أولاً أحيي خوليو على طرحه الموضوع بهذه الطريقة المبسطة.... رغم أنني كنت أتوقع -أو لربما أتمنى - طرحه للرأي التحليلي النفسي سواء فيها يتعلق بالجنس ككل أو فيما يتعلق بالطوطم والحرام بشكل خاص

على كل حال سأطرح نقطة بسيطة أضيفها من باب تحليلي نفسي (بالنيابة عن صديقي وعزيزي خوليو) عسى أن تؤثر في سير الموضوع... فأنت - من وجهة نظر التحليل النفسي - عندما تصحو في داخلك شهوة نحو أنثى فإنما أنت تشتهي أمك، أي أن ما يؤثر فيك هو اشتراك بين هذه الشخصية وبين شخصية الأم التي انطبعت طفولياً عليك.... وأنت ترى في هذه الأنثى تلك الأم التي اشتهيتها منذ الصغر. وبالمقابل فإن نفورك أو ابتعادك عن التفكير جنسياً بفتاة أخرى تحبها وتحترمها مردّه أيضاً إلى أنك تحاول تصعيد العلاقة كي تبتعد عن اشتهاء تلك المرأة لأنك (مجدداً) ترى فيها أمك.... لا أتوقع من الغالبية تقبل هذه الفكرة (عقدة أوديب) خصوصاً إذا كانوا جديدين على التحليل النفسي لكنني أثق تماماً أن هناك جزءاً ولو صغيراً من التصديق المبدئي يمكن أن ينشأ لدى القارئ... فنحن نعرف أن الانطباعات التي تتكون في السنين الخمس الاولى من عمر الطفل تعمّر إلى الأبد... وبالتالي فإن الأم في نظر الطفل ستشكل مفهومه عن كل أنثى في الوجود كما سيشكل الأب مفهومه عن كل ذكر في الوجود... وبين هذا وذاك سيكبر الطفل ويشبّ ويترعرع دون أن يزول أثر هذا التصوّر الطفولي لمفهوم الذكورة/الأنوثة من منطلق رؤيته للأب/الأم.... سيقضي حياته واضعاً صورة الأب (الذكر) القوي الحكيم كمثل أعلى يحتذى به من جهة، بينما تجب محاربته من جهة أخرى لأنه يمتلك الأنثى (التي تمثل الأم رمزها).

إنما كي لا نخرج عن الموضوع أظن أن خوليو قصد فكرةً أخرى تماماً. فهو لا يتحدث عما إذا كان تحريم زنا المحارم مقبولاً أم لا ولا يستهجن التحريم في ذاته، بل هو يتحدث عن تشويه للحقائق قام به الدين بشكل أساسي.... فتحريم زنا المحارم موجود ميثولوجياً منذ القديم، وبنيت عليه الكثير من الأساطير التي تنتهي في مجملها بالويل والثبور وعظائم الأمور... أما أن يأتي الدين كي يعلن أنه - كما هو دائماً- الناطق باسم الفطرة الإنسانية، ويقول إنه يحرم ما تأباه الفطرة بالأصل... فهو محاولة ساذجة لتسمية الأشياء بعكس مسمياتها بالضبط (الأمر الذي انطلى على مليارات) وهذا بالضبط مربط الفرس... لا قبولنا للتحريم من عدمه.

إن القول بالفطرة الإنسانية لزنا المحارم يتناقض مع اساطير مثل أسطورة قايين وهابيل الذين كانت الشريعة تطالبهما بالزواج من أختيهما (وهذا يفترض بالتالي أن الشريعة تطالبهما بعمل مناقض للفطرة الإنسانية جدلاً) لكننا في سياق الأسطورة سنجد أنها تتحول لتجعل من زواج قايين من أخته عملاً محرماً مخالفاً للشريعة ومقترناً بقتل الأخ الطيب المؤمن في النهاية بل وربط هذا الفعل بأول دم يسيل على الأرض.

من ناحية أخرى يمكن أن نربط مفهوم "الشرف" الذي يمثله الغيور على أمه وأخته بفكرتين اثنتين.... الأولى تمثل ما يشبه مجاهدة النفس، فمن يحافظ على أمه وأخته أو يدافع عنهما باستماتة هو في نظر المجتمع (شريف) فإذا قارنّا الفكرة بشخص آخر يتمنع عن الزنا بامرأة غريبة لوجدنا أن ذلك الشخص أيضاً يوصف بأنه (شريف).... العنصر المشترك في رأيي - ولو كان ذلك لا واعياً- سيكون مغالبة النفس أمام المتعة الجنسية اللذيذة المحرمة في آن معاً

الفكرة الثانية هي ما عبّر عنه خوليو بعدم حضور أهل العروس لزفافها في بعض المجتمعات (رغم ضخامة الحدث) مما يربط الموضوع بكون الغريب يحصل - بكل سهولة- على ما حرم الأخ أو الأب نفسه منه بكل شرف واستبسال.... وبالتالي لن يستطيع ذلك الأب أو الأخ أن يتفرج على ذلك الغريب وهو يأخذ تلك الفتاة مصحوباً بالتهليل والتصفيق. هناك شهوة في داخله تفترض أن الجميع مثله يشتهي تلك الأنثى لكنه يعرف أنه لن يحصل عليها، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من الحالات حيث يرفض الأب تزويج ابنته بحجة أنه ما يزال يتحين الشخص المناسب، بينما هو يحتفظ بها لنفسه.

على كل حال أحاول ألا أدخل في تفاصيل التحليل كي يبقى الحوار كما اراده صاحبه محتقظاً بالأرضية المشتركة... لكنني أرى أن أفضل وأجمل الأفكار التي طرحت كانت فكرة فريزر: "الفطرة الإنسانية لا تحتاج إلى تعضيدها بقانون"... رغم أن النقاش حول مفهوم الفطرة الإنسانية ما يزال ساخناً منذ قديم الزمان، ولم يتوصل بعد لنتيجة يمكن الاتفاق عليها بالمطلق

تحياتي للجميع
نائل