{myadvertisements[zone_1]}
 
تقييم الموضوع:
  • 2 صوت - 5 بمعدل
  • 1
  • 2
  • 3
  • 4
  • 5
العقــل الأسيــر .
بهجت غير متصل
الحرية قدرنا.
*****

المشاركات: 7,099
الانضمام: Mar 2002
مشاركة: #1
العقــل الأسيــر .

( 1 من 2 )
" إذا بحثت شعوب الأرض جميعا عن وطن واحد يضمها بلا تفرقة و يسعهم لهم بلا حدود ، كان هذا الوطن هو الحرية " . برتراند راسل .


لم أنكر يوما افتناني بالحضارة الغربية و قيمها العلمانية ، و لكن هذا الحب لم يكن أبدا ذلك العشق الأعمى ، بل هو الحب المبصر الذي يدرك أن المحبوبة ليست بريئة تماما ، و أن لديها سجلها الإجرامي الخاص ، فالحضارة الغربية لم تكن أبدا مبرئة من الشوائب و العيوب ، علينا بداية أن نتفق أنه ليس كل ما هو موجود في الغرب بالضرورة حضاري ، و أن الحضارة الغربية ليست كما واحدا ، بل هي كتلة من المتناقضات ، و القيم الغربية ليست كلها حضارية ، بل أقلها كذلك ، فالغرب الذي أعطى للإنسان حقوقا أصيلة و حقيقية لأول مرة في التاريخ ، قصر هذه الحقوق غالبا على مواطنيه ،و الغرب الذي صنع لنا كل تلك الأدوات التي طورت نوعية الحياة على ظهر الأرض ، هو الذي صنع القنابل الذرية وألقاها على البشر في اليابان ،و مارس الحرب الكيماوية و البكترولوجية . و الغرب الذي حرر فرنسا و بلجيكا و هولندا من محتليها هو الذي دمر فيتنام و احتل العراق و يدعم البغي الصهيوني .
بالإضافة إلى ذلك هناك دائما محاولات محمومة لتوظيف الفكر الغربي حتى العلمي و الأكاديمي من أجل أغراض سياسية ،وبأساليب متنوعة . هذا الاتجاه لتزييف العلوم الإنسانية أصبح سافرا في السنوات ال 30 الأخيرة نتيجة لتوظيف استثمارات هائلة في مجال البحث العلمي الموجه سياسيا . و لا نغفل الجهود الصهيونية لإعادة طرح التاريخ البشري كله من منظور توراتي مقنع بل و سافر أحيانا ، ولو استطردنا في ذلك لحولنا الموضوع كله عن هدفه . و لكن هذه الحقيقة لا يجب أن تصرفنا عن الثقافة العالمية المعاصرة ،و لا أن نتقوقع على تراثنا الميت نبكيه ، بل على النقيض علينا أن نبذل جهدا خارقا كي نتواصل مع هذه الثقافة العالمية بشكل فعال ، و أن يكون لنا كلمتنا على الأقل فيما يخصنا نحن ، و علينا ان نعرف انه لا يمكن كسب السباق بالخروج منه عند أول منحنى .
الحضارة الغربية بالقطع هي أكثر الحضارات دموية في التاريخ البشري و من أشدها تعصبا و استعلاء ، هناك قليلون من أصحاب الضمير يمكنهم نسيان كيف أحال الأوربيون إفريقيا – الموطن الأصلي للجنس البشري - إلى غابة كبيرة يصطادون منها البشر ، ثم يصدرونهم إلى مستعمراتهم في العالم الجديد كعبيد ، هناك قليلون ينسون فرض تجارة الأفيون على الصينيين ، و جرائم الفرنسيين في الجزائر ، و مجازر الإنجليز في الهند ،و القنبلتين الذريتين اللتين ألقيتا على هيروشيما و نجازاكي في اليابان .
إن أكثر الهنود تسامحا لا يستطيع نسيان مقتل 379 من الأبرياء العزل الذين اجتمعوا للإحتجاج بشكل سلمي يوم 13 إبريل عام 1919 في مدينة أمريتسار ، ولا يستطيع المصري نسيان الأبرياء من ضحايا دنشواى و قتل الأسرى في سيناء بدم بارد ، بل و هل يستطيع الفيتناميون نسيان مئات الألوف من ضحايا الغارات الجوية الأمريكية ، أكثر من ذلك ربما تقودنا الذاكرة إلى الحروب الصليبية ،و يتذكر البعض منا كيف نحر الصليبيون أكثر من 70 ألف مسلم في يوم واحد عندما دخلوا القدس في 14 يوليو عام 1099 تقربا للرب .
