فكرة الدولة المدنية استناداً على نصوص إسلامية.
[ موضوع متواضع عن الدولة المدنية في الإسلام مستند لنصوص قرآنية و نبوية و أدبيات حركات و بعض المفكرين الإسلاميين غير التقليديين , و هو اجتهاد شخصي فإن أخطأت فلي أجر و إن أصبت فلي أجران و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم]
إن مسميات [دولة علمانية] و [ دولة إسلامية] هي مسميات لن توصل النقاش لأي نتيجة و سيبقى النقاش عقيماً فهذه العناوين تطرح منذ عشرات السنين و لا جديد.
سأتحدث هنا عن الدولة المدنية و أثبت عدم تعارضها مع جوهر الدين الإسلامي.
((الخلق كلهم عيال الله و أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله)) حديث شريف.
((كلكم لآدم و آدم من تراب)) حديث شريف.
لنحاول فهم ما سبق بدون أحكام مسبقة أو آراء فقهية عفا عليها الزمن.
هذه النصوص تكرس مبدأً أساسياً من مبادئ الدولة المدنية هو : مبدأ المواطنة.
فجميع أبناء الدولة على اختلاف أديانهم و أفكارهم و اعتقاداتهم هم أولاً و أخيراً
مواطنون متساوون في الحقوق و الواجبات و أمام القانون , فلا يجب أن يكون هناك مواطن درجة أولى و مواطنون درجة ثانية و ثالثة و...
كل أبناء الطوائف و الأحزاب هم شركاؤنا في هذا الوطن [ لهم ما لنا و عليهم ما علينا]
و هذا ما يقبله العقل السليم و الفطرة السليمة التي لم تبرمج عقليات أبنائها على :
[ شعب الله المختار] , [ أبناء الله و أحباؤه], [ خير أمة أخرجت للناس].
((و أمرهم شورى بينهم)) آية قرآنية.
((و شاورهم في الأمر)) آية قرآنية.
كذلك بتجاوز الفهم الفقهي المسيس في زمن بني أمية و من جاء بعدهم أن الشورى معلمة و ليست ملزمة , فإن هذه النصوص تكريس لمبدأ ثان من مبادئ
الدولة المدنية : الديمقراطية.
فلكل مواطن حرية التعبير عن رأيه مهما كان هذا الرأي , و هكذا تتكون الأحزاب و ينشأ الحراك السياسي الفعال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
((لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)) آية قرآنية.
يكرس هذا النص مبدأً ثالثاً من مبادئ الدولة المدنية هو مبدأ حرية العقيدة.
يقول الشيخ المستنير و داعية اللاعنف جودت سعيد :
(( ( لا إكراه في الدين )
والآن نريد أن نوضح أن كلمة لا إكراه في الدين هي الرشد ، وأن الإكراه في الدين هو الغي ، فالجملة الثانية شرح وبيان للجملة الأولى ، فجملة ( لا إكراه في الدين ) بها تبين الرشد من الغي ، فالإكراه هو الغي ، واللاإكراه هو الرشد ، وكذلك الجملة الثالثة تفسير وبيان للجملتين السابقتين . ( فَمَنْ يكفُرْ بالطّاغوتِ ) الذي هو الإكراه ، ومن يفرض دينه بالإكراه ، ومن يؤمن بالله الذي يقرر أنه لا إكراه في دينه وفي الدين كلياً ، فمن التزم هذا فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .
وهنا نكون قد وصلنا إلى فكرة كبيرة جوهرية ، هي أن الدين لا يجوز نشره بالقوة والإكراه والدين هو تفسير الكون ، أي الوجود كله بما فيه الإنسان . وعلاقة الإنسان بالوجود وبالناس الآخرين هي المبدأ والمنتهى)) [من كتاب الدين و القرآن].
((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) حديث نبوي : حديث تأبير النخل , و قصته معروفة.
((تغير الأحكام بتغير الأزمان)) قاعدة فقهية.
((حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله)) قاعدة فقهية.
تكرس هذه القواعد مبدأً رابعاً من مبادئ الدولة المدنية هو : مرونة التشريعات و القوانين و تطورها مع الزمان و المكان.
