Array

فنحن نستخدم كلمتي الحياة والوجود كمترادفتين مقابل مترادفتي الموت والعدم. ولكن، هل الأمر كذلك؟ هل الوجود رديف الحياة؟ وهل العدم رديف الموت؟ هل نستحق صفة الوجود لمجرد أننا على قيد الحياة، وبالتالي نفقد هذه الصفة لحظة موتنا؟ وإذا كان كذلك، ما سر تلك اللحظة العجيبة التي ننتقل خلالها من الوجود إلى العدم؟ ما الذي يقصده أحدنا عندما يقول أنا موجود؟ هل يقصد بكلمة "أنا" مجموعة الخلايا التي يتكون منها جسمه (كل جسمه) أم بعض خلايا دماغه على وجه التحديد (كما يقول الزميل المحترم نبيل في موضوعه عن الوعي) أم شيئاً ما داخل هذه الخلايا؟
------------------------------
بداية علينا ان نوضح بان للوجود الانساني اكثر من شكل :
1- هناك الوجود التاريخي ، و يتمثل باللقى التي تعبر عن مرحلة تواجد بها ذلك الجنس البشري في زمكان ما !
2- هناك الوجود الجيني ، و يتمثل بالابناء و الاحفاد الذين يعبرون بمواصفاتهم الجينية عن اثنية ما او عرق ما !
3- هناك الوجود الفكري ، و يتمثل بما قد تركه انسان ما ربما لم يعد موجودا كانسان حي ماديا ، لكنه موجود كتراث فكري دامغ
لمجتمع. ما مثال على ذلك الفكر الاسلامي ،وهو انعكاس لما كان يحمله خثم القرشي، الملقب بمحمد بن عبدالله (النبي ) !
4- و اخيرا هناك الوجود المادي العيني ، و الذي تعكسه الانا التي نعبر من خلالها عن وجودنا ن و هي تترافق مع وجود مادي
يتمثل بخلايا مختلفة بدءا من خلايانا الدماغية و انتهاءا بخلايا الاظافر التي نقصها كل اسبوع .

ما سر تلك اللحظة العجيبة التي ننتقل خلالها من الوجود إلى العدم؟
--------------------------------
كما سبق لي شخصيا ، فقد قلت بان الموت لا يشكل حالة سحرية او رهيبة او ملفتة ! و لطالما قلت ، ان موت الانسان لا يختلف نظريا عن موت نملة سحقتها قدم عابرة ! اما ان الموت ينقلنا من وجود الى عدم ، فهذه مسالة محط نقاش . فالموت هو تحول المادة (الجسم ) من حالة الى حالة اخرى ، او بالاحرى ، من حالة اكثر تعقيدا الى حالة ابسط ! فالعمليات التي كانت خلايا الجسم تقوم بها اثناء الحياة تختلف بعد الموت ، و تبقى عملية واحدة هي التحلل و التخمر و التفسخ ! لكن تلك الخلايا لا تنتقل الى العدم ، لان كلمة العدم هي مفهوم نظري ، كمفهوم اللانهاية في الرياضيات ، يستخدم لايضاح مفاهيم اخرى و لحل مشاكل معينة ن ولكنه ليس بالمفهوم الحقيقي و المحدد كبقية المفاهيم تقريبا ! اذا فالعدم غير موجود ، لان ليس هناك من فاصل بين الوجود و العدم ، و الا لكان علينا ان نتحدث عن ماهية و تركيب ذلك الحاجز او الفاصل او الpartition الذي يفصل بين تانك الحالتين . و بكلمات اخرى ، فالعدم هو " اللاشيء " ، و هل حدث لنا ان شاهدنا " لاشيئأ " او قسناه ،او وصفناه ! و نصل الى ان موتنا لا يحولنا الى لاشيء بل يحولنا الى بقايا جسد مقبل على التفسخ خلال زمن محدد تقريبا !