رغم هذا فإن أسوأ ما فعله الغربيون ليس فقط الإستنزاف الإستعماري للعالم القديم ، و لكنه إذلال الشعوب الشرقية و قتل روحها القومية ، و حرمانها من الفخر و الإحساس بالعنفوان و الزهو ، فالسلوك الإستعماري كان دائما سببا في توليد شعورا قويا بالمهانة ،و عبئا ثقيلا من الإحساس بالدونية ، فالشعوب يمكنها العيش بقليل من الغذاء و لكنها أبدا لا تعيش بلا كرامة و بلا تاريخ يزينه أجداد تفخر بهم ، إن تأثير العامل المعنوي الذي يشكل موقف المسلم أو الهندوسي و البوذي من الغرب ، لا يقل بحال عن تأثير النفوذ السياسي و الإقتصادي غير العادل للغرب اللذي فرضته الحقبة الإستعمارية .
هكذا نجد أن الموقف المعادي الذي يتخذه البعض من الغرب ليس متجنيا و لكنه مبرر أخلاقيا تماما ، فقط سوف أردف قائلا أنه رغم ذلك سيكون موقفا خاطئا ، لأنه يعني أن يعيش الإنسان في الماضي و يستغرق فيه ، و سيكون ذلك على حساب الحاضر الذي تفسده المرارة و الكراهية ، كما سوف يدفع ثمنه من فرص المستقبل الذي يتسرب من بين يديه دون أن يشعر ، بينما عقله و قلبه مثبتان في حقبة تاريخية بعينها قد تجاوزها الزمان ، و في مثل هذه المواقف أتذكر دائما قول برنارد شو :" ذلك الذي يقتل الملك ،و ذلك الذي يموت من أجله ،كلاهما عابد أصنام " ، وهذه ليست مبالغة لأن كلاهما سيعيش مستغرقا في مشاعر الحب أو الكراهية تجاه هدف واحد فقط .
بمكننا أن نطلق تعبير (العقل المستعمَر) على ذلك العقل المتهووس دائما بالعلاقة الإرتجاعية بالقوى الإستعمارية الغربية و جرائمها ضد الشعوب الشرقية ، مثل هذا العقل سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل سليم ، لأن هذا ( الإدراك الإرتجاعي) للذات ينشأ فقط خلال الإستحضار الإنفعالي للعلاقات التاريخية المجحفة بالغرب ، و بالتالي فمثل هذا العقل لن يدرك وجوده التاريخي الفريد في هذا الكون سوى كمجرد ضحية لآخر هو الغرب ، هو لن يدرك معجزة الحياة و فرصها و تحدياتها ،و بالتالي لن يدرك كم هو كإنسان متفرد عظيم و نادر و ثمين ، ولن يرى نفسه سوى قطرة من بحر الكراهية و الإنتقام ، و كي نوضح فكرة إدراك الذات الإرتجاعي ، نضرب مثلا يختص بتفسير ماضي المسلمين و بالتالي إدراك الهوية الإسلامية ، فالمسلم الحديث يقع تحت تأثير إنطباع طاغ بأن العلوم هي نتاج مادية الغرب ، لهذا يختار المسلمون ساحة أخرى لمنافسة الغرب ، و ذلك بتعزيز أفضلية المسلمين في الأمور الروحية و الدينية ، فالقوميات المعادية للإستعمار الغربي مثل تلك الإسلامية و الهندوسية و البوذية ، بدأت وقبل صراعها السياسي الطويل مع المحتل الغربي في خلق مجال نفوذها الخاص ، و ذلك بتقسيم العالم إلى عالم مادي يتعلق بالإقتصاد و السلاح و العلوم و التكنولوجيا ، و في هذا المجال يعترفون بتفوق الغرب الكاسح ، و حتمية تقليد الغرب في هذه المجالات الحيوية ، في المقابل فهناك المجال الروحاني ، حيث يتفوق الشرق و خاصة المسلمون كما يعتقدون في أنفسهم ، و كلما نجح الفرد أكثر في تقليد الغرب في المجالات المادية، كلما ازدادت حاجته للتمسك بالجوانب الروحية للحفاظ على الهوية المحلية من الضياع و الذوبان في الآخر ، و مع رفض الغرب الإعتراف بدور المسلمين و الهندوس و غيرهما من الشعوب الشرقية في صناعة الحضارة المادية ، نما الإتجاه بين المسلمين للتمسك بالثقافات الغيبية و تنظيمها و ترسيخها ، هذا التركيز الإنتقائي على الجوانب الروحية دون المادية ساهم - في جانب منه- في تقديم تعويض معنوي مؤثر لموازنة تخلف المسلمين ، و لكنه يسلم بتجاهل جزء هام جدا من ميراث العرب في العلوم و الرياضيات و الفنون ،و قد أدى هذا الموقف إلى ترسيخ الإحساس بين المسلمين – كغيرهم من شعوب شرقية عديدة – بأنهم يتميزون بهوية روحية خاصة و أنهم ( الآخر ) في هذا العالم ، و هكذا وجدنا العديد من الإتجاهات الإحيائية التي انخرطت في جهود عنيفة من أجل إعادة تعريف الذات ،و استكشاف الهوية الإسلامية الخاصة و تحديد ملامحها ، مثل الحركات الوهابية و المهدية و الإخوان المسلمين و الجماعات الجهادية ، و بالرغم أن تلك الجهود تهدف أساسا إلى مفارقة العصر الإستعماري و محو أثاره ، إلا أنها تعتمد في الأساس على الأفكار الغربية و لكن في شكل سلبي ، و هذا الموقف خلق ما يمكن أن نطلق عليه ( العقلية الأسيرة ) ، هذه العقلية التي سبق أن وصفناها ب (العقل المستعمَر) تقود المسلمين إلى إدراك الذات بشكل إرتجاعي ضيق و مشوه شديد الضحالة و التحيز ، إن هذه الطريقة الإنفرادية من التفكير يمكن أن تؤدي إلى نتائج متعددة ، رغم أنها تقوم على التركيز على فترة تاريخية واحدة و اعتبارها محور الوجود الإنساني ، مثل هذا العقل كما أوضحنا سوف يجد صعوبة مستمرة في إدراك الذات بشكل حضاري منفتح ، و ذلك كله يؤدي إلى آثار شديدة الوطأة على عالمنا المعاصر ، يدفع المسلمون ثمنه بالأساس ، سواء في تخلفهم و ضياعهم الفكري أو المادي على السواء .
(تم إجراء آخر تعديل على هذه المشاركة: 08-01-2008, 05:43 PM بواسطة بهجت.)
08-01-2008, 05:40 PM
عرض جميع مشاركات هذا العضو إقتباس هذه الرسالة في الرد
{myadvertisements[zone_3]}


الردود في هذا الموضوع
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-01-2008, 05:40 PM
العقــل الأسيــر . - بواسطة حمزة الصمادي - 08-01-2008, 07:42 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-04-2008, 11:42 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة سهيل - 08-05-2008, 02:07 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-05-2008, 02:59 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-11-2008, 04:39 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة ابن نجد - 08-11-2008, 06:06 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة حمزة الصمادي - 08-11-2008, 07:06 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة عمر أبو رصاع - 08-11-2008, 07:54 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-13-2008, 05:46 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة jafar_ali60 - 08-14-2008, 02:54 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-15-2008, 06:17 PM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-19-2008, 03:41 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة Yusuf - 08-19-2008, 04:36 AM,
العقــل الأسيــر . - بواسطة بهجت - 08-19-2008, 03:09 PM,

الانتقال السريع للمنتدى:


يتصفح هذا الموضوع من الأعضاء الان: بالاضافة الى ( 1 ) زائر
{myadvertisements[zone_2]}
إتصل بنا | نادي الفكر العربي | العودة للأعلى | | الوضع البسيط (الأرشيف) | خلاصات التغذية RSS