{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 0 صوت - 0 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
سجن الهوية .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #1
سجن الهوية .

" من ضرورات خوض الحياة الإنسانية ، أن نتحمل مسؤوليات الإختيار و التفكير." أمارتيا صن –نوبل في الإقتصاد 1998.
في زيارة شهيرة لجورج بوش إلى تركيا تحدث الرئيس الأمريكي إلى مضيفيه الأتراك ، فقال أنه سعيد بوجوده في بلد إسلامي منفتح على الغرب ، هنا انبرى له الرئيس التركي -وقتها - جودت سيزار مصححا بأن تركيا دولة علمانية و ليست إسلامية ،و لكن الرئيس الأمريكي المعروف بذكائه المحدود عاد للحديث عن العلاقات الطيبة بين بلاده و تركيا المسلمة ، وهنا صحح له الرئيس التركي معلوماته مرة أخرى مؤكدا علمانية تركيا ، أعجب الكثيرون باستقامة المعاييرالعلمانية في عقل سيزار و سخروا من تشوشها عند بوش ، و لكن هناك قليلون أكثر حصافة أدركوا أنه عندما تكون العلاقات الطيبة بين البشر المختلفين دينيا أمرا استثناءا و يستحق الإشادة ، فذلك في حد ذاته نذير يدعوا إلى الخوف لا الفخر و الإشادة ، ربما يرى البعض أن الرئيس الأمريكي شديد الضحالة و الغباء وليس مرجعا لشيء ، و لكن المخيف في الأمر أن بوش لم يكن طائرا وحيدا فقد سربه ، فالعالم يتغير بالفعل ، و يتحرك بخطى سريعة إلى مزيد من التمايز في الهويات الأحادية المنعزلة ، هذا الإتجاه يحيل النظام العالمي إلى مجرد كونفدرالية أديان و ثقافات أكثر من أي فترة سابقة في تاريخه منذ نشأة هذا النظام .
تصور جورج بوش لهذا العالم المنقسم بحدة إلى هويات أحادية متمايزة و متفارقة ، أعادني إلى تأمل ما يعرف بحوار الحضارات أو الثقافات ، ولا أنكر أن فكرتي عن ذلك الحوار سلبية كلية ، بل ولا أراه سوى مأزقا حضاريا في حد ذاته ، و لا يعدوا كونه ترسيخا لمفهوم الهويات الشمولية المتصارعة ، و أرى أن العقلية التي تدعوا إلى حوار الهويات لا تختلف كثيرا عن العقلية التي تدعوا إلى صراعها ، فكلتهما تقزم أفراد الجنس البشري و تختزلهم في جماعات شمولية متمايزة ، وهي بالتالي لا تعترف بحق البشر في تعدد الهويات ، و أن هذه التعددية ليست فقط حقا طبيعيا للأفراد و الشعوب على السواء ، و لكنها الأداة الأساسية في تجنب الصراعات و الحروب المدمرة ، فمع الهويات الأحادية الشمولية لن يكون الإسلام مثلا مجرد دين يدين به البعض ، بل سيكون هوية حصرية للمسلمين تحدد لهم أفكارهم وسلوكهم و مصالحهم ،و لا تزاحمها هوية أخرى ، و يمكننا أن نسترسل فنقول أن التشيع عندئذ لن يقتصر عن كونه مذهبا دينيا ، بل سيصبح هوية شاملة للشيعة ، و يمكننا أن نمد الخط على استقامته ليشمل مختلف الأديان و المذاهب الدينية .
مثل هذا التقسيم و هذه التفرقة هي ما يجب أن ندينه بالأساس ، فهو ضد الفكرة الإنسانية القديمة التي تقول أن الناس أخوة و أنهم متشابهون إلى أبعد حد ، إن النظر إلى العالم بأنه مكون فقط من ديانات أو ثقافات مختلفة ، يتعارض أيضا مع الهويات الأخرى التي يتمايز بها الناس و يقدرونها ، و هي الهويات المتعلقة بالمهنة و الطبقة و اللغة و الجنس و الأخلاق و القوميات و العلوم و السياسات و ....، إن هذه التقسيمات المتداخلة و المتشابكة للجنس البشري تجعله أقدر على الفهم و التعايش ، أما الهويات الإختزالية و الإقصائية القائمة على أساس العقيدة الدينية و التي تعطي لنفسها موضعا محوريا و مهيمنا على حياة الأفراد ، فتساهم مساهمة جوهرية في شيوع العنف و التصادم .
