برضك عم تتهرب للميوعة الفكرية يا إبراهيم،

قبل أن تنفي صفة التحضر عن العرب، ومعها صفة الثقافة، نريد كلمات واضحة وصريحة حول ما هي الثقافة وما هي الحضارة، ثم ما هو الأساس الذي منه انتزعت التعريف، ثم كيف حكمت على العرب والمسلمين أنهم دون ثقافة ودون حضارة.

وسيبني من حكي رينو وبيجو، وكأنه كتاب منزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مجرد تقسيم الشعوب إلى حامي وسامي وسعيد وسارة هو تخريف ما أنزل الله به من سلطان!


وبينما تبحث، فإني سأدخل وأقول أن الثقافة هي مجموعة المعارف المتعلقة بالسلوك المجتمعي والفردي، والتي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط، ما اصطلح الناس على تسميته بشكل أعوج "العلوم الإنسانية" هذا المجموع هو الثقافة.

وللثقافة أصل يربطها معا، وإلا نقضت نفسها وصارت للهدم لا للبناء، وفي حالتنا هذه فالعقيدة الإسلامية المجملة هي السلك الذي ينتظم الثقافة الإسلامية، منذ دخول إبراهيم الحمام وتشطيفه باليسار لا باليمين عملا بالبروتوكول الإسلامي، وحتى جلوسه على المائدة يأكل باليمين لا باليسار مخالفا الغرب قبل أن يعرف الغرب الشوكة والسكين، وحتى يصل للعلاقات الدولية وربط الإنسان بخالقه، ولكل هذا وعاء يحتويه هو اللغة العربية.

فالثقافة الإسلامية هي كل ثقافة كانت العقيدة الإسلامية سببا في بحثها ووجودها، مباشرة أو بالوساطة.

ثم الحضارة، وقد ذكرت شيئا عنها في موضوع الحضارة، فلنرجع إليه إن أحببت.

العرب أمة برزت في القرن السابع بفضل العقيدة الإسلامية التي جمعتها من حالة القبائل والبداوة، لتشكل النواة الحضارية التي اصطدمت بالامبراطوريات المعاصرة حينذاك، نعني امبراطوريتي الروم الشرقيين والفرس، ولم يصطدم العرب لا بالنصارى، ولا باليهود، ولا بالمجوس، اللهم إلا من قبيل الصراع الفكري، أما مصر والشام والعراق فما كانت إلا أعضاء في امبراطورية منافسة معادية تكيد وتتربص الدوائر، فلا بد من جعلها أعضاء لنا لا علينا، ومن الحماقة والسذاجة السياسية والمبدئية، والفكرية والثقافية، والحضارية، أن يترك الشام والعراق ومصر مع العدو اللدود يتقوى به علينا، ويغذي ما يريد من فتن وانقلابات، بل ربما محاولات غزو لقلب الحضارة حينذاك المدينة المنورة.

طبيعة التعامل مع الغير الخارج عن الحضارة لا بد لها من نظام وقانون ولا تترك فوضى تبعا لأهواء الناس والحكام، فكان ما مجته نفوس رقيقة من زملائنا هنا، فرفضوا أن يدفع الناس الخاضعين لسلطان الدولة حينذاك جزية ولا خراجا، رغم أنني أجد القوم في بلاد الغرب لا جنسية معهم، يعملون ويدفعون الضريبة كالمواطن ولا يتمتعون بما يتمتع به من سيادة، ولا يقز أحد ولا تزوع نفسه الرقيقة أبدا!

ويح نفسي!