يقول المفكر الإسلامي المستنير د- محمد شحرور في إحدى مقالاته : ((التاريخ الاسلامي ولا سيما القرن الاول منه , أي مرحلة تأسيس الدولة , هو تاريخ سياسي , والاسلام الذي سيطر على الفقه هو اسلام سياسي , لذلك يعتقد العلمانيون أن الاسلام معاد للعلمانية .اذا اخذت منهجي الذي اطرحه انا ,ترى ان كل الاجراءات التي قام بها النبي (ص) من عسكرية و تنظيمية و قضائية و سياسية , وكل ما يتعلق بتنظيم المجتمع ,هذه كلها ليست شرعا اسلاميا ولا يقاس عليها ,هي فقط اجراءات لبناء الدولة و بالتالي هو قام بها من باب النبوة و ليس من باب الرسالة , ونحن ملزمون بطاعة محمد الرسول لا طاعة محمد النبي , فقد قال تعالى (واطيعوا الله و الرسول ) . (ال عمران _132) .
أما بالنسبة للمراحل التي يجب على العقل الاسلامي اجتيازها حتى يكتسب الوسائل الملائمة في حل القضايا العالمية التي يطرحها الواقع باستمرار, فأول ما يجب على العقل الاسلامي فعله هو التفريق و الفصل بين النبوة و الرسالة , بمعنى ان كل الاجراءات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و القضائية و العسكرية من حرب و صلح , قام بها محمد بن عبد الله بنفسه فهي ليست شرعا اسلاميا و لا يقاس عليها لانه قام بها من باب النبوة , لا من باب الرسالة , فمحمد (ص) كان مجتهدا في مقام النبوة معصوما في مقام الرسالة , ولو كان معصوما في مقام النبوة لما كان الله تعالى قال (لقد تاب الله على النبي و المهاجرين و الانصار) (التوبة_119) ,
استطيع ان اسألك لماذا قال الله تعالى : انه تاب على النبي ولم يقل على الرسول ؟
ما اريد قوله ان ما قام به النبي في مقام النبوة ,ما زلنا نعده شرعا اسلاميا أبديا و نقيس عليه وهذا غير صحيح وان لم تحل مشكلة الفصل بين السنة النبوية و السنة الرسولية فلن نصل الى نتيجة .
أولا : تقسم السنة الى قسمين , نبوية و رسولية , النبوية هي كل ما ذكرته في الجواب السابق , وكما قلت السنة النبوية غير ملزمة لاحد حتى ولو صحت , و مخطيء من يعتقد ان مشكلتنا في السنة النبوية ان كان قد قال ام لم يقل ,لا,قد قال وقد فعل ...
اما السنة الرسولية فهي ملزمة لي , وهي العمل الذي قام به محمد ابن عبد الله اول مرة , لم يسبقه اليه احد , كصلاة العصر , مثلا , اذ هو اول من صلى العصر , هذه نأخذها منه , اما ان تقول لي انه كان يأكل بيده اليمنى , أقول لك خيرا ان شاء الله وغيره اكل بيده اليمنى من قبله و من بعده , هذا الكلام الذي ذكرته لك قلته امام فقهاء و علماء في النبطية بلبنان .
و بالتالي اصبح القياس على اعمال الصحابة اذ إن اعمال الصحابة عدوها شرعا اسلاميا , مثلا, اذا اوصى رئيس الجمهورية لخلف له , فيقيسون على ان ابا بكر وصى لعمر و يعدون ذلك شرعا اسلاميا و يباركونه , واليك هذه الحادثة : المطعم بن عدي اجار الرسول بعد رجوعه من الطائف ,وكان ابو طالب متوفي , فطلب الرسول اجارته فأجاره و هو مشرك و مات مشركا, هذه الحادثة قيس عليها تحليل دخول الامريكان الى السعودية .))
