أخي العزيز عاشق:

لماذا نصادر الآخر؟ ولماذا نحرق كتبه؟ نصادره لأننا نخشاه ونحرق كتبه لأننا نعرف في قرارة نفوسنا أن لها قوة وتأثير يفوق أي شيء عرفناه.

إذا سألت أي مسلم متفقه في دينه عن الحكمة من حد الردة لأجابك "خشية الفتنة".

أها... إذا, هي الفتنة!

هذا هو لب الأمر. نخشى على الناس من الافتتان بشيء بخلاف ما لديهم وينصرفوا إليه. نلجأ بالتالي للسيطرة والتحكم والاستبداد وربما القتل. وإنْ لم نقتل الشخص بأيدينا ونلطخ أيدينا بالدماء ضمائرنا تكون ملطخة بالدماء ونحن قتلة إذ لا نشعر.

تاريخ الأمم عامة ملوث بهذه الأمور ولا توجد أمة معصومة ولكن الدعوة هنا تأتي لا للانقضاض على الأديان ولكن لصحوة الضمير الإنساني فقط.

هذا الجبان الذي راسلني وبرر حرق الكتب بإسم المسيح والدين ودافع عن الأمر وبكل بساطة يقول لي "حرقوا بعض كتبه" ويركز على كلمة "بعض"! هل رأيت عهر أكثر من هذا؟

كثير من كتب الزنادقة لم تصلنا يا أخي العزيز. هؤلاء الزنادقة أبدعوا إبداع لم تصل إليه قريحة عقول قوم كثيرين. لم أكن لأعرف أن هناك أبو بكر الرازي لولا أنه قام أحدهم من أصحابي الباحثين وقصدني في مساعدة بكتاب "أعلام النبوة" لـ أبو حاتم الرازي وهو يرد فيه على هذا الملحد أبو بكر الرازي. أبو حاتم الرازي إسماعيلي وأتوقع منه الانفتاح.. ومع ذلك كان سافل ولسانه طويل مع أبو بكر الرازي. رد عليه أبو بكر الرازي بعبارة بسيطة تلخص لسان حال جميع أهل الأديان فقال "إن أهل الشرائع إذا طولبوا بالدليل شتموا". كم من مرة طلب منه أبو بكر الرازي أن لا يقول له نعوت مثل ملحد وغيره ولكن أبو حاتم الرازي أصر أن يدافع عن حقه في نعته بصفات من قبيل ملحد وغيره. لا توجد لدينا كتابات أبو بكر الرازي. أخرسوه. ما نعرفه من أقوال أبو بكر الرازي جاءنا لسبب بسيط واحد فقط وهو أن أبو حاتم الرازي هو الذي انتصر وباعتباره المنتصر فـ "التاريخ يدونه المنتصر". ومن خلال تحاوراتهما فقط عرفنا نذر يسير وقليل بصراحة من فكر أبو بكر الرازي... ولكن ترى ماذا ل وترك لنا أعماله كاملة؟ الأمر نفسه ينسحب على ابن الراوندي. لا توجد كتابات كاملة له للآن. نستشف أفكاره في جدلياته مع خصومه. أما من جهة شيخي الجليل أبو العلاء المعري فهو من قال "أرائيك فليغفر لي الله زلتي فديني ودين العالمين رياء". أبو العلاء المعري يصف لسان حال الكثيرين منا وهو أن الدين خير معلم للرياء لنا لأننا نعيش في مجتمعات ونتعامل مع بشر يضغطوننا من كل جانب والضغط واقع لا محالة فتعلمنا فن الرياء من الدين. حتى في المسيحية تعلمت كذلك فن الرياء مع بعض القوم! الناس لا تتحمل الحقيقة وتريدك أن تعاملها على قدر عقلها فتضطر أن ترائيهم حتى تنجو من سلاطة لسانهم وتنجو برقبتك من الموت وتهمس في نفسك أن دين العالمين رياء. والكلام قطعا ليس عن دين بذاته. لأجل هذا ألححت عليك أن تقرأ اللزوميات كاملة لتعرف سرّ ولعي بشيخي الحبيب أبو العلاء المعري وحرصت لذلك على توفير مجلد لشرحها قام عليه طه حسين وإبراهيم الإبياري.

واسلم لي.