يرى البعض أن وجودنا يمكن يستمر بعد موتنا من خلال أبنائنا الذين يحملون جيناتنا أو من خلال أعمالنا التي تذكر الناس بنا. هل هذا الكلام صحيح أم هو مجرد حيلة عقلية نحتال بها على أنفسنا لإرضاء غرورنا؟
-----------------------------
لقد تحدثت عن هذا الامر اعلاه . لكني اود ان اضيف شيئا يتعلق بهذا الامر ، وهو التالي : ان وجود الانا ، قد يستمر من جيل الى جيل ، في حال اذا تمكن العلم فعلا من القيام بنقل الدماغ البشري من شخص الى شخص ، اي نقل الجهاز العصبي المفكر . عندها يكون الانسان قد اصبح خالدا باناه الذاتية كلما تمكن من نقل الدماغ نفسه من شخص الى شخص ، فالعملية تعني نقل المشاعر و الانفعالات و الاحاسيس و الافكار ( الذاكرة ) و التجارب المختزنة في الدماغ المنقول ، و كل ما له علاقة بالانا الذاتية للشخص الذي نقل دماغه الى شخص آخر . في هذه الحالة ، ارى بان هذا الانسان ( الذي نقل دماغه الى غيره ) لا يموت الا اذا توقفت قدرة الدماغ عن التجدد خلويا ، او اذا تعرض لحادث دمره ، او اي شيء ساهم بتعطيل وظائفه . وعندها يموت الانسان ذو الدماغ الاصلي مع جسده الجديد في الآن نفسه .


هل يختلف وجودنا باختلاف مانفعله في حياتنا؟
هل يختلف وجود ذلك الرجل البسيط المدعو أحمد الذي يبيع الفلافل في أحد أزقة القاهرة عن وجود شخص مثل العالم أحمد زويل أو المطرب أحمد عدوية؟
-------------------------
لو اخذنا تصنيفي اعلاه لانواع الوجود الانساني ، لا شك سيكون هناك اختلاف في نوعية الوجود !


هل يختلف وجودنا باختلاف تصنيفنا البيولوجي؟
هل يختلف وجودي أنا عن وجود أي حيوان آخر مثل تلك القطة التي فقدت أمها قبل الفطام وقمنا برعايتها في حديقة منزلنا أو ذلك الصرصار الذي هرب من الموت عندما حاول ابن أختي قتله بالنعال؟
-------------------------
لو اخذنا تصنيفي اعلاه لانواع الوجود الانساني ، لا شك سيكون هناك اختلاف في نوعية الوجود !


فهل وجودنا نسبي أيضاً؟ وهل حياتنا وموتنا نسبيان كذلك؟
هل أستطيع القول مثلاً أني 80% حي و20% ميت؟
-----------------------
كما ارى ، فان لوجودنا سمات متداخلة ما بين النسبي و المطلق . فعندما يتحدث علماء الاثنولوجيا عن اثنية معينة ، فهم يحدثوننا عن وجود شبه مطلق لانسان و زوجته ، صنعا نسلا ، ذي مواصفات مستمرة عبر العصور . و موت خثم القرشي يختلف بالتاكيد عن موت جارية ما كانت تعيش عند جيرانه ،علما ان التاريخ لم يذكر تلك الجارية . فالجارية ماتت و اندثرت اما خثم ، او بوذا أو الاسكندر المقدوني او آدم ، فهم اشخاص، لم يموتوا بالمعنى الذي ماتت فيه الجارية المذكورة ، لكنهم ماتوا وما زالوا متواجدين حتى اليوم ! و هكذا نجد ان موت الانسان مرتبط بطريقة حياته ، و ليس عبثا ان كل الشعوب تقول ما معناه ان الانسانم يموت لكن اعماله تبقى . او يذهب الانسان و تبقى اعماله ....الخ ، اي يموت الانسان ، و يظل متواجدا ، بعد الموت ، بين الناس . فقد ذهب بوذا ،لكن اعماله و اقواله تشعرنا و كان بوذا ما زال جالسا تحت الشجرة الكبيرة ، وهو يطلق مواعظه على عابري السبيل من شعبه . و بهذا لا تعود لنسب ال80% حي و20% ميت اهمية تذكر هنا ، بل ما الاعمال التي نقوم بها لتجعلنا نتواجد بعد ان نموت .



تحياتي (f) .

:Asmurf:
[/quote]