و يتحدث في مقالة أخرى عن الدولة المدنية _محور حديثنا_فيقول :
((فالدولة المدنية بما أنها ضمن حدود الله، فالتشريعات تصدر باسم الناس لا باسم الله، لأن التشريع الإسلامي تشريع مدني إنساني ضمن حدود الله، فالدولة المدنية ليست ظل الله في الأرض ولا تمثل الله وهي لا تملك تفويضا من الله، أما بالنسبة للفقهاء فالإمام ابن القيم الجوزية يقول: "الفقيه يوقع عن الله" وهذا لا يتفق مع الدولة المدنية ، والشاطبي يقول: "إن المفتي هو قائم مقام عن الرسول"، في الدولة المدنية إذا وافقنا على هذا الشيء فنحن نوافق عليه في الشعائر فقط ما عدا ذلك لا.
الدولة المدنية لا تقود الناس بالقوة إلى الجنة ولا تمنع الناس بالقوة عن النار فهذا ليس من مهماتها، وأعتقد أنه آن الأوان لنفتح الباب على هذا الموضوع، ليس مهمة الدولة أن تسوق الناس إلى الجنة.
ويتابع شحرور: الدولة المدنية إذا كانت إسلامية بشكل صحيح وبها الروح الإسلامية، فإنها لا تتعدى على حاكمية الله، وحاكمية الله لا تظهر إلا في خمسة بنود: الأول: الله لا يشرك في حكمه أحدا يقول تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا) والدولة المدنية تشرك في حكمها أحدا. ومن لا يشرك في حكمه أحدا أو السلطة التي لا تشرك في حكمها أحدا فقد تعدت على الله في حاكميته.
ثانيا: الله لا يخضع للمساءلة، يقول تعالى: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) الدولة المدنية تخضع للمساءلة، وكل من لا يخضع للمساءلة فهو يتعدى على الله في حاكميته.
ثالثا: الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد، وكل مسؤول يظن أنه فعال لما يريد فقد تعدى على الله في حاكميته.
رابعا: لله مقام الألوهية، والألوهية هي الطاعة المطلقة، وكل من يطلب الطاعة المطلقة حتى الدولة فقد تعدى على الله في ألوهيته.
خامسا: الله رب العالمين والربوبية تعني أنه مالك الناس ومالك الكون وكل من يعتقد أن يملك رقاب الناس والعباد والأرض فقد تعدى على الله في ربوبيته. هذه هي البنود الخمسة التي إذا كانت غير موجودة في الدولة المدنية فهي إذا دولة سليمة، لأنها تعلم تماما أن هناك عقدا وأن الناس يعلمون من يحاسبون. وهكذا الدولة المدنية هي تشريع مدني إنساني ضمن حدود الله والشعائر مفهومة ولا علاقة لها بالدولة وكما قلت فالرسول عليه الصلاة والسلام قام بفصلها، وبالنسبة للقيم، فالملحدون لا يصوتون على القيم كبر الوالدين وشهادة الزور وقتل النفس، لأن كل أهل الأرض موافقون عليها وهي الجانب الإنساني الموجود عند الجميع وليس عندنا فقط.
ويبقى لدينا الشرائع فالشرائع هي حدودية ولهذا السبب كانت صلاحية الشريعة المحمدية إلى أن تقوم الساعة، ولو كانت شريعة عينية لما كانت تصلح.
معنى ذلك أنه يمكنك أن تتحرك دائما ولكن ضمن هذه الحدود التي وضعها الله سبحانه وتعالى، ولو خرجت بمليون احتمال هنا، لا الفقيه ولا علم القياس يمكن أن يحدد لك حركتك وإنما وضعك، لذلك فالانتخابات ضرورية، والعقد بين الدولة والمجتمع ضروري، وكذلك تحديد مسؤوليات الدولة ومسؤوليات المجتمع. أخيرا الدولة المدنية يمكنها حل كل شيء وهي إسلامية بحتة 100%.))
و ختاماً : هذه وجهة نظري الخاصة و أنا مقتنع بها تمام الاقتناع و من حقك عزيزي القارئ قبولها أو رفضها فلا إكراه في الدين كما سلف..
تحياتي للجميع.
و السلام عليكم و رحمة الله. (f)
|