ليس مهماً أن تقتنع يا "ابراهيم"، فرأيي مجرد رأي له وجاهته ودعاماته، وهو قد يقنع البعض وقد لا يقنع البعض الآخر.

بالمناسبة، قصة التسمية هذه، وهل تراثنا هو عربي أم إسلامي واجهها أكثر من مؤلف في تاريخ الفكر العربي، ولعله يحضرني كتابين بهذه المناسبة هما كتابا الدكتور ماجد فخري من ناحية والأب الدكتور حنا الفاخوري بمعية الأستاذ خليل الجر من ناحية أخرى. فهؤلاء كانوا قد تصدّوا لتاريخ الفلسفة عند العرب والمسلمين، فأطلق الدكتور ماجد فخري على كتابه اسم "الفلسفة الإسلامية" معتبراً أن "الإسلام" هو الفاعل الأساسي في "لعبة الفكر" في تلك العصور. بينما جنح الدكتوران "حنا الفاخوري وخليل الجر" إلى اطلاق تسمية "الفلسفة العربية" على مؤلفهما المشهور، حيث يعتبران أن اللغة العربية هي الوعاء الذي يجمع هذه الأفكار. ثم رأيت الدكتور "جميل صليبا" يتبع "حنا الفاخوري وخليل الجر" في مذهبهما، فيسمي كتابه الضخم في هذا الشأن "بتاريخ الفلسفة العربية". .

مع هذا فلا "ماجد فخري" يستطيع أن يزيح "القناع" العربي لهذه الحضارة، بصفة عامة. ولا غيره يستطيع أن ينكر دور الإسلام المحوري في صقل هذه الحضارة وتهذيبها. لذلك أرى بأن صفة "عربية إسلامية" هي صفة تحيط أكثر بجوهر الفكر الذي كان سائداً في ذلك الوقت.

-----

ما هي معالم الحضارة العربية الإسلامية اليوم؟

سوف أجيب على سؤالك بسؤال يقول: ما هي معالم "الحضارة اليونانية" اليوم؟
أعتقد بأنك عندما تجيب على سؤالي سوف تجد جواب سؤالك. بل و تستطيع أيضاً أن تعود إلى المداخلتين اللتين كتبتهما وتقرأهما ثانية ففيهما الكثير من المفاتيح للجواب على هذا السؤال. ولكن باختصار أستطيع أن أقول أن "معالم الحضارة العربية الإسلامية" هي "الانجازات المادية والروحية"، "الأدبية والعلمية" والاجتماعية التي حققها العرب والمسلمون على مر تاريخهم (خصوصاً في تلك الحقبة الفذة التي تمتد بين القرن الثامن والثالث عشر الميلاديين). أي جميع الانجازات في "فن العمارة" والإضافات الفكرية للفلاسفة والأدباء والعلماء والمؤرخين والجغرافيين (الطبري والمسعودي وابن بطوطة والإدريسي وغيرهم) والموسيقيين العرب والمسلمين (الذين كتبوا بالعربية) على مر العصور. إنها "لغتنا الجميلة هذه" التي نتواصل بها الآن ونودعها أفكارنا وعواطفنا وأحلامنا. إنها "لزوميات" "أبو العلاء" وصوفية "ابن عربي والحلاج". إنها "القانون في الطب" لابن سينا و"شروح ابن رشد" وجميع تراث "العلماء العرب" الذي رفد "حضارتنا الحديثة اليوم" وأضاف إلى نهرها وزخمها وقوة اندفاعها. إنها "المقامات العربية" واستقبالك للفجر مع "طلعت يا محلا نورها .. شمس الشموسة" ورقادك وأنت تقرأ كتاباً هادئاً لميخائيل نعيمة. إنها غراميات "امريء القيس" في "يوم دارة جلجل" واعتذاريات "النابغة الذبياني" "للنعمان". إنها آيات القرآن الكريم والكثير من الحكم في الأحاديث الشريفة التي أثرت وتثري روح أكثر من مليار شخص في العالم كل يوم. وفي نفس الوقت هي "مجون أبو نواس ووالبة بن الحباب" وبديع "أبو تمام وعبدالله بن المعتز" وأنفة "المتنبي" وشموخه وعنفوانه. إنها ما أعطت "ألف ليلة وليلة" للغرب من امتدادات وشطحات (قد نجدها اليوم في آخر افلام "والت ديزني"). وما أعطت أجيالنا قصص "عنترة والزير سالم وتغريبة بني هلال" من ليالي سمر وحياة اجتماعية حافلة مميزة. وهناك بعد الكثير، فمعالم هذه الحضارة تتشكل فينا كل يوم وتمدنا وترفدنا بالكثير كي نصنع حاضرنا ونصنع غدنا على الصعيد المعرفي والروحي والثقافي. وهي من هذه الناحية لا تقارن "بهرم خوفو" و"سور الصين العظيم" أو غير هذا من معالم الحضارات القديمة.

(f)

واسلم لي
العلماني