. لبنان بلد حساس جداً ومبني على تركيبة طائفية عجيبة، و18 طائفة لا نعرف كيف تتحالف وتتناقض وأين ومتى، وأي اختلال بسيط داخلياً و/أو خارجياً يؤجج بؤر الصراعات فيها.
والحديث يطول.

خالص تحياتي.