نصـوص لم تكــــــــتمـــل
1
-اللحظة التي أسميها الجسد
نحن البشر الموؤودون
نحن الجثث العرجاء
والديدان التي تتماوج صوب نفسها
قال لي أبي الذي مات
-جسدك الآن تاريخ طويل, وكل حركة من حركاته مشبعة بالإشارة, لكن لا تنطق قبل أن تمتلئ بالزمن..حينئذ تكون الكلمة التي لا تصف بل تخلق.
ما الذي كان يريده؟.. لم أعرف!.. وعندما انفجر الخلاف بيننا ذات يوم, غادرت البيت.. عملت وقتها في مكان غريب للغاية.. في قبو هائل.. يحتوي على أرشيف أحد مؤسسات الإسكان الكبرى.. مع أربعة من الموظفين الغرائبيين.. كان أحدهم محققاً سابقاً, وظل يمارس آلية التحقيق في حواراته مع الآخرين رغم أنه تقاعد من الخدمة. الثاني عجوز من خيالة الدرك يحتقظ بأربع زوجات بشكل دائم ولا يوقف أحاديثه الجنسية الفاضحة عن زوجاته بالرغم من كبر سنه.. الثالث كان ضابطاً سرح من الخدمة العسكرية لأنه تخاذل في أحد المعارك.. والأخير كان فتى في السادسة عشرة من عمره, عليه أن ينفذ طلبات الأخرين في صنع القهوة والشاي.. كان شبه مختل, وكان حلمه الوحيد في الحياة أن يمتلك مسدساً.. ولقد استمر هذا الكابوس ثلاثة أشهر..خرجت من القبو وكنت أريد الشمس.. بعد هذه التجربة القاسية كنت أمشي على الأرض وأحس بهشاشتها وأخاف أن تبتلعني من جديد في اية لحظة.. تجاوزت الجوع والبرد وكنت قريباً جداً من الألم.. كنت أقاوم شيئاً واحداً... الطاعة.... لم أكن قادراً أن أطيع أحداً.... وكنت أطور نزعة خاصة بي تتلخص بإنهاء وجود هذا الجسد على هذه الأرض عند الإحساس بالعجز أو الشعور بالإهانة التي يسببها وجوده... وكانت فكرة الانتحار تمنحني قوة وشجاعة على مواجهة كل الآلام القابلة للانتهاء...كانت تمنحني القدرة على تطوير وعي متحرك لا يؤثر على طاقتي, بل يطورها... منحتني الفكرة جرأة عالية واتجاهاً إلى التكثيف...
الجسد متحرك لا شك بوجوده أو في سيره إلى فنائه... لكن التسمية ما هو غير مؤكد, إنجاز غير نهائي.. لذلك قد تكون أية كتابة عن الجسد نوعاً من الأدلجة.. تصور قد يحيله إلى حالة الطاعة في وقت أريد له أن يتحرك كونه جسداً مشتركاً.. قبلياً.. كما تريد أن تحدده أية هوية صغرى لتؤكده في حالة الطاعة, أي في حالة لا وجوده.. والجسد جديد دائماً, ولهذا فهو في حالة اختلاف دائم مع السلطة... لأن آلية السلطة قديمة مهما كانت تسميتها الجديدة.... كانت المسافة بين تسمية وأخرى واضحة لي, فالجسد المعاش بلا تسمية, وهذا الحال يحرره ويفنيه في ذات الوقت.. لكن الجسد الرمزي طاقة ومعوق في نفس الوقت.. الجسد المعاش ينتمي إلى الرمزي يكتسب منه طاقة ما ويعتقل فيه.. الجسد الرمزي المعرٌف يكون جسداً مشتركاً وموجهاً ومراقباً يتمصن الجسد المعاش معتقلاً فيه.. الجسد الرمزي أبدي والجسد الفردي غير المسمى فان ومؤقت..
كان السؤال.. كيف تم إنتاج الجسد الرمزي؟؟ بأية آلية؟.. ما هي طبيعة السلطة التي أقرته؟ إلى أي حد يحمي الفرد, إلى أي حد يعتقله؟.. وكنت دائماً ميالاً إلى ممازجة التحولات الديونوزيسية مع النظام الأبولوني.. اقدر ضرورية النظام المعرفي المؤسس ولكنني أؤكد على حرية الأنا في وجودها الآن \هنا وبالتالي تجاوزه.. ولأن الأنا جسد في الخارج فهو الذي سيغير أو...
لكل جسد هدف واتجاه... الهدف هو اللذة.. والاتجاه هو الموت.. وهذا الهدف والاتجاه متناقضان إلى الأبد! فاللذة سوف تحاول المحافظة على النوع في مواجهة الموت, وهي بذلك تخلق الحشد... وهي أيضاً سوف تحاول تحدي الموت وتجاوزه وهي عند ذلك تخلق الفن الذي سيتناقض مع الحشد أيضاً الذي سيخلق السلطة في مواجهته للموت.. وستتناقض السلطة مع الفن أولاً ومع الحشد تالياً عندما تنفصل عنه... مع الفن لأن قدرته على اللعب سوف تتجاوز إمكانياتها كآلية تحكم, ومع الحشد لأن تحولاته ولو بفعل الدبيب أقوى بكثير من وهم وجودها الثابت... لهذا أنتجت السلطة آلياتها التي سوف تعيد إنتاجها بشكل أبدي.. وكأن نيتشه يقصد بالعود الأبدي.. العود الأبدي لذات السلطة, وليس لذات الكائن... إلا إذا كانت الطاعة هي الآلية التي تنتج السلطة.. وفي هذه المتاهة المتتالية سيأتي من يقول.. أين جسدي؟...أين ذهبوا بجسدي؟؟... وسيراه في لحظة ما معلقاً ومصلوباً في عود أبدي على اخشاب السلطة الأبدية!...
