قصة «إسلام»

GMT 2:45:00 2008 الجمعة 18 أبريل

الوطن القطرية



--------------------------------------------------------------------------------


مازن حماد

أقل ما يمكن أن يقال عن حرمان طفل في التاسعة من المشاركة في برنامج تليفزيوني، فقط لأن اسم الطفل هو «إسلام»، أنه فعل قذر وممارسة عنف حقيقي وذي طبيعة عنصرية مقيتة ضد الطفولة وضد الدين الإسلامي في كل مكان.

حدث ذلك في باريس، عندما ذهب «إسلام» برفقة أمه فرح إلى مقر قناة «غولي» التليفزيونية في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية، تلبية لدعوة وجهت للطفل للظهور في برنامج تسلية للأطفال، حيث فوجئت الأم بسيدة من إدارة القناة تقول لها إنه لا يمكن لابنها أن يشارك في البرنامج باسمه (إسلام)، بحجة أن حمل هذا الاسم لدى الأولاد يماثل ارتداء الحجاب بالنسبة للفتيات!

وليس هذا فقط، بل جاء إلى الأم فرح موظف آخر من القناة ليصب الزيت على النار، قائلا لها إنه يمكن لابنها أن يشارك في البرنامج إذا غيَّر اسمه،مقترحا عليها محمد أو سفيان، ومضيفا أن الإسلام ليس دينا محبوبا في فرنسا.

وكان من الطبيعي أن يرفض بلال، والد الطفل، وأمه فرح تغيير اسم طفلهما، ويقررا رفع دعوى ضد القناة الفرنسية، فالقانون الدولي الذي يساندهما يلزم السلطات الرسمية في الدول بتجنب الإكراه في قضايا الحرية الدينية، وهو التزام يجب أن يؤخذ بالاعتبار، عندما تتعلق المسألة بإجبار صبي مثل «إسلام» على عدم المشاركة في برنامج تليفزيوني لأن اسمه يذكر المشاهدين بدين «يكرهونه»، كما يجب أن يؤخذ هذا الالتزام بالاعتبار، عندما يتعلق الأمر بإجبار المسلمات على عدم ارتداء الحجاب.

ويقول القانون الدولي أيضا إن بإمكان الدولة أن تقيد الممارسة الدينية إذا مثلت اعتداء على حقوق الآخرين، أو إذا كانت هناك أسباب قاهرة لها صلة بأمن المجتمع، غير أن اسم «إسلام» لا يمثل اعتداء على حقوق الآخرين، ولا تأثير سلبيا له على أمن المجتمع.

لكن لفرنسا الرسمية قصة طويلة وكريهة مع الإسلام، خصوصا عندما أصدرت جمعيتها الوطنية عام «2004» تشريعا يمنع الفتيات من ارتداء الحجاب في المدارس، وما التجربة التي خاضها الطفل إسلام ووالده الجزائريان إلا امتداد لذلك التشريع السيئ الذي لا يمثل اعتداء على الحرية الدينية فحسب، ولكن على الحرية الشخصية أيضا.

ولا بد من التذكير بأنه بعد حرب الاستقلال الجزائرية في الأعوام «1957- 1962»، زاد تعداد الجاليات الإسلامية في فرنسا، وأصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في تلك الدولة الأوروبية بعد الكاثوليكية، ووصلت نسبة المسلمين الفرنسيين في الثمانينيات إلى «8%» وربما زادت الآن إلى «10%».

وفي عام «1989»، ظهرت قضية الحجاب إلى العلن عندما طردت ثلاث فتيات مغربيات من مدرسة باريسية لرفضهن خلع الحجاب. وأحدث الجدل المرافق لتلك القضية حالة استقطاب ضد الجالية المسلمة، إلى أن صدر تشريع يحظر الملابس التي «تستفز أو تهدد»، النظام التعليمي. غير أن تسمية الحجاب بالاسم لم تتم إلا قبل أربع سنوات، عندما حظر البرلمان ارتداءه في المدارس الرسمية.

ولأنه يستهدف فئة بعينها، وهي الفتيات المسلمات، فإن الإجراء الفرنسي وصم بالعنصرية، وإنْ حاول أن يعمم القضية لتشمل منع ارتداء الصلبان «ذات الأحجام المبالغ فيها»، أو إطلاق اللحى ذات التعبير الديني، غير أن ارتداء الحجاب ليس علامة تعبير عن الدين بل فرضا واجبا على المسلمة، كما أن اختيار الأهل لأسماء أولادهم لا يجوز أن يكون موضع احتجاج إلا إذا كان الاسم منافيا للذوق العام أو فيه إسفاف أو تهجم على أحد.

لكننا نود أن نسأل: ماذا كان سيحصل لو تجرأت محطة تليفزيون عربية على رفض استضافة طفل، لأن اسمه «كريستيان»، أو طفلة لأن اسمها «كريستينا»، علما بأن الترجمة الحرفية لاسم «كريستيان» هي مسيحي، تماما مثلما أن الترجمة الحرفية لإيهود هي يهودي؟!

في النهاية نقول إن الخوف من الإسلام أو «الإسلاموفوبيا» هو شبح غذته الحرب على الإرهاب التي جعلت كل مسلم إرهابيا إلى أن يثبت العكس.