إن أهم مصادر الصراعات الحية و الكامنة في هذا العالم هي بسبب تصنيف الناس على أساس الدين أو الثقافات ، فهذا يجعل العالم مرشحا للإشتعال في أي لحظة ، وكل العقلاء في العالم الذين استمعوا إلى جورج بوش – مرة اخرى لا أجد مثالا أقبح – يتحدث عن دولة يهودية في فلسطين ، كانوا يعلمون أنهم يسمعون لنعيق البومة التي تقف على الخرائب ، و أن الدولة الدينية ستكون مقبرة لسكانها يوما ما ، لهذا يشعر جميع الخيرين في هذا العالم أن هناك بالفعل مشكلة ثقافية تعصف بالبشرية ، و لكنها ليست مشكلة صراع الهويات و الحضارات و الأديان أو تحاورها ، فالمشكلة في جوهرها هي غياب نموذج بديل يرسخ فكرة الهويات المتعددة المتداخلة للجنس البشري ، نموذج لعالم غير شمولي تعددي نبشر به و نجسده ، و بالتالي نتوقف عن تصنيف الناس تصنيفا مؤسسا على الدين أو الثقافة ، ثم اعتبار هذا التقسيم ملزما للجميع ، وهذا التصنيف المخرب هو ما يفعله كل من يتحدث عن صراع الهويات و كل من يتفاوض باسمها أيضا .
تتغذى المفاهيم المغلوطة و الملتبسة بعضها من بعض ، ففي الوقت الذي تتزايد فيه التقسيمات الدينية و الثقافية للشعوب ، تتزايد في المقابل المفاهيم الخاطئة لمقاومة تلك التقسيمات ، و بدلا من تنشيط المجتمع المدني و الهويات المتعددة للأفراد و الشعوب كسبيل لمقاومة الهويات الأحادية ، نجد أن الإتجاه السائد – كما في الحالة السنية – هو تشجيع رجال الدين المعتدلين و تمكينهم من الخطاب الرسمي في مواجهة المتعصبين الشعبيين ، وهذا واضح في بلد تقليدي مثل مصر ، فغاية ما توصل إليه رجال الأمن هو ما أطلقوا عليه المراجعات و الحوار مع المتشددين ، عندما يحشد رجال الدين الرسميين لترسيخ مفاهيم دينية أكثر إعتدالا ، أي بحصر الحوار داخل الجماعة الواحدة ( المسلمين في حالتنا ) ، و بالتالي تنعزل كل جماعة عن الجماعات الأخرى ، و حتى في حالة نجاح عملية الإصلاح الديني ، فأقصى ما يمكن تحقيقه هو هدنة تقصر أو تطول مع الآخر المنتسب بالضرورة إلى هوية مخالفة ولا سبيل للإلتقاء الحقيقي معه ، و لكن السبيل الفعال لتجاوز تلك التقسيمات المصمتة كما نراه هو ترسيخ المجتمع المدني و تحفيز تعدد الهويات و تداخلها .
إن أسوأ ما نفعله هو أن نقبل ولو ضمنيا فكرة أن العالم هو مجرد فيدرالية للأديان و الطوائف ، و أن الناس يمكن أن يصنفوا وفقا لنظام فصل ديني أو ثقافي شامل ، و بهذا يكون البشر مجرد أعضاء في إحدى الجماعات الدينية أو الثقافية ، فبهذا المقترب سنغرق جميعا في سوء الفهم بعضنا للآخر ، إننا في حياتنا اليومية نجد أنفسنا أعضاء في أعداد متنوعة من الجماعات ، فالإنسان منا يمكن أن يكون ،وبدون أي قدر من التناقض ،مواطنا مصريا من أصل تركي ، و ينحدر من أسلاف عاشوا في آسيا الوسطى ، و قد يكون مسلما ، و علمانيا ،و ليبراليا ،و رجلا أو إمرأة ،و مهندسا أو طبيبا ، و رياضيا ، و محبا للشعر ، و مناصرا لحقوق المرأة ،و متحمسا لحقوق الأقباط ،و مدمنا للأفلام الأمريكية ، يمكن لأي منا أن يكون كل ذلك و أكثر ، و كل ذلك يعطي الإنسان هوية فريدة خاصة به ، و لكن ليس بينها ما يمكن اعتباره هويته الوحيدة .
