يا خالد المشكلة هي أنك في التعريف لكل شيء تفكر فيه بعقلية دينية. تسأل أي واحد أزهري ما هي الملوخية فيقول لك الملوخية لغة هي كذا وكذا وشرعاً هي كذا وكذا. كل شيء لازم يكون لغة وشرعا ولا يخفى عليك ما يحدث من المتفقهين بالعربية من اسهاب وتفصيل ممل في وصف أمر ما وكأنه بذلك يحسم الأمر ويأتي به من جذره. تسألني ما هي الحضارة قلت لك الإنسان الحضاري هو من يضع الكرامة الإنسانية في الاعتبار الأول. وأنت تريد أن تدخلني في مشتقات الفعل حضر ويتحضر تحضرا وتحضيرا وإلخ.

إما أن الشعب هو شعب حضاري حقاً يا خالد أو هو شعب غير حضاري. العرب أنفسهم لم يدعوا أنهم أهل الحضارة وهذا جميل. من يدعي الحضارة هم من يجلسون خلف مكاتبهم ويتفلسفون ويختلقون الوهم ثم يريدون تصديقه ويحدثونك عن الأندلس وغرناطة ومش عارف إيه. كلام لا يودي ولا يجيب ولا يمت بصلة للحضارة.

طبعا أعرف جيدًا يا سيد خالد أن العمل اليدوي لا ينفي الحضارة ولكني استخدمت هذا كمثل من باب المزاح للتدليل على أصولي البدائية كأي عربي.

والرجل المتحضر يا خالد ليس من الضرورة أن يكون لون عينيه أزرق أو لون شعر العانة لديها أصفر. ليس هذا هو المقوم الأساسي ولكن المقوم الرئيسي هو أن يكون أي إنسان من لحم ودم ويتعامل معك من مطلق أدميتك ويعاملك على أساس شخصك لا على أساس دينك. الشعب المتحضر هو شعب يوقن تمام اليقين أن الدين مسألة شخصية ولا تقرر قيمة فرد عند الآخر. مثلا أعتبر نفسي إنسان حضاري لو نظرت للمسلم نفس النظر التي أنظرها للبوذي في التعامل الشخصي ونفس النظر للمسيحي وأي ملة أو لا ملة تشاء. لكن الشعب العربي يعاملك دوماً على أساس أنت مسلم أو مسيحي؟ الوجود كله ليس فيه إلا مسلم ومسيحي.. حاجة تقرف بصراحة. قطيعة تاخد الاتنين في يوم واحد يارب. الواحد قرف من الاتنين. هذا هو الفارق بين من يفكر تفكير حضاري ويطبقه وبين من يقيم على أساس اعتبارات ضميرية شخصية. اليابان مثلا ليسوا أصحاب عيون زرقاء ولا شعر عانة أصفر ولكنهم شعوب متحضرة وتسلك بحضارة. هل تريد أن تقول لي أننا كعرب نصل في تحضرنا ما وصل إليه اليابانيون؟ ما كانش ينعذر ولا يتباع جزر. عند أم ترتر.

تحياتي لك يا خالد. أنت عايز العرب يكون أهل الحضارة لأنك بتفكر أنهم غصبن عن العالم وعن اللي خلفوا العالم خير أمة أخرجت للناس.. لكن سوري ما هماش كدة. ما باليد حيلة.