الجسد عند كافكا قابل للتحول إلى صرصار... تلك الحشرة المنزلية التي يمكن أن تداس بلا أي شعور بالخوف أو بالذنب منها أو عليها... إنها حشرة ضعيفة تلوث الأغذية التي يحتاجها الجسد من أجل البقاء وهي تأتي من جحور البيت المظلمة متطفلة على حيواتنا..لكن هذا الجسد الذي تحول إلى صرصار كان يعي كل شيئ حوله كإنسان.. هذا مخيف .. لكنه مؤثر وحقيقي.. وفي المحاكمة يموت الجسد ككلب على الرصيف.. أيضاً هذا مخيف........ ومؤثر وحقيقي... إذ ثمة مسافة ما بين الجسد كحواس اتصال تنتج البقاء في النوع وتحايث الفعل, وما بين الجسد كوعي ينتج الفن ليحرر الحواس ذاتها من رؤيتها السابقة..
مع كافكا عليك أن تحس كصرصار لتتجاوز إلى الإنسان بعد الانتهاء من قراءته... هل يكون الفن مقنعاً إلى هذا الحد.. ما هي الحقيقة؟ هل نعيش حقاً في أجسادنا؟؟ أم أننا نتصور ذلك؟؟
يقول نيتشه.. وهل يملك الإنسان شيئاً مؤكداً أكثر من امتلاكه لجسده؟؟ .. ورغم هذا يأتي من يقول.. اين جسدي؟.. أين ذهبوا بجسدي.. أين أجد جسدي؟؟.... وهذه ليست تساؤلات فلسفية يمكن تقديرها.. فالموضوع لن يتوقف عند هذا الحد.. أحدهم يطلق تساؤلاً مثيراً زوبعة حول تساؤله.. ويتبعه آخرون.. وتنشأ قضية..... والقضية هذه المرة هي الجسد.. ثمة ما يحاك ضد هذا الجسد .. ودون الانتباه إلى أن أية قضية يمكن أن تتحول إلى قضية قبلية ستجد أضدادها وتدينها قبلياً أيضاً..إذ تنشأ القضية في مناخ قبلي, يمكن أن تكون الكتابة في أيضاً كتابة قبلية.. وهذا مؤسف.. فسرعان ما تنشأ تيارات شعرية وآراء وروايات وقصص تدافع عن قضية.. وهذه المرة.. الجسد!.. تدافع عن تصور جديد.. عن قبلية جديدة..
أقول مع نيتشه أن الإنسان لا يملك شيئاً مؤكداً أكثر من امتلاكه لجسده.. ولكن تصوراته جعلته منفصلاً أيضاً إلى حد أن يضطر لقول هذا... فاستئمار فكرة الخطيئة والجسد الملوث بالخطيئة جعلته فيما بعد جسداً معلقاً, مصلوباً, او جسداً ساجداً, يحج إلى دورانه الدائم حول الفكرة , وبالتالي جعلته جسداً مؤجلاً وموعوداً بالتتحقق, عليه الانتظار والالتزام في آلية الطاعة التي تنفي الجسد الآن لتؤكد السطلة أبداً... لقد أصبحت مهمة السلطة أكثر سهولة! فهذا الجسد معاقب قبل أن يولد وليس عليها إلا أن تنفذ الحكم.. إنه ضحية يبحث عن محاكمته ويقبل بجلاده... لقد كان كافكا كاشفاً وحقيقياً إلى أبعد حد...
ولكنني أعود وأتساءل.. كيف لا تكون الكتابة عن وبالجسد كتابة قبلية؟ سيبقى هذا السؤال محافظاً على جدته زمناً طويلاً على ما أرى......
الجسد في مجتمعات الأطراف هو غير الجسد في مجتمعات المركز... الجسد في مجتمعات لم تلب حاجاتها الأساسية هو غير الجسد في مجتمعات الوفرة.. الجسد في مجتمع تخلق فيه الحاجة سلعتها.. هو غير الجسد في مجتمع تخلق فيه السلعة مستهلكها.. في المجتمع الأول الجسد محافظ وأصولي ولكنه يحاول الانفلات.. وفي الثاني الجسد مزاجي بعد دخوله في مرحلة التذوق والاختيار والحساسية ولكنه يميل إلى المحافظة , لهذا تحاول السلطة في المجتمع الأول استثمارطبيعته المحافظة و.. وفي المجتمع الثاني على تعزيز الميل إلى المحافظة.. في المدتمع الأول تكون المتعة واللذة امتيازاً لسلطة تخشى التحول إلى مجتمع الوفرة لأنها تشعر بأن وجودها لا تؤكده المسؤولية بل الامتياز... في مجتمعات الوفرة تكون حرية التذوق أقوى بكثير من أية كليانية تمارسها السلطة.....
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 05-04-2008, 11:58 AM بواسطة skeptic.)
|