أما أخطر ما يحدث بالفعل نتيجة تقسيمات الهوية ، هو أن البشر يجرى تقزيمهم و تعبئتهم داخل صناديق طائفية منعزلة ،فإنه من ضرورات خوض الحياة الإنسانية ، أن نتحمل مسؤوليات الإختيار و التفكير ، كما عبر بعمق المفكر و الإقتصادي الهندي امارتيا صن ، هذه الحرية التي ينادي أمارتيا صن و غيره من أولئك الرجال العظام ، تتناقض مع تعميق الإحساس بحتمية الإنضواء ضمن هوية ما ، يفترض أنها هويتنا الحقيقية ، وتسوق كونها فريدة و متسامية ، إن فرض تلك الهوية (الفريدة )على البشر كقدر لا فكاك منه سوى لخائن ، هو الطريق السريع للفتن و الحروب و الصراعات المدمرة ، إن إنسانيتنا المشتركة تتعرض لهجوم وحشي عندماتتلاشى كل التقسيمات و الهويات و التنوعات و الحريات ،و يتم توحيدها كلها في تصنيف مهيمن يقوم على الدين أو الثقافة وحدها ، فبهذا سيتحول البشر كلهم إلى كائنات ممسوخة ذات البعد الواحد ، بلا عقل ولا تفكير ولا شخصية ولا وجود حقيقي .
هناك بالفعل مخاوف كثيرة في مختلف الثقافات من إنتشار الأفكار الشمولية داخل الثقافة ، فالمفكرون خاصة في العالم الثالث حديث العهد بالحريات العامة ، يخافون من ضياع تلك الحريات و تغليظ الإرتباط بالهويات المحورية ، و من الغريب أن تلك المخاوف واضحة بين المفكرين الهنود ، الذين يبدون مخاوفهم من أن تتحول الهندوسية إلى هوية شمولية كالإسلام مثلا ، بينما ألاحظ ان الهند من أكثر المجتمعات انفتاحا رغم الفقر و الأمية ، فلو عرفنا أن 80 % من الناخبين في أكبر الديمقراطيات في العالم هم من الهندوس ( المتدينيين ) ، سوف ننحي احتراما لهذا الشعب الذي رئيس جمهوريته مسلم ، و رئيس الوزراء من طائفة السيخ ، و رئيس أكبر الأحزاب السياسية سيدة مسيحية إيطالية الأصل !، رغم ذلك يرصد المثقفون الظواهر الأصولية بقلق شديد ، بينما نصر أن المجتمعات العربية المسلمة هي مجتمعات متسامحة لا تعرف التعصب المقيت !.
06-13-2008, 01:46 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-13-2008, 01:46 PM
سجن الهوية . - بواسطة Beautiful Mind - 06-13-2008, 06:40 PM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-14-2008, 04:03 PM,
سجن الهوية . - بواسطة فرج - 06-14-2008, 04:51 PM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-16-2008, 01:47 AM,
سجن الهوية . - بواسطة VOLTAIRE - 06-17-2008, 01:06 AM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-17-2008, 04:49 AM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-19-2008, 02:00 AM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-20-2008, 11:18 PM,
سجن الهوية . - بواسطة طريف سردست - 06-27-2008, 10:31 AM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 06-28-2008, 02:36 PM,
سجن الهوية . - بواسطة الحكيم الرائى - 07-03-2008, 12:45 AM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 07-05-2008, 03:03 AM,
سجن الهوية . - بواسطة طريف سردست - 07-05-2008, 01:00 PM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 07-06-2008, 09:24 PM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 07-07-2008, 11:36 PM,
سجن الهوية . - بواسطة بهجت - 07-10-2008, 12:11 AM,

المواضيع المحتمل أن تكون متشابهة…
الموضوع الكاتب الردود المشاهدات آخر رد
  سؤال الهوية : بين دور العائق ومسوغ الإقلاع رشيد عوبدة 0 517 09-21-2012, 10:43 PM
آخر رد: رشيد عوبدة
  مجتمعاتنا العربية والإسلامية وورطة الهوية زيني عبّاس 0 499 12-10-2011, 11:09 AM
آخر رد: زيني عبّاس
  قال الطنطاوي : الهوية العربية هي ايضا هوية ابن الراوندي العاقل 20 4,488 11-28-2010, 06:39 PM
آخر رد: طنطاوي
  سلمان رشدي يحاور إدوارد سعيد عن الهوية الفلسطينية يجعله عامر 2 1,256 12-29-2008, 03:09 AM
آخر رد: noooneh
  إشكالية الحداثة و الهوية: دبي نموذجا Awarfie 16 3,896 10-22-2008, 07:28 PM
آخر رد: هاله

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 2 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS