ابن سوريا
يا حيف .. أخ ويا حيف
المشاركات: 8,151
الانضمام: Dec 2001
|
هل ستربح الولايات المتحدة الحرب في العراق؟
هذا المقال والذي سبقه هما عن الإناسة والحرب، للاستزادة حول دور علم الإناسة في الحرب عموماً، فيما ورد في مقال آلان غريش، وهما صادران في هذا العدد من اللوموند ديبلوماتيك.
في خدمة المستعمر
علم الإناسة، سلاح حرب؟
قبل أكثر من نصف قرن، وبينما كانت حرب الهند الصينية قائمة، والدخان لا يزال يتصاعد من خرائب مجازر سطيف (1945) ومدغشقر (1947)، طرح عالم الإثنيات والإناسة ميشال ليريس على نظرائه الفرنسيين [1] السؤال التالي: "ماذا، أو بالأحرى، من نخدم؟" [2] درءاً لأيّ وهم، إن بقيَ هناك من وهم، أوضح أنّه كان بالطبع من المستحيل الانفكاك عن الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة. لاحقاً، دخل المعارضون للهيمنة الغربية على العالم - ولأكثر أشكالها عنفاً، حرب فيتنام - في سجالٍ محتدم بعض الشيء حول استخدام علم الإناسة كتبريرٍ أو، بشكلٍ أسوأ، كخلفيّةٍ لهذه السياسات. "كان زمنٌٍ يفتقد إلى العقل(!)" حيث كان المثقفون يسمّون الأشياء بأسمائها: فالعددين الخاصّين من مجلة "الأزمنة الحديثة"، ومن ثمّ كتابٌ تم تحريره من قبل جان كوبانز، كان قد اختاروا العنوان نفسه: "الانتربولوجيا والإمبريالية" [3].
لكن في فرنسا، بلد التقليد الاستعماري العريق، يجب العودة الى زمنٍ أبعد أيضاً. فهل لاحظنا ما فيه الكفاية بأن الأنتربولوجيا الإستعمارية التطبيقيّة على أرض الواقع، كانت، في التسلسل الزمني، بدءاً من فعل العسكريين؟ بهذا المعنى، وتكراراً لجملةٍ شهيرة، استخدم علم الأناسة، بدايةً، لشنّ الحروب. لكن، سواء كان الجنرال ملكيور دوما (الجزائر) أو الجنرال لوي فيديرب (السنغال)، أو الجنرال غالييني (تونكين) أو الكولونيل لويس هوبير غونزالف ليوتيه (مدغشقر)، أو عشرات العسكريين الأقلّ شهرة، من المكاتب العربية إلى الضباط المخوّلين الشؤون المحليّة، فاللائحة طويلةٌ لهؤلاء الرجال الحريصين على إرساء السيطرة الفرنسية وفق مبدأٍ آخر غير القوّة - أو بالأحرى، على القوّة مضافاً إليها شيئاً آخر. لكن ما هو هذا "الشيء الآخر"؟
نجد الجواب اللامع بقلم أشهر المثقفين-الجنود، غالييني. فكيف نتعرف على الضابط الاستثنائي؟ عندما لا يضع الجانب العسكري فوق كل اعتبار. إذ يؤّكد قائلاً: "الجهود الأولى لكل قيادة مناطقيّة" يجب أن تنصبّ على "دراسة الأعراق" و"الكراهيات" و"المناحرات" التي تتواجه فيها هذه الأعراق: "الضابط الذي ينجح في رسم خارطة إثنوغرافية دقيقة للمنطقة التي يأمرها يكون قد اقترب من إحلال السلام الكامل فيها، يليها إرساء شكل التنظيم الأكثر ملائمةً". وفي المحصّلة، "كل عملٍ سياسيّ في المستعمرات يجب أن يقوم على التمييز والاستفادة من العناصر المحليّة القابلة للاستخدام من أجل تحييد أوتدمير العناصر غير القابلة لهذا الاستخدام" [4]. فهل كان أخصائيّو هذه الحقبة يسيّرون... أو يتبعون... أو عملاءً للسلطات الاستعمارية ؟ الجواب لا يمكن أن يكون حاسماً بعكس ما ترمي إليه جدالات السبعينات. وهذا ما يشكّل كل تناقض العلم في هذه الفترة التي زالت. ففي عبارة "معرفة استعمارية" هناك بالطبع كلمة "استعمارية"، ولكن أيضاً هناك "المعرفة"، و هي "معرفةٌ رغم كلّ شيء"، كما كان يقول فيرنان بويون.
بالطبع، بعد إنجاز السيطرة، لا تعود علوم الأناسة والسلالات حكراً على العسكريين. وبالطبع، هناك رجال بحثٍ صارمين أرادوا ونجحوا في إنجاز أعمال علمية حقيقية. حتى أن البعض منهم قد واكب اعتراض السعوب المستعمَرة و/أو القلّة من أبناء البلدان المستعمِرة المناهضة للمنظومة.
يبقى أنّه، وخلال ذروة ازدهار السلطة الاستعمارية، تمّ استخدام أعمال غالبية المتخّصصين، من قبل السلطة، لصالح سياسةٍ محدّدة تقوم على استرجاع المقولة القديمة "فرِّق تسُد". وارتكز أصحاب القرار دائماً وأبداً على الخلافات التي درسها العلماء بدقّة: البربر/القبائل ضد العرب في بلاد المغرب، الأناميين ضد المجموعات العرقية الأقلويّة و/أو ضد الكمبوديين في الهند الصينية، الهوفاس ضد الميريناس في مدغشقر، دون التطرّق الى التفتت الإثني في إفريقيا السوداء... لا أحد قادرٌ على الادّعاء أن هذه الانقسامات كانت اصطناعية بالكامل، لكنها مثّلت المعين لـ"سياسات الأعراق". بالملموس، تمّ استخدام هذا التنوع الإنساني والإثني في المجتمعات المسيطر عليها لأغراض تقسيمٍ دائم.
* مؤرّخ، آخر مؤلفاته Histoire de la Colonisation : Réhabilitations, falsifications et instrumentalisations, co-dirigé avec Sébastien Jahan, Les Indes Savantes, Paris, 2007
[1] تعني "الانتربولوجيا"، في التقليد الفرنسي، الدراسة الفيزيائية للأفراد ويستخدم عموماً تعبير "علم السلالات".
[2] Les Temps Modernes, août 1950
[3] Les Temps Modernes, n° 253-254, 1970, puis 299-300, 1971 ; ouvrage de Jean Copans, Paris, François Maspero, 1975
[4] Trois colonnes au Tonkin (1894-1895), Paris, Chapelot, 1899
|
|
03-07-2008, 05:08